فى عام 1999، قامت سلسلة "آفاق الكتابة" التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، وكان يرأسها في ذلك الوقت الأديب الراحل إبراهيم أصلان، بإصدار رواية "وليمة لأعشاب البحر" للأديب السورى حيدرحيدر، بعد طبعها فى بيروت عام 1983، لتثير الجدل فى الأوساط الثقافية والشعبية، وصل إلى خروج مظاهرات لطلبة جامعة الأزهر، وسقوط جرحى من الطلاب ورجال الأمن، وبيانات فى مجلس الشعب، واصطفاف لجماعات التشدد الدينى، وفى مواجهتهم صرخات للتنويريين والمثقفين.
و"وليمة لأعشاب البحر" رواية للأديب السورى حيدر حيدر صدرت عام 1983 فى سوريا تدور أحداثها حول مناضل شيوعى عراقى هرب إلى الجزائر، غير أنه يلتقى بمناضلة قديمة تعيش عصر انهيار الثورة والخراب الذى لحق بالمناضلين هناك، وفى عام 2000، أعادت وزارة الثقافة المصرية، طبع الرواية، وما إن طبعت حتى أحدثت جدلاً، وصل إلى حد التظاهر ومطالبة الأزهر بمنعها تحت دعوى "الإساءة إلى الإسلام".
وبعيدا عن الأزمة التى أثيرت حول الرواية، حيث نشرت إحدى الصحف مقالا لحسن نور يوم 28 فبراير 2000 يعترض فيه على نشر الرواية، وفى يوم 6 مارس رد الكاتب الراوئى خيرى شلبى رافضا آراء نور، ثم دخلت جريدة أخرى محرضة على العنف بنشرها مقالات للكاتب الدكتور محمد عباس حول الراوية، مطالبا بمحاكمة كل المسئولين عن نشرها، واتهم مؤلفها بالكفر والإلحاد.
ووصل حد الخلاف حول الأزمة إلى تقديم بلاغات إلى النائب العام، ومطالبة البعض باستقالة أوإقالة وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسنى، الذى قام بدوره بتشكيل لجنة ضمت الدكتور أحمد هيكل، والناقد فاروق عبد القادر، والكاتب الصحفى كامل زهيرى، والدكتور صلاح فضل، رفضت الاتهامات الموجهة للرواية.
ورغم إشادات اللجنة سالفة الذكر، إلا ناقدا مثل الناقد الكبير رجاء النقاش، رأى أن رواية "الوليمة" فيها استطرادات تبعث على الملل فى كثير من الأجزاء وتعانى من التعبيرالعاطفى العشوائى تجاه الأشخاص والأماكن والأحداث والمشاعر المختلفة مما أدى إلى مقدار من الصعوبة فى قراءة الرواية، وثمة إحساس أنه كان يمكن اختصارها إلى النصف على الأقل من دون أن تفقد كثيراً من عناصرها الإيجابية المؤثرة، كما أن الرواية تكاد تكون عبارة عن صفات غارقة فى الضباب، بعيدة من الانضباط الجمالى واللغوى.
مشيرا إلى أن رواية حيدر تسجل كل شيء وتطارد كل لحظة وكل حادث، ويحرص حيدر على تسجيل كل خاطرة وكل فكرة، بما لا يتيح للقارئ فرصة للتنفس الصحيح داخل الرواية، بل إن القارئ أحياناً يصل إلى حد الاختناق والانفصال عن المشهد المادى الذى يطالعه.
بينما قال الدكتور محمد الرميحى، أستاذ فى علم الاجتماع فى جامعة الكويت، فى مقال نشرته جريدة "البيان" بعنوان "وليمة غير دسمة للثقافة العربية" بعد أن انفجر النقاش حول رواية (وليمة لأعشاب البحر) أردت من زاوية المتابعة والاطلاع وربما من زاوية حب الاستطلاع الأدبى وحده أن أحاول قراءة هذه الرواية، حاولت جاهدا أن أصل بقراءة الرواية حتى نهايتها، وأنا أحدث نفسى بأنه لابد من اكتشاف السر الذى ظللت أمنى نفسى بأننى سوف أصل إليه بعد حين، لكنى أضعت وقتا ثمينا أقلب فى أوراق رواية حيدر دون أن أصل إلى ذلك السر الذى نجده دائما فى الروايات الكبيرة سواء فى الأدب الغربى أو العربى، وذهب سدى الجهد الذى صرفته فى قراءة الرواية وهو ما ذكرنى بجهد آخر حاولته فى هذا المساق وكان فى السابق مع رواية سلمان رشدى (آيات شيطانية) منذ أكثر من عقد من السنين، وهى الرواية التى لا يستطيع أى قارئ يملك الفطنة والصبر أن يبحر فيها أكثر من بضع عشرات من الصفحات!.
أما الدكتور جابر عصفور الناقد والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة وقت الأزمة فقال إن رواية "وليمة لأعشاب البحر" من أفضل الروايات العربية المعاصرة على الاطلاق ومن يتهمونها بالكفر هم مجموعة من جماعات الضغط السياسى الذين يتقنعون تحت أقنعة دينية ويتولون إرهاب المثقفين والمبدعين ويحاربون كل من يدافع عن الدولة المدنية، وهؤلاء لهم طريقة مغلوطة فى قراءة الأعمال الأدبية وفى رؤية الأعمال الفنية، وهم يقرأون الأعمال الأدبية على طريقة (لا تقربوا الصلاة) أى أنهم يقتطعون الجمل والعبارات من سياقها ويوظفونها وفقا لما يخدم مصالحهم. وكل هذه الحملة الظالمة استندت الى ما لا يزيد عن خمسة جمل فقط مقتطعة من 700 صفحة وهؤلاء ينبغى أن يخجلوا من أنفسهم فهم يريدون مصادرة رواية من أجمل الروايات العربية لم تصادرها أى دولة عربية من قبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة