"اصحى يا نايم اصحى.. اصحى يا نايم صحى النوم.. اصحى يا نايم أتسحر قوم".. بهذه الكلمات استعد عم متولى أقدم مسحراتى بشمال سوهاج لاستقبال شهر رمضان المعظم، حيث قام بشد الطبلة الخاصة به والتى قام بتصنيعها بنفسه من جلد الماعز، وزينها ببعض من خامات البيئة والتى حصل عليها من جريد النخيل.
ولم يكتف عم عبد النبى فقط بتجهيز الطبلة بل اجتمع بزوجته وأولاده الذين عهد لهم من بعده بالطبلة والبريق والذين يساعدونه، أيضا فى عمله كمسحراتى وتقاسم معهم المناطق التى يجوبونها باستخدام الطبلة ليلا، حيث يبدأ عمله من الساعة الثانية عشر ليلا وتنتهى قبل أذان الفجر بساعة وفى هذه الساعة خصصها لنفسه وأولاده يتناولون فيها السحور بعد الجولة الطويلة.
والتقى "اليوم السابع" عم متولى شحاتة إبراهيم أقدم مسحراتى بشمال محافظة سوهاج، والذى ارتبط اسمه بشهر رمضان والذى إن رآه أحد بالشارع سائرا على قدميه أو ممتطيا لدابته فيتذكر دائما المسحراتى وعمله فى شهر رمضان.
وفى البداية قال عم متولى، إننى أعمل بالمهنة منذ 30 سنة وورثتها عن والدى الذى ظل يعمل بها لمدة 40 سنة، وكنت أذهب وراءه راكبا الدابة وهو يقوم بعملية التسحير للأهالى وفى هذا الوقت لم يكن هناك ميكروفونات ولا تليفزيونات ولا حتى راديو بالقرى والراديو الوحيد الموجود كان بمنزل العمدة أو كبار البلد وكان الجميع يعتمد على والدى فى عملية الاستيقاظ والسحور فى ليالى رمضان وكانت الأم والأب يوقظان أبناءهما قائلين "قوموا الطبل لف"، ويقصدون بهذه الجملة أن المسحراتى مر من أمام المنزل مستخدما الطبلة الخاصة به على عكس ما هو موجود الآن ميكرفون فى كل مسجد وراديو وتليفزيون بكل منزل وجميعها تقوم بعمل المسحراتى وتوقظ الناس وكذلك المنبهات الموجودة فى التليفونات المحمولة والتى أصبحت بيد كل شخص.
وأضاف عم متولى، أن المهنة لا يمكن لها أن تنقرض لأنها ملازمة لشهر رمضان وعلامة من علاماته البارزة له على مر العصور وأنا أقوم قبل رمضان بتجهيز الطبلة الخاصة بعملية السحور وأصنعها من جلد الماعز واستخدم فيها بعض من جريد النخيل وأقوم بتعليقها برقبتى وأمسك بيدى اليمنى عصا من الخزران والتى أقوم بقرع الطبلة بها بينما اليد اليسرى بها قطعة رقيقة من جريد النخيل لضبط إيقاع الطبلة بها وأسير أنا وابنى بشوارع القرية هو يحمل الطبلة مرة وأنا أحملها مرة أخرى وهو يحمل البيرق وهو عبارة عن علم أحمر كبير مصنوع من القماش مكتوب عليه بعض العبارات الدينية والأذكار وكذلك عبارات عن شهر رمضان والصوم.
وفى كل شارع بالقرية نمر به نجد الأطفال ينتظروننا ويتجمعون ويسيرون خلفى بالقرية كلها حاملين الفوانيس الحديثة والتى كانت تعمل بالحجارة ويهتفون مثلما أهتف ويغنون "حلو يا حلو رمضان كريم يا حلو" أو يقولون مثلى "اصحى يا نايم صحى النوم أصحى يانايم أتسحر قوم"، وفى الماضى كان الأطفال يحملون بأيديهم فوانيس من الصفيح وهى لأبناء الأغنياء وبينما يحمل أطفال الفقراء علبا من الصاج يحدثون بها فتحات ويضعون بداخلها شمعة لتنير لهم الطريق أثناء السحور.
وأكد عم متولى، أعمل طوال شهر رمضان ولا أتقاضى أموالا وفى يوم العيد يقوم أهالى القرية بإعطائى العيدية وبعض الغلال وهذا هو ناتج ما أقدمه لهم طوال الشهر الكريم، وباقى العام أنتظر ما يمن على به الأهالى من صدقات نستكمل به حياتنا اليومية ولى ولدان هما من يقومان بالصرف علىّ وعلى والدتهما من جراء العمل كسائقين للتوك توك.