انتهت الاحتفالات فى ليبيا بجلاء القوات الأمريكية عن قواعدها صباح يوم 20 يونيو عام 1970، بحضور قادة العرب، وهم الرئيس العراقى أحمد حسن البكر، والسورى نور الدين الأتاسى، واللبنانى شارل الحلو، والسودانى جعفر النميرى، والرئيس جمال عبدالناصر، والعاهل الأردنى الملك حسين، وياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وممثل الجزائر قائد أحمد، وفقًا لفتحى الديب فى كتابه «عبد الناصر وثورة ليبيا»، مضيفًا أنه بعد رفع العلم الليبى على قاعدة الملاحة والعرض العسكرى، ألقى العقيد معمر القذافى خطابًا سياسيًا بثته الإذاعة الليبية، وإذاعة صوت العرب فى مصر.
كان «الديب» ضمن الوفد المصرى، كما كان موجودًا بصفة دائمة فى ليبيا منذ اندلاع ثورتها فى الأول من سبتمبر 1970 لمساعدة الليبيين فى بناء دولتهم، ويتذكر أنه فى صباح 21 يونيو، مثل هذا اليوم، عام 1970 وهو اليوم التالى للاحتفالات، بدأت اجتماعات بين رؤساء دول المواجهة ضد إسرائيل، وكل من الجزائر وليبيا والسودان، وألقى القذافى كلمة ترحيب فى الجلسة الأولى، وتوالت كلمات القادة يعرضون فيها وجهات نظرهم حول التوصل لخطة عربية موحدة لتجميع القدرات العسكرية للدول المشتركة فى الاجتماع لتحرير الأرض العربية وإزالة آثار عدوان 5 يونيو 1967.. يضيف الديب: «لم يحظ عرض وجهات النظر على إعجاب القذافى، واعتبره تقاعسًا عن الواجب القومى، وخرج العقيد فى مهاجمته للملك حسين على العرف، واشتد به الحماس ليهدد المجتمعين بأنه ما لم يحقق هذا الاجتماع هدفه فى توحيد جهدهم والاتفاق على رأى واحد فإنه سيخرج ليذيع على الرأى العام العربى حقيقة موقفهم المتردى لتطيح شعوبهم بهم، موجهًا حديثه إلى الملك حسين بصفة خاصة».
يصف «الديب» رد فعل عبد الناصر على كلام القذافى قائلًا: «فوجئت بالرئيس جمال عبد الناصر وقد شحب لونه ثم ضرب بيده على الطاولة مطالبًا العقيد بالكف عن تطاوله واحترام الرؤساء المجتمعين، موضحًا أنه ليس من حقه أن يوجه أى إهانة إلى الملك حسين أوغيره، وعليه أن يلتزم حدوده، وأنه ليس من حقه تهديد أحد، وأن قدرته محدودة فى شخصه، وإن جاز لأحد أن يتوجه إلى الشعب العربى من موقف القدرة فإنه على استعداد لأن يتوجه للشعب الليبى ليجبر العقيد معمر على الالتزام بآداب الضيافة واحرتاكم ضيوفه»..يؤكد الديب: «قام عبد الناصر غاضبًا ليفض الاجتماع، ويتجه مباشرة إلى قصر الضيافة، الأمر الذى كان وقعه على الجميع غاية فى الشدة وخاصة العقيد ورفاقه».
يكشف الديب: «رافقت الرئيس فى عودته إلى غرفته بقصر الضيافة بناءً على طلبه ليطلب منى إعطاء التعليمات لتكون الطائرة المصرية الخاصة جاهزة ليسافر فورًا إلى القاهرة»..يؤكد: «حاولت تهدئته موضحًا أن العقيد لم يقصد ما جاء على لسانه، وأن ذلك يرجع إلى نقص الخبرة والحماس وافتقاره إلى اللباقة والقدرة على التعبير المتسم بأسلوب التعامل الحصيف، وما هو معروف عنه من الاندفاع اللاواعى».. يضيف الديب: «بعد أخذ ورد وإيضاح طويل، بدأت نفسية الرئيس جمال تهدأ إلى حد ما، واستأذنت منه لمدة نصف ساعة لأعود ومعى رئيس وأعضاء مجلس الثورة ليقدموا اعتذارهم».
قبل عبدالناصر كلام الديب وأذن له بأن يقوم بمهمته ويؤجل سفره لحين عودته.. يذكر الديب: «أسرعت إلى مبنى مجلس الثورة لأجد العقيد ورفاقه فى موقف لا يحسدون عليه من الكآبة والاضطراب النفسى والوجوم، إحساسًا بالخطأ الكبير الذى ارتكبوه فى حق الرئيس كما أخبرونى بمجرد رؤيتهم لى».. يضيف الديب: «أخطرتهم باعتزام الرئيس السفر فورًا إلى القاهرة، فوقع ذلك الخبر على رؤوسهم كالصاعقة، والتفوا حولى مطالبين باستعدادهم لعمل أى شىء مهما كان لإرضاء الرئيس وعدوله عن قراره بالسفر».. أكد لهم الديب أن الحل الوحيد أمامهم هو مصاحبتهم جميعًا للقاء الرئيس، وإيضاح حقيقة مشاعرهم له شخصيًا، وطمأنهم: «بحكم معرفتى به وبقلبه الكبير سوف يقبل اعتذارهم ويعيد النظر فى قراره».
يتذكر الديب: «وصلنا جميعًا إلى قصر الضيافة، واصطحبت العقيد ومعظم أعضاء مجلس الثورة إلى غرفته، وقلت له: هؤلاء أبناؤك حروا ليعتذورا عن خطأهم فى حقك واسمح لى بالانسحاب لتكون على راحتك معهم، وتركت الغرفة فورًا، وجلست فى غرفة الاستقبال منتظرًا لما سيتطور إليه الموقف، ولم يمض نصف ساعة حتى رأيت باب غرفة الرئيس جمال يفتح، ويخرج منه الرئيس، واحتضن معمر ورفاقه ليسير معهم فى هذا الوضع حتى ودعهم على باب قصر الضيافة، وتجمع المصورون ليلتقطوا الصور التذكارية، واصطحبنى الرئيس إلى غرفته ليطلب منى عدم إعداد الطائرة، وليوضح لى أنه سيظل بطرابلس طبقًا للبرنامج السابق إعداده، وسيتابع جلسات مؤتمر دول المواجهة، وعقدت الجلسة الثانية صباح اليوم التالى ليبدأ العقيد بالاعتذار عما حدث فى جلسة الأمس».