بينما كان المجمع المقدس للكنيسة القبطية يستعد لجلسته الختامية، كان خطابا موقعًا من الانبا بنيامين مطران المنوفية وثلاثة من الأساقفة (الانبا أغاثون أسقف مغاغا والانبا مايكل أسقف عام بأمريكا والانبا موسى أسقف الشباب) يطالب بالتصدى لهادمى الثوابت قد شق طريقه إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعى وجرى تداوله على نطاق واسع على عدة صفحات محسوبة على معارضى البابا تواضروس أبرزها صفحة جماعة حماة الإيمان القبطية التى حذر البطريرك الأقباط من الانسياق وراءها سابقًا.
الخطاب الذى ضم 19 مطلبًا، جاء من بينها وفى البند العاشر تحديدا المطالبة بالتصدى للهجوم على تاريخ الكنيسة، وأبطال الإيمان وكل آباء ومعلمى الكنيسة المعاصرين المشهود لهم أمثال قداسة البابا شنودة والانبا غرغوريوس والأرشدياكيون حبيب جرجس.
يأتى اسم الأنبا غرغوريوس أسقف البحث العلمى الراحل كالدخيل على تلك القائمة، خاصة بعدما جرى فى نوفمبر الماضى وقت انعقاد معرض الكتاب القبطى بالكاتدرائية.
فى نهاية نوفمبر من العام الماضى، أعلنت مكتبة الانبا غرغوريوس المختصة بنشر كتب أسقف البحث العلمى الراحل إنها لن تشارك فى معرض الكتاب القبطي الذى يشرف عليه الأنبا موسى أسقف الشباب ويعقد بالكاتدرائية ونشر الشماس منير عطية القائم على المكتبة إعلانًا جاء فيه " نؤكد سحب الاشتراك من معرض الكتاب لأسقفية الشباب بسبب رفضنا تعليمات نيافة الأنبا موسى"، ونحن متواجدون في مقر الجمعية بشارع رمسيس" ، تبين وقتها أن أسقفية الشباب رفضت عرض أجزاء من كتاب موسوعة الانبا غرغوريوس ضمن الكتب المعروضة فى الجناح.
ما الذى تضمنته موسوعة الانبا غرغوريوس أسقف البحث العلمى الراحل؟
تتضمن الموسوعة ثلاثة أجزاء من السيرة الذاتية للأنبا غريغوريوس ، حيث يختص الجزء بـ "التعليم الدينى والكلية الإكليريكية ومدارس التربية الكنسية، والجزء 39 ويتناول الإكليريكية بعد رسامته أسقفاً، والجزء 40 ويتناول اللجنة الخماسية التى أدارت الكاتدرائية فى ظل تحديد إقامة البابا شنودة بدير الأنبا بيشوى ضمن اعتقالات سبتمبر عام 1981، وفقا لما يشرحه كمال زاخر الكاتب المتخصص فى الشأن القبطي.
ويشير إلى أن الموسوعة تتعرض فى الجزء 39 لأزمة رسامة الأنبا غريغوريوس اسقفا للبحث العلمى ومعهد الدراسات القبطية والتي حسبها البابا شنودة والذى كان يشغل منصب أسقف التعليم آنذاك اعتداء واجتزاء من أسقفيته وبدأت بعدها سلسلة مصادمات بين أسقف التعليم الذى أصبح البابا شنودة وبين أسقف البحث العلمى.
ولفت زاخر إلى أن تلك المذكرات الممنوعة تتعرض فى الجزء الأربعين منها لفترة تحديد إقامة البابا شنودة بدير الانبا بيشوى ضمن اعتقالات سبتمبر عام 1981 حيث كان الانبا غرغوريوس ضمن اللجنة الخماسية التى أدارت الكنيسة آنذاك.
ومن ثم فإن منع كتب الانبا غرغوريوس من معرض الكتاب القبطى ثم المطالبة بالتصدى للهجوم عليه من قبل الانبا موسى أسقف الشباب تبدو وكأنها فعل الأمر ونقيضه فى آن واحد.
لماذا عاد المطران والثلاثة أساقفة لطرح القضايا الجدلية مرة أخرى بعد الرد عليها منذ سنوات؟
ينص البند الـ18 من المذكرة تلك "نحتاج إلى مراجعة المجلات والنبذات والكتب، وما يصدر على المواقع من تعاليم خاطئة تسبب بلبلة فى الكنيسة مثل أسطورية الكتاب المقدس ومدارس نقد الكتاب وتناول المرأة الحائض وغيرها.."
فى هذا البند يعيد المطران والأساقفة الثلاثة طرح قضايا واتهامات مر على فتحها أكثر من عامين فى الأوساط الكنسية وتسببت فى حالة جدل وأخذ ورد عدة مرات، أهمها قضية أسطورية الكتاب المقدس وتناول المرأة الحائض إلا أن المطلب الجديد يبرز الرغبة فى السيطرة على كل ما يصدر عن آباء الكنيسة من كتابات بشكل مركزى ترسخ لفكرة الصوت الواحد وتمنع تداول الأفكار وطرحها والنقاش حولها.
من بين القضايا المطروحة فى الكتب التى يرغب القائمون على المذكرة فى مراجعتها قضية " تناول المرأة الحائض" التى وردت فى كتاب "المرأة فى المسيحية" للأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط الذى ينتمى لتيار التجديد فى الكنيسة، إذ رأى المطران أن الحيض لا يمنع المرأة من التناول من الأسرار الكنسية المقدسة وعقد اجتماعا مع كهنة إيبراشيته لشرح ما جاء فى كتابه مؤكدا على طهارة المرأة فى كل أيام حياتها، وهو الرأى الذى تبناه أيضا الراهب القس يوئيل المقارى الراهب بدير أبو مقار فى كتاب له عن نفس القضية.
تعود تلك القضية لعام 2016، أصدر وقتها الانبا أغاثون اسقف مغاغا بيانا رد فيه على تلك القضية، وانخرط كل أسقف يشرح لكنائسه موقفه ويفسر لهم الأسباب الكتابية والعقيدية بينما اعتبرت اللجنة الطبية المنبثقة من المجمع المقدس فى مارس 2016 أن مطران سمالوط يعبر عن رأيه الشخصى فى تلك القضية الجدلية، إلا أن اللافت حقا هو إعادة طرح تلك الفكرة كلما استلزم الأمر إثارة الجدل أو خلق معركة جديدة، وهو نفس الحال الذى يجرى مع قضية أخرى هى أسطورية بعض قصص الكتاب المقدس التى جاءت على لسان الانبا انجيلوس اسقف شبرا منذ سنوات، اضطر بعدها للتأكيد على وجود مدرسة رمزية لتفسير الإنجيل.
طرح القضايا الجدلية التى تم إغلاقها والبت فيها منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات يبدو وكأنه محاولة لافتعال معارك جديدة حين يخيم الصمت والسلام على الكنيسة
كيف بعث البابا تواضروس رسائل للتيارات المتشددة كنسيا؟
على مدار يومين قرر البطريرك الرد على تلك المذكرة على طريقته الخاصة من خلال رسائل واضحة فى عظته الأسبوعية التى حملت عنوان "استنارة العقل" وأكد فيها وظيفة العقل الأولى هى التعرف على الله وكافة الكائنات التى خلقها، كذلك العقل هو وعاء للمعرفة والإنسان صنع الحضارة والعلوم على مدى التاريخ الإنسانى، وهذه المعارف تحولت إلى تخصصات وعلوم مختلفة، كما أن العقل يساعد الإنسان على الوصول إلى الخيارات والقرارات المناسبة فى كافة أمور الحياة.
وأشار قداسة البابا تواضروس الثانى إلى ضرورة أن يكون العقل متجدد بشكل مستمر، وهو ما يؤدى إلى حالة التجديد الروحى المطلوبة للإنسان، لافتا إلى أن تجديد الذهن شكل من أشكال التوبة، منوها إلى أن بعض العقول ليس لها رجاء فى شئ وممتلئة باليأس، وهى من أخطر أنواع العقول، وأن هناك عقول لا تنظر حولها ولا تشهد اى تطوير وفى نفس الوقت يرفض كل جديد، وهناك عقل روتينى أيضا لا يفكر خارج الإطار المرسوم له وهذا العقل لا يعرف التجديد والابتكار
وأمام الجلسة الختامية للمجمع المقدس، اختار البابا تواضروس كلمة بعنوان رحلة الاستنارة والجهل إذ استشهد بقصة تلميذى عاموس وهى أحد قصص الكتاب المقدس وقسم البطريرك كلمته إلى ثلاثة محاور الأول انغلاق الذهن مستشهدا بالآية" إِلَى مَتَى تَضَعُونَ أَشْرَاكًا لِلْكَلاَمِ؟ تَعَقَّلُوا وَبَعْدُ نَتَكَلَّمُ". (أيوب 18 :2) محذرا من الكلام قبل الفهم وقال أن تلميذي عمواس يتكلما قبل أن يفهموا وهذا أسوأ شئ سواء على نطاق الأسرة الصغيرة أو المجتمع الكبير.
أما المحور الثانى وفقا لقداسة البابا تواضروس فهو رحلة الجهل موضحا: تكلموا قبل أن يفهموا أو يستوعبوا ومن ثم "تعقلوا ثم تكلموا"، ووفقا للمحور الثالث فى خطاب البابا فقد حذر من انعدام البصيرة مؤكدا أن تلميذى عاموس امسكا أعينهما عن المعرفة والرؤية رغم إن الإنسان كائن له عقل ويفكر
وتابع البابا تواضروس: يقول البعض أن فلانا أعمى القلب أي منعدم البصيرة أو الرؤية فلم يميزوا وجود المسيح معهم الذي عاش وسطهم سنوات لأنهم لم يفهموا الكتب المقدسة
بينما الصفة الرابعة وفقا للبابا تواضروس فهى عبوس الوجه مضيفا: أحد صفات الجهل العبوس لأنهم لا يملكوا السلام أو الفرح، مستشهدا بسفر الأمثال "القلب الفرحان يجعل الوجه طلقا" وعقب البابا: ولأنهم في طريق الجهل لا يملكون الفرح، فالفرح علامة الصحة الروحية.
واستكمل البابا: الصفة الخامسة فيهم هى الحيرة فقد وضع الجهل حاجزا قويا منعهم أن يتمتعوا ببركة المسيح متسائلا " ألم يكن قلبنا ملتهبا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب.