- مصانع الدرفلة تفتعل أزمة عدم وجود خامات وترفض تخليص البيليت من الجمارك
- مصر هى الدولة الوحيدة التى تسمح باستخدام حديد التسليح من بيليت مستورد فى المنشآت العامة
طالعتنا مصانع الدرفلة قبل أيام قليلة ببيانات صحفية تم تعميمها على كل وسائل الإعلام، حملت معلومات مغلوطة عن تعرضها لخسائر كبيرة نتيجة قرار الحكومة الصادر منتصف أبريل 2019 بفرض رسوم قدرها 15% على البيليت المستورد، و25 % على حديد التسليح تام الصنع، بل هددت مصانع الدرفلة بإغلاق المصانع بحجة تعرضها لخسائر كبير، لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، وهى أن هذه المصانع تراجع هامش ربحها بشكل طفيف نتيجة القرار، وهو ما سنثبته تباعًا فى هذا التقرير.
بداية قصة إغراق السوق بالحديد المستورد.. وقبل الخوض فى المسائل الفنية والحسابية بشأن مكاسب وخسائر مصانع الدرفلة، وكذلك إيجابيات قرار فرض رسوم حمائية على واردات الحديد والبيليت، نجد أن أزمة إغراق السوق بالحديد المستورد ليست وليدة الشهور الماضية، بل موجودة منذ فترة طويلة، لكنها اشتدت بدءًا من عام 2017، الأمر الذى جعل جهاز حماية مكافحة الدعم والإغراق «قطاع المعالجات التجارية» التابع لوزارة التجارة والصناعة يجرى تحقيقات عقب تلقى الجهاز شكوى مدعومة مستنديًا من المصنعين بتضررهم من واردات الحديد المغرقة، لكن الشكوى وقتها حددت ثلاث دول وهى الصين وتركيا وأوكرانيا، وفعليًا بعد 6 أشهر كاملة من التحقيقات، قررت الحكومة فرض رسوم مكافحة إغراق نهائية لمدة 5 سنوات.
لكن فى هذا التوقيت، لم تثر أزمة من قبل المستوردين أو مصانع الدرفلة، لأن البدائل كانت موجودة وأصبح يتم الاستيراد من دول أخرى للتحايل على القرار الذى حدد 3 دول فقط، الأمر الذى جعل مصانع الحديد الوطنية، صاحبة دورة الإنتاج الكاملة تتقدم بشكوى مجددًا لجهاز مكافحة الإغراق للتحقيق فى إغراق السوق بالحديد والبيليت المستورد، الأمر الذى أثر على المنافسة فى السوق، وبالفعل بدأ الجهاز التحقيق وقرر فرض رسوم مؤقتة لمدة 6 أشهر لحين انتهاء التحقيقات النهائية، عقب الإثبات بشكل مبدئى تعرض الصناعة للضرر وحدوث إغراق للسوق.
هل تخسر مصانع الدرفلة؟.. ومنذ اللحظات الأولى لصدور قرار الحكومة بفرض رسوم حمائية مؤقتة، وفقًا لما يتيحه القانون، وما تقره اللوائح لدى منظمة التجارية العالمية، بدأت مصانع الدرفلة فى الترويج لتعرضها لخسائر كبيرة جراء هذا القرار، بل هددت بالإغلاق قبل التلويح بورقة رفع الأسعار على المستهلكين، إلا أنه باحتساب تكاليف البيليت الحالية، فإن مصانع الدرفلة تحقق هامش ربح لا يقل عن 500 جنيه للطن، طبقًا لهيكل التكاليف، والتى تثبت أن سعر البيليت بالدولار يسجل 443 دولارًا للطن، ومع إضافة نسبة رسوم الحماية المفروضة 10.55%، والتى تمثل تقريبًا 50.70 دولار، سنجد أن إجمالى سعر الطن بعد إضافة الرسوم الحمائية 493.70 دولار.
وبالنظر إلى تكلفة سعر البيليت بالجنيه، وبحسبة بسيطة، سنجد أن تكلفة الطن تسجل 8439 جنيهًا، وإذا ما أضفنا عليها 14 % ضريبة قيمة مضافة، والتى تساوى 1106 جنيهات، مع مصروفات فتح الاعتماد وخدمات الميناء 150 جنيهًا، ثم تكلفة النقل من الميناء للمصنع 100 جنيه، وبإجمالى هذه المصروفات سنجد أن تكلفة طن البيليت حتى المصنع 9795 جنيهًا، ثم بإضافة تكلفة الدرفلة شامل الهالك 850 جنيهًا، سنجد أن إجمالى تكلفة إنتاج حديد التسليح على مصانع الدرفلة 10645جنيهًا للطن، ومتوسط سعر البيع للطن من مصانع الدرفلة 11545 جنيهًا، لتكون النتيجة النهائية هى وجود فارق بين سعر التكلفة والبيع قرابة 900 جنيه، ومع خصم فارق ضريبة القيمة المضافة «فارق ضريبة المشتريات والمبيعات» 312 جنيهًا، إذًا سنجد أن هامش الربح 588 جنيهًا للطن.
مصانع الدرفلة تفتعل أزمة عدم وجود خامات.. وتتعمد مصانع الدرفلة محاولة إثارة السوق وتصدير أزمة بأنه ليس لديهم المادة الخام للإنتاج وهى البيليت، رغم أن هذه المصانع أوقفت عمليات تخليص البيليت من الموانئ لافتعال أزمة عدم وجود المادة الخام لتشغيلها، والادعاء أن تلك الأزمة ناتجة عن فرض الرسوم، لكن البيليت متكدس فى الموانئ، ورفض أصحاب المصانع التخليص الجمركى له، فى مسعى واضح لتصدير مشهد أنها مهددة بالإغلاق لعدم كفاية الخامات، وعلى الرغم من أن رسوم الوقاية ليست إجراء لحماية أصحاب الصناعة المتكاملة، لكنها وسيلة للعودة بأسعار الواردات لمستواها العادل، بما يعكس التكلفة الحقيقة وذلك طبقًا لتعريف منظمة التجارة العالمية.
هل رسوم الحماية بدعة مصرية خالصة؟..ومع الهجوم العنيف من المستوردين ومصانع الدرفلة على القرار، يحاول الجميع تصدير صورة بأن القرار بدعة بل وسابقة أولى، لكنه متسق تمامًا مع منظمة التجارة العالمية، ودول عدة اتخذت إجراءات أشد بكثير من الإجراءات المصرية، حيث قامت الولايات المتحدة بإصدار قرار شبيه فى مارس 2018 بفرض 25% رسومًا إضافية على وارداتها من الحديد، تبعتها فيه دول الاتحاد الأوروبى سعيًا إلى حماية صناعتها المحلية من تدفقات الحديد الصينى والأوكرانى والتركى الضخمة، خاصة مع تزايد مخزون تلك الدول ودخول قطاع الصلب فيها حالة من الركود، دفعها إلى تصريف رواكدها بأسعار غير عادلة، بل ووصل الأمر فى بعض الحالات إلى تقديم حكوماتها دعمًا ماليًا مباشرًا للمصنعين والمصدرين، إلى جانب تسهيلات واسعة فى كُلفة النقل ورسوم الشحن والتفريغ وغيرها من الأمور اللوجستية.
فائض الإنتاج العالمى يهدد الصناعة المصرية.. وتشير الأرقام الصادرة عن الاتحاد العالمى للصلب، إلى نمو الإنتاج العالمى من الصلب، حيث تنتج الصين قرابة 800 مليون طن سنويًا، تصدر منها قرابة 400 مليون طن، وتنتج اليابان قرابة 200 مليون طن تصدر منها حوالى 70 مليونًا، وأوكرانيا قرابة 60 مليونًا تصدر منها 30 مليونًا، وتركيا 36 مليونًا تصدر منها قرابة 20 مليون طن، ومع اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لحماية صناعتها المحلية، وفرض رسوم حمائية بنسب كبيرة مما أغلق السوق العالمى أمام نصف حجم التجارة العالمية فى منتجات الصلب والمقدرة بحوالى 500 مليون طن سنويًا، واجه المنتجون العالميون للصلب وعلى رأسهم الصين، أزمة كبيرة لتصريف مخزونهم المصدر، وهو ما جعل المنتجون يخفضون الأسعار بشكل لافت لتصريف هذا المخزون، لأن إعادته للدولة المنتجة مرة أخرى سيكون بخسائر مضاعفة، لذلك قام مستوردون من مصر بإبرام عشرات الصفقات على شحنات وسفن فى عرض البحر، ليحصل عليها بأقل من نصف قيمتها السوقية، ويغرق السوق المحلية بمئات الآلاف من الأطنان بأسعار غير عادلة بالمرة، وضارة بالصناعة الوطنية بشكل فادح.
وتعد مصر من أكبر 10 دول مستوردة للبيليت فى العالم، طبقًا لمصادر المعلومات العالمية، وبما أن مصر تفرض رسوم إغراق على واردات حديد التسليح من الدول الرئيسية المصدرة مثل تركيا وأوكرانيا والصين، فقد اتجهت تلك الدول إلى تصدير البيليت وهو منتج شبه نهائى يمثل 85% من عمليات إنتاج حديد التسليح، وذلك لأن البيليت يدخل السوق المصرى بدون رسوم جمركية، ليس هذا فقط بل قامت الدول ببيع البيليت بأسعار مغرقة مما نتج عنه زيادة واردات البيليت العام الماضى 2018 بحوالى 75 % لتصل إلى 1.6 مليون طن، وهو الوضع الذى استفادت منه مصانع الدرفلة بزيادة أرباحها إلى أكثر من 1000 جنيه للطن، مع تمدد تواجدها فى الأسواق على حساب حصة المصانع المتكاملة، والتى حققت خسائر هائلة.
ومصر من أقل الدول فرضًا للرسوم الجمركية على واردات الصلب فى العالم، فطبقًا للإحصاءات المتاحة من منظمة التجارة العالمية، فإن متوسط الرسوم الجمركية على البيليت فى أهم الدول المنتجة 20.6 % وحديد التسليح 44.3 % بينما فى مصر صفر % على البيليت و17.4 % رسوم إغراق على واردات حديد التسليح من 3 دول وهى الصين وتركيا وأوكرانيا، وصفر % على باقى دول العالم، وكذلك الحال بالنسبة لمسطحات الصلب المدرفلة على الساخن، حيث الرسوم الجمركية فى مصر 5 % بينما المتوسط العالمى 38.1%، وذلك فى الوقت الذى تقترب فيه الحصة السوقية للواردات من 40%، علمًا بأنه لا يوجد دولة فى العالم طاقتها الإنتاجية أكثر من مرتين ونصف من حجم السوق المحلى، وتستحوذ الواردات فيها على مثل هذه الحصة الضخمة.
وهو ما جعل سوق الصلب المصرية تقضى سنوات طويلة بدون رقابة أو حماية من الدولة، بسبب كارثة صفر الجمارك على البيليت، مما سمح للمستوردين والسماسرة والمضاربين بإغراق البلاد بملايين الأطنان المستوردة من دول منشأ رخيصة وقليلة الجودة، واستمر هذا الأمر منذ حكومة أحمد نظيف فى العام 2008.
القيمة المضافة لمصانع الدورة الكاملة مقابل الدرفلة.. وسنجد أن القيمة المضافة للمصانع المحلية المتكاملة، أكثر من 4 أضعاف القيمة المضافة المحلية لمصانع الدرفلة، فالأخيرة تستورد بيليت قيمته تقارب 500 دولار للطن، شامل 50 دولارًا رسوم الحماية تقريبًا، وتنتج حديد قمته 590 دولارًا للطن قبل الضريبة «10175» جنيهًا للطن، أى أنها لا تضيف محليًا أكثر من 15 %، بينما المصانع المتكاملة تستورد خام سعره 210 دولارات فقط لإنتاج طن حديد التسليح، ويباع بسعر 600 دولار «65 % قيمة محلية مضافة».
وبالنظر إلى ميزانيات الشركات المتكاملة «مصانع الدورة الكاملة»، مدققة من قبل جهات رقابية حكومية ويمكن بسهولة التحقق من الخسائر والأضرار الواقعة عليها، نتيجة إغراق واردات البيليت خلال عام 2018، بينما ادعاءات مصانع الدرفلة بتحقيق خسائر حالية لا يوجد لها إثباتات، لأنها غير صحيحة، وهو ما سوف تكشفه جهات التحقيق بوزارة التجارة، للوصول إلى قرار نهائى فى رسوم الوقاية على البيليت، خلال مدة الرسم المؤقتة والمحددة بـ180 يومًا فقط.
الحكومة ممثلة فى وزارة التجارة أثبتت تعرض الصناعة المحلية للضرر، وقالت منظمة التجارة العالمية فى تقرير نشرته عبر موقعها الإلكترونى، إن الحكومة المصرية أخطرتها بتعرض السوق المحلية لممارسات غير عادلة وغير تنافسية، تهدد صناعة الحديد الوطنية، وتمثل إغراقًا متعمّدًا يضرّ بالاقتصاد ومؤشرات النمو، ويُهدد الاستثمارات القائمة وما يرتبط بها من عمالة وحلقات وسيطة وعمليات إنتاج وتسويق، وفى ضوء ما أثبتته تحقيقات وزارة التجارة والصناعة، بعدما وجدت السلطات المصرية وجدت أن شروط تطبيق هذه التدابير تم استيفاؤها لذلك تم فرض قرار بفرض رسوم حمائية مؤقتة بواقع 15% على واردات البليت، و25% على واردات حديد التسليح، لمدة 180 يومًا لحين انتهاء التحقيقات الجارية والتوصل إلى نتائج نهائية بشأن زيادة تدفق الواردات وتعاظم عمليات الإغراق المنظمة من جانب بعض المستوردين وأصحاب مصانع الدرفلة.
لكن رغم ما بثته المنظمة، وتحرك الحكومة المصرية فى إطار الأعراف والإجراءات المنظمة للتجارة الدولية، هبّ فريق المنتفعين من الأوضاع القائمة طاعنًا فى القرار وملمحًا على خلاف الحقيقة إلى اتخاذ مصر إجراءات حمائية غير قانونية، وامتد الأمر إلى ممارسة ضغوط قوية تقترب من الابتزاز لإجبار وزير الصناعة على التراجع عن قراره، فى عملية تحايل كاملة لا تنحاز فقط للمصالح الشخصية، وإنما تضرب المصالح الوطنية العليا فى العمق، فيما يبدو أنه موقف عمدى من جانب مافيا الواردات ورواكد الصلب العالمية.
ليس صحيحًا ما تدعيه مصانع الدرفلة من أنه لا يمكن لـ20 % من الطاقات الإنتاجية أن تؤثر فى الأضرار الواقعة على 80 % من الطاقات التى تمثلها المصانع المتكاملة، فالحقيقة أن الطلب على حديد التسليح يتأثر بالسعر نظرًا لكونه سلعة أساسية، مما يعنى أن أى تغير طفيف فى السعر، قد يؤدى إلى تغيير كبير فى الطلب نحو منتجات ذات قيمة أقل، وهذا يعنى أن مصانع الدرفلة ستعمل بمعدلات تشغيل أفضل من مصانع التشغيل المتكاملة، وسيبيعون منتجاتهم أولًا على حساب المنتجين المتكاملين، ولن يتركوا لمصانع الدورة الكاملة أى خيار غير خفض أسعارهم، أو عدم زيادة الأسعار، بما يتماشى مع ارتفاع التكلفة، كى يتمكنوا من المنافسة مع مصانع الدرفلة، مما يسبب خسائر فادحة.
خطورة استخدام حديد مصنع من بيليت مستورد.. ومن المستحيل التأكد من جودة حديد التسليح المنتج من بيليت مستورد، وذلك لعدم القدرة على ربط المنتج النهائى بصبة صلب واحدة، التى تتم فى المرحلة التصنيعية الثانية، وهو ما يتم فقط فى المصانع المتكاملة، التى تتضمن هذه المرحلة، والنتيجة هى وجود مخاطر هائلة على سلامة المنشآت التى تستخدم هذا الحديد، بدءًا من المبانى السكنية البسيطة وصولًا إلى الأبراج والكبارى والأنفاق والمشروعات القومية بل والمحطات والمنشآت الرسمية، وهنا سنجد أن مصر هى الدولة الوحيدة التى تسمح باستخدام حديد التسليح من بيليت مستورد فى المنشآت العامة.
والحقيقة التى لابد التأكيد عليها، أن مصانع الصلب المتكاملة وشبه المتكاملة فى مصر توفر 80 % من الطاقات الإنتاجية لحديد التسليح، تأتى من 16 مصنعًا، فالتكلفة الاستثمارية لمصنع صلب واحد بطاقة مليون طن سنويًا تبلغ 785 مليون دولار، ويبلغ إجمالى استثمارات تلك المصانع أكثر من 150 مليار جنيه وتوظف 26.222 عامل، من إجمالى 30.37 يعملون فى قطاع الحديد والصلب.
مصانع الدرفلة تستخدم تكنولوجيا قديمة «عمرها أكثر من 30 عاما» استنادا إلى تركيب خطوط إنتاج قديمة مفككة مع انهيار الاتحاد السوفيتى فى بداية التسعينات، والذى كان وقتها هو أكبر منتجى الصلب فى العالم، ومع عجز الشركات فى هذه الجمهوريات عن بيع إنتاجها تام الصنع، لجأت لعرض كميات ضخمة من الإنتاج شبه المصنع «البيليت» استغلالا لهذا الوضع، وقام عدد من المستوردين والتجار بالمضاربة فى أسعار هذه المنتجات شبه المصنعة بشراء وحدات إنتاجية منتهية العمر الافتراضى مستوردة من دول أوروبا الشرقية، تقوم فقط بالمرحلة النهائية للتصنيع «الدرفلة»، ويسجل متوسط الإنتاج فى وحدة الدرفلة الواحدة ينتج 170 ألف طن سنويا هو 4 ملايين دولار فقط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة