فى الليلة الماضية، أصر مزين بغداد أن يحكى قصته إلى الخليفة، رغم أن الخليفه كان قد طلب منه الانصراف وأن يأخذ ما وصله به، وواصل قص حكايه شقيه الأعور.
وفى الليلة الحادية والأربعين قالت: بلغنى أيها الملك السعيد أن الأعور لما سمع ذلك الكلام عزم على الهروب من تلك المدينة وارتحل منها وتحول إلى مدينة أخرى لم يكن فيها ملك وأقام بها زمناً طويلاً، ثم بعد ذلك تفكر فى أمره وخرج يوماً ليتفرج فسمع صهيل خيل خلفه، فقال: جاء أمر الله وفر يطلب موضعاً ليستتر فيه فلم يجد، ثم نظر فرأى باباً منصوباً فدفع ذلك الباب فدخل فرأى دهليزاً طويلاً فاستمر داخلاً فيه فلم يشعر إلا ورجلان قد تعلقا به وقالا: الحمد لله الذى مكننا منك يا عدو الله هذه ثلاث ليال ما أرحتنا ولا تركتنا ننام ولا يستقر لنا مضجع بل أذقتنا طعم الموت فقال أخي: يا قوم ما أمركم بالله؟ فقالوا: أنت تراقبنا وتريد أن تفضحنا وتفضح صاحب البيت، أما يكفيك أنك أفقرته وأفقرت أصحابك ولكن أخرج لنا السكين التى تهددنا بها كل ليلة وفتشوه فوجدوا فى وسطه السكين التى يقطع بها النعال، فقال: يا قوم اتقوا الله فى أمرى واعلموا أن حديثى عجيب فقالوا: وما حديثك فحدثهم بحديثه طمعاً أن يطلقوه. فلم يسمعوا منه مقاله ولم يلتفوا إليه بل ضربوه ومزقوا أثوابه، فلما تمزقت أثوابه وانكشف بدنه وجدوا أثر الضرب بالمقارع على جنبيه فقالوا له: يا ملعون هذا أثر الضرب يشهد على جرمك ثم أحضروا أخى بين يدى الوالى فقال فى نفسه قد وقعت فأتيت إليه وأخذته وأدخلته المدينة سراً ورتبت له ما يأكل وما يشرب.
وأما أخى الخامس فإنه كان مقطوع الأذنين، يا أمير المؤمنين وكان رجلاً فقيراً يسأل الناس ليلاً وينفق ما يحصله بالسؤال نهاراً، وكان والدنا شيخاً كبيراً طاعناً بالسن فخلف لنا سبعمائة درهم وأما أخى الخامس هذا فإنه لما أخذ حصته تحير ولم يدر ما يصنع بها فبينما هو كذلك إذ وقع فى خاطره أنه يأخذ بها زجاجاً من كل نوع ليتجر فيه ويربح فاشترى بالمائة درهم زجاجاً وجعله فى قفص كبير وقعد فى موضع ليبيع ذلك الزجاج وبجانبه حائط فأسند ظهره إليها وقعد متفكراً فى نفسه وقال: إن رأس مالى فى هذا الزجاج مائة درهم أنا أبيعه بمائتى درهم ثم أشترى بالمائتى درهم زجاجاً أبيعه بأربعمائة درهم ولا أزال أبيع وأشترى إلى أن يبقى معى مال كثير فأشترى داراً حسنة وأشترى المماليك والخيل والسروج المذهبة وآكل وأشرب ولا أخلى مغنية فى المدينة حتى أجىء بها إلى بيتى وأسمع مغانيها هذا كله، وهو يحسب فى نفسه وقفص الزجاج قدامه. ثم قالت وابعث جميع الخاطبات فى خطبة بنات الملوك والوزراء واخطب بنت الوزير فقد بلغنى أنها كاملة الحسن بديعة الجمال وأمهرها بألف دينار، فإن رضى أبوها حصل المراد وإن لم يرض أخذتها قهراً على رغم أنفه، فإن حصلت فى دارى اشترى عشرة خدام صغار، ثم اشترى لى كسوة الملوك والسلاطين وأصوغ لى سرجاً من الذهب مرصعاً بالجوهر، ثم اركب ومعى المماليك يمشون حولى وقدامى وخلفى حتى إذا رآنى الوزير قام إجلالاً لى وأقعدنى مكانه ويقعد هو دونى لأنه صهرى ويكون معى خادمان بكيسين فى كل كيس ألف دينار فأعطيه ألف دينار مهر بنته وأهدى إليه الألف الثانى إنعاماً حتى أظهر له مروءتى وكرمى وصغر الدنيا فى عيني، ثم أنصرف إلى دارى فإذا جاء أحد من جهة امرأتى وهبت له دراهم وخلعت عليه خلعة وإن أرسل إلى الوزير هدية رددتها عليه ولو كانت نقيصة ولم أقبل منه حتى يعلموا أنى عزيز النفس ولا أخلى نفسى إلا فى أعلى مكانة، ثم أقدم إليهم فى إصلاح شأنى وتعظيمى فإذا فعلوا ذلك أمرتهم بزفافها ثم أصلح دارى إصلاحاً بيناً فإذا جاء وقت الجلاء لبست أفخر ثيابى وقعدت على مرتبة من الديباج لا ألتفت بميناً ولا شمالاً لكبر عقلى ورزانة فهمى وتجىء امرأتى وهى كالبدر فى حليها وحللها وأنا أنظر إليها عجباً وتيهاً حتى يقول جميع من حضر: يا سيدى امرأتك وجاريتك قائمة بين يديك فأنعم عليها بالنظر فقد أضر بها القيام ثم يقبلون الأرض قدامى مراراً فعند ذلك أرفع رأسى وأنظر إليها نظرة واحدة، ثم أطرق برأسى إلى الأرض فيمضون بها وأقوم أنا وأغير ثيابى وألبس أحسن مما كان على فإذا جاؤوا بالعروسة المرة الثانية، لا أنظر إليها حتى يسألونى مراراً فأنظر إليها ثم أطرق إلى الأرض ولم أزل كذلك حتى يتم جلاؤها، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة