الدعوة والموعظة فن يحتاج إلى مؤهلات ومهارات خاصة، خصوصا إذا أضيف للفاعل تاء التأنيث؛ ليتولى الأمر داعية أو واعظة تحقق التواصل السهل السلس مع بنات جنسها، وبراعم النشء؛ دون حواجز خجل أو حياء؛ لغرس قيم وأخلاق تعد أصولا للإسلام، وحمل عبء ومسئولية التعريف القويم بالدين السمح الذى يقوم على الرحمة والسماحة والسلام، والإجابة عن أسئلة فقهية خاصة، والمساهمة فى حل مشكلات مجتمعية وأسرية تختصر كثيرًا من الكوارث والأزمات الفكرية والأمنية والسلوكية؛ لذا توجهت "اليوم السابع" لمقابلة ولاء مصطفى البطة، واعظة من واعظات محافظة الدقهلية، لإجراء الحوار التالى معها..
حدثينى كيف فكرت فى العمل كواعظة.. وكيف تم اختيارك؟
لم يكن يخطر فى بالى يوما أن أعمل كواعظة، وكان كل تركيزى هو الاجتهاد فى دراستى داخل كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف بفرع المنصورة، حتى قابلت زميلة لى بالصدفة فى أحد المساجد وأكدت لى أنها لا ترانى إلا داعية أو واعظة، وأنهيت دراستى فى 2004، وأعلنت وزارة الأوقاف فى 2005 عن حاجتها لتعيين واعظات على مستوى الجمهورية، وذهبت لمبنى الوزارة الرئيسى، وأجريت اختبارات صعبة فى اللغة العربية والدين، ونجحت وانطبقت على الشروط المتمثلة فى الحصول على مؤهل متخصص مثل الدراسات الإسلامية، وأن تكون المتقدمة من دفعة سابقة هى 2004، وأثناء وجودى هناك، عرفت أن العدد لمطلوب هو 50 واعظة على مستوى الجمهورية، فأحبطت وقلت لزميلاتى بجواري: "لو كنت أعلم أن المطلوب 50 واعظة فقط لما كلفت نفسى مشقة الحضور"، وفوجئت بقبولى ضمن الـ50 واعظة، وتم تصفيتهن إلى 43 واعظة، كان نصيب الدقهلية منها 13 واعظة فى البداية، وتقلص العدد إلى 10 واعظات الآن بعد تعيين زميلة لنا معيدة بكلية الدراسات الإسلامية، وانتقال الأخريات إلى محافظات أخرى بسبب تغيير محل إقامتهن.
ما خريطة عمل الواعظات بمحافظة الدقهلية؟
تكلفنا وزارة الأوقاف كل شهر بخريطة عمل معينة، بطرح موضوعات محددة مثل موضوع التكافل الاجتماعي، وكيف يتعاون المسلمون مع بعضهم البعض، وكيف يمكن تغطية احتياجات الفقراء والمساكين من الصدقات والزكاة، وإعطائها لمستحقيها الحقيقيين، وتشجيع المنفقين على التوجه لمصارف الزكاة والصدقات الصحيحة التابعة للوزارة لتصل للأكثر فقرا، والأشد احتياجا.
ما أولويات خطة وزارة الأوقاف فى الفترة الحالية؟
غرس القيم والأخلاق هو مفتاح جميع المكارم وأساس صلاح المجتمع، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)؛ وقال: (أقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا)؛ لذا تركز وزارة الأوقاف فى خطتها على غرس الخلق الحميد، وتوطيد المبدأ القويم؛ الذى يؤدى بدوره إلى غرس السماحة والتواضع والمحبة والروح الطيبة بين المسلمين.
هل تشارك الواعظات فى تحفيظ القرآن الكريم بشكل رسمى داخل المسجد الدقهلاوى؟ وأين وكيف يتم التأهيل والاعتماد الرسمى لهذه المهمة الجليلة؟
وزارة الأوقاف حريصة على تقديم واعظات ومحفظات واعيات ومؤهلات للوعظ ولتحفيظ القرآن الكريم، لذا تعلن كل فترة عن فتح باب التقدم لقبول دفعات بمراكز إعداد محفظى القرآن الكريم بالمساجد الكبرى؛ بشروط معينة؛ لإتقان ترتيل وحفظ وتجويد القرآن على أيدى قراء وعلماء متخصصين، وتستمر الدراسة لسنتين قبل منح شهادة محفظة معتمدة، تتاح لها فرصة العمل بالمدارس القرآنية التابعة لوزارة الأوقاف.
كم عدد مراكز تحفيظ القرآن الكريم المتاحة لمن تريد منكن بمحافظة الدقهلية؟
لدينا 4 مراكز لإعداد محفظى القرآن الكريم بمحافظة الدقهلية تؤهل للعمل فيما بعد فى المدارس القرآنية ومكاتب تحفيظ القرآن الكريم، والتى يصل عددها إلى 37 مدرسة قرآنية، و47 مكتبا.
ما دوركن كواعظات فى مواجهة التطرف الفكرى؟
دورنا كواعظات يركز على تربية النشء وإرشاد الأسرة فى الأساس؛ لذا نعمد إلى الأطفال والفتيات فى سن مبكرة فى المراحل الأساسية الابتدائية والإعدادية، لتوجيه الفكر للمسار الوسطى السليم الأصيل للدين الإسلامى منذ البداية، ومن هنا نغلق الباب على أى فرصة لتسلل الفكر المتطرف لدى فتيات اليوم وأمهات ومربيات المستقبل، وبالمثابرة فى هذا الاتجاه ننقذ الفرد والمجتمع من الوقوع فى براثن التطرف والإرهاب.
ما منهج الواعظات فى التعامل مع البراعم؟
منهج الواعظات يبدأ التعامل المباشر فيه منذ نعومة أظافر الطفل أو الطفلة؛ لأن هذا الأسلوب فى التربية والإرشاد والتعليم يجعلك مرجعية للطفل، ويضمن للواعظة الاستحواذ على مكانة القدوة ومصدر التلقى الأول للدين والعقيدة، وحتى إذا سمع أى معلومة أو فكرة من مصدر خارجى يرجع إليكِ ويسألك ويناقشك فيها للتأكد من مدى صحتها أو خطأها؛ وهذا هو أصل منهج الحماية والوقاية فى تعامل الواعظات مع البراعم.
ما أطرف موقف واجهتيه فى التعامل مع طفل أو طفلة كواعظة؟
ابتسم وأسعد كثيرا حينما يقابلنى طفل فى الشارع أو تجرى طفلة مسرعة للحاق بى لتسألنى عن أى أمر من باب الثقة فى الواعظة واعتبارها المصدر الرئيسى للتلقى.
ما حدود المساهمة المجتمعية للواعظة داخل الأسرة المصرية؟
الواعظة متغلغلة داخل الأسرة المصرية بحكم الثقة الدينية والأخلاقية فيها، واعتبارها مصدر أمين للمعلومة وكاتم للسر؛ لذا لا تستحى السيدات والفتيات من الحديث فيما يعتبرنه أسرار، والبوح عما يدور فى مكنون صدورهن سواء فى مسائل فقهية أو مشكلات أسرية، فكثيرا ما تلجأ الفتيات المخطوبة لى للاستشارة فى حدود العلاقة بينها وبين خطيبها، أو تسترشد بالرأى فى مواجهة أزمة معينة، وهذا التواصل منذ البداية يعتبر خطوة استباقية تتيح لنا الفرصة لتقليص كم المشكلات الأسرية قدر الإمكان، وإقامة البيت والعلاقة الزوجية على أسس صحيحة منذ البداية؛ الأمر الذى يدفع الأزواج فيما بعد لإرسال زوجاتهن فى المسجد للسؤال حول الطريقة المثلى لحل المشكلة برضا جميع الأطراف؛ وبذلك تصبح الواعظة مرجع للأسرة كلها وليست للبراعم أو العنصر النسائى فقط.
ما أصعب مشكلة واجهتك وعجزت عن حلها كواعظة؟
أصعب مشكلة واجهتنى ووقفت عاجزة أمامها هى مشكلة لسيدة فقيرة، فى بلدتنا تركها زوجها وسافر لليبيا منذ سنوات مع أربع بنات فى مراحل تعليم مختلفة، وفوجئت بانضمامه لداعش، واتصاله بها قائلا: "ربى بناتك وانسى إنك ست متزوجة"، وتخلى عن الإنفاق عليهن، وهى امرأة بسيطة ليس لديها وظيفة أو مصدر دخل ثابت تنظم على أساسه حياتها خصوصا فى ظل الغلاء، وقفت حائرة عاجزة أمام مشكلتها، فحتى لو تمكنت من تجميع مبلغ مالى معين من أهل البر والتقوى الآن، فهذا مجرد حل مؤقت، فماذا سنفعل فى القادم، وكيف ستنفق على إعاشة وتعليم بناتها، وحتى لو صرفنا لها معاش فهو مبلغ زهيد لا يكفى متطلباتها الأساسية؛ لذا فالمشكلة الاقتصادية لأى سيدة أو أسرة هى المشكلة التى لا أستطيع حلها.
هل يوجد لَكُنّ جولات ميدانية فى الهيئات والمدارس للقيام بدوركن فى الوعظ والإرشاد؟
نعم.. أنا شخصيا أتطوع بمجهودى فى المدارس، واستهدف مدارس البنات خصوصا فى مرحلة المراهقة لتعريفهن بأحكام الحيض وأصول الطهارة والاغتسال وخلافه، واستمع لأسئلتهن ومشكلاتهن، وأحاول حلها قدر استطاعتى بالنصح والتوجيه.
ما أغرب موقف تعرضت له فى جولاتك؟
قابلت موقفا لم يكن الأغرب، لكن استوقفنى حينما صادفت طالبة فى بداية الطريق نحو الإلحاد، وتستنكر وجود الله، وساخطة على أقداره، فتحدثت معها بالحسنى وحاججتها وأقنعتها حتى عادت إلى طريق الصواب واعتدل فكرها، وأصبحت واحدة من تلميذاتى فى الدروس التى ألقيها فى المسجد.
هل أفهم من ذلك أن هناك أزمة حقيقية تواجهها الأجيال فى المدارس بسبب عدم اعتبار الدين مادة أساسية تضاف للمجموع وبالتالى يكون مصيرها الإهمال؛ مما يؤدى إلى جهل الطالب والطالبة بأبسط أمور دينه، وقد ينحرف بالإلحاد أو التطرف بسبب ذلك؟
نعم.. بالفعل الأجيال تتعرض لأزمة دين وضمير وأخلاق حقيقية بسبب إهمال منهج الدين، وعدم الاطلاع عليه أو مذاكرته، وإعطاء الأولوية للمواد الأخرى؛ مما أدى إلى خلق جيل جاهل بأبسط أمور الدين والأخلاق، وهذا الجهل يجعلهم فريسة سهلة للوقوع فى براثن التطرف أو الإلحاد، خصوصا مع عدم وجود قدوة قريبة منهم تنتشلهم من الحيرة والجهل بالدين الإسلامى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة