حكت شهرزاد فى الليلة السابقة أن الملك شهرمان، كان يتمنى أن يرزقه الله بطفل، وقد رزقه الله بطفل اسمه قمر الزمان، ولما شب قمر الزمان أراد والده أن يزوجه ليفرح به وبذريته، لكن قمر الزمان قال لوالده إنه لا يفكر فى أمر الزواج أبدا.
وفى الليلة الثانية بعد المائتين قالت: بلغنى أيها الملك السعيد أن الملك شهرمان لما سمع من ولده هذا الكلام صار الضياء فى وجهه ظلاماً واغتم على عدم مطاوعة ولده قمر الزمان له ومن محبته له، لم يكرر عليه الكلام فى ذلك ولم يغضبه، بل أقبل عليه وأكرمه ولاطفه بكل ما يجلب المحبة إلى القلب، كل ذلك وقمر الزمان يزداد فى كل يوم حسناً وجمالاً وظرفاً ودلالاً فصبر الملك شهرمان على ولده سنة كاملة حتى صار كامل الفصاحة والملاحة وتهتكت فى حسنه الورى وصار فتنة للعشاق وروضة للمشتاق عذب الكلام يخجل فى وجهه بدر التمام صاحب قد واعتدال وظرف ودلال كأنه غصن بان أو قضيب خيزران ينوب خده عن شقائق النعمان وقده عن غصن البان ظريف الشمائل كما قال فيه القائل:
بدا فقالوا تـبـارك الـلـه جل الذى صاغـه وسـواه
مليك كل الملاح قـاطـبة فكلهم أصبحـوا رعـاياه
فى ريقه شـهـدة مـذوبة وانعقد الدار فـى ثـنـاياه
مكملاً بالجمال مـنـفـرداً كل الورى فى جماله تاهوا
قد كتب الحسن فوق وجنته أشهد أن لا ملـيح إلا هـو
فلما تكاملت سنة أخرى لقمر الزمان ابن الملك شهرمان دعاه والده إليه وقال له: يا ولدى أما تسمع مني؟ فوقع قمر الزمان على الأرض بين يدى أبيه هيبة واستحى منه وقال له: يا أبى كيف لا أسمع منك وقد أمرنى الله بطاعتك وعدم مخالفتك، فقال له الملك شهرمان: اعلم يا ولدى إنى أريد أن أزوجك وأفرح بك فى حياتى وأسلطنك فى مملكتى قبل مماتى فلما سمع قمر الزمان من أبيه هذا الكلام أطرق رأسه وقال: يا أبى هذا شيء لا أفعله أبداً ولو سقيت كأس الردى وانا أعلم أن الله فرض على طاعتك فبحق الله عليك لا تكلفنى أمر الزواج ولا تظن أنى أتزوج طول عمرى لأننى قرأت فى كتب المتقدمين والمتأخرين وعرفت ما جرى لهم من المصائب والآفات بسبب فتن النساء ومكرهن غير المتناهى وما يحدث عنهن من الدواهى.
فلما سمع شهرمان من ولده قمر الزمان هذا الكلام، لم يرد عليه جواباً من فرط محبته وزاد فى إنعامه وإكرامه وانفض ذلك المجلس من تلك الساعة، وبعد انفضاض المجلس طلب شهرمان وزيره واختلى به وقال له: أيها الوزير. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة