يواجه الاتحاد الأوروبى وضعا حرجا فى المرحلة الراهنة، خصوصا بعد انتخابات البرلمان الأوروبى التى أفرزت للمرة الأولى منذ أربعين عاما خارطة سياسية جديدة، عكست نفوذ التيار اليمينى الشعبوى فى أوروبا، الرافض لفكرة الاتحاد، وعززت هذه الأحزاب مكانتها داخل المؤسسات التشريعية الأوروبية بعد النتائج المتقدمة التى حققتها خلال الانتخابات.
وأصبح للبرلمان الأوروبى وجه جديد، خصوصا أن هذه الخارطة السياسية ستطوى صفحة الثنائية الحزبية التاريخية بعد صعود الأحزاب الشعبوية واليمين المتطرف والخضر، رغم احتفاظ القوى المؤيدة للاتحاد الأوروبى بغالبية كبرى، وهذا الوجه الجديد سيجعل التوصل لتوافق بين مختلف الكتل أمرا أكثر تعقيدا.
وهذا ما ظهر جليا فى الصراعات بين رؤساء الدول وقادة البرلمان الأوروبى على التعيينات الجديدة الخاصة بالمناصب العليا فى الاتحاد، خصوصا منصب رئيس المفوضية الأوروبية، خلفا لجون كلود يونكر، حيث أثار هذا المنصب انقساما واضحا بين القادة الأوروبيين، فمن ناحية يطالب اليمين المؤيد لأوروبا وهو الحزب الشعبى الأوروبى، والحائز على أكبر عدد من المقاعد فى البرلمان الأوروبى، بمنصب رئاسة المفوضية فى بروكسل لمرشحه البافارى مانفريد فيبر، الذى يحظى بدعم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فى الوقت الذى يعارض ترشحه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ويرغب فى اختيار خليفة يونكر من دائرة تضم رؤساء حكومات الدول الأوروبية، ويؤيد مرشحين آخرين مثل الدنماركية مارجريت فيتسجير، والفرنسى ميشال بارنييه، والهولندى فرانز تيمرمان.
البرلمان الأوروبى
وسابقا صرح ماكرون، أنه يعلن دعمه لميركل، إذا نافست على رئاسة المفوضية الأوروبية، قائلا " إذا أرادت، سأدعمها". وتابع "بالطبع سأدعمها لأننى أولا اعتقد أننا فى حاجة إلى شخص قوى. أوروبا فى حاجة إلى وجوه جديدة وقوية وعليه فإننا فى حاجة إلى شخصيات تجسد ذلك بالفعل".
كما أن ماكرون يقود حركة تمرد مع عدد من القادة لمحاولة إقناع الحزب الشعبى الأوروبى بالتخلى عن مرشحه لتجنّب أزمة، وتعليقا على معارضة ماكرون، قال مسئولون فى الحزب الشعبى الأوروبى إن "ماكرون خسر معركته ضد مارين لوبن".
ماكرون وميركل
وفى السياق ذاته يستعدّ البرلمان الأوروبى أيضا للمواجهة، حيث يحتجّ المنتصرون فى الانتخابات الأوروبية، وهم الليبراليون والخضر، على تلقائية تعيين مرشح الكتلة الأقوى، لكن لا يريدون أن يُفرض عليهم مرشح يختاره القادة الأوروبيون.
ويفترض أن يحصل خلف جان كلود يونكر لرئاسة المفوضية الأوروبى على الغالبية المطلقة فى البرلمان الأوروبى أى 376 صوتاً. إلا أن ذلك مستحيل من دون الحزب الشعبى الأوروبى.
ويتم اختيار رئيس المفوضية بترشيح من قادة الاتحاد الأوروبى، ويجب أن يكون أحد المرشحين الذين يتصدرون اللوائح، ويجب أن يحصل على مصادقة الزعماء الأوروبيين خلال القمة المرتقبة، اليوم، وأيضا على الأغلبية المطلقة فى البرلمان، أى 376 صوتا، فى منتصف يوليو.
انتخابات البرلمان الأوروبى
ومن المقرر أن يتخذ زعماء الاتحاد الأوروبى اليوم الخميس، خطوة نحو حل القضية المعقدة الخاصة بالتعيينات فى المناصب العليا بالتكتل خلال قمة بروكسل، التى تنطلق اليوم الخميس، وتستمر لمدة يومين، بمشاركة الدول الاعضاء الـ 28، وسط ضغوط لمنع الجمود المؤسسى فى وقت حرج بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وتحظى مسألة اختيار المناصب العليا للمؤسسات الأوروبية بأهمية كبرى على جدول أعمال القمة حيث من المقرر أن تشهد الفترة المقبلة تغيير قيادات خمس هيئات فى الاتحاد الأوروبى، حيث يتم اختيار رئيس البرلمان فى مطلع يوليو المقبل، ورئيس المفوضية، والمنسق الأعلى للشئون الخارجية، ورئيس البنك المركزى الأوروبى فى نوفمبر القادم، ثم رئيس المجلس الأوروبى فى الشهر التالى، ديسمبر.
وفى ضوء ذلك ينبغى أن تعكس تلك التعيينات الجديدة التوازنات السياسية والجغرافية والديموغرافية للاتحاد بحيث يتم تمثيل الدول الأوروبية الصغيرة والكبيرة، فضلا عن مراعاة المساواة بين الرجل والمرأة فى كل المناصب رفيعة المستوى، وهو ما يجعل المعادلة تبدو أكثر تعقيدا.
وفى هذا السياق، أكدت ميركل، على المبدأ الخاص بقصر اختيار قادة الاتحاد الأوروبى على المرشحين الرئيسيين فى انتخابات البرلمان الأوروبى، مشيرة إلى أنه لا يمكن لمجموعة حزبية أن تكون صاحبة القرار وحدها، لافتة إلى أنه سيتم التوصل إلى قرار "فى هدوء تام" فى موعد أقصاه بدء عمل البرلمان الأوروبى الجديد.
البرلمان الأوروبى ـ لوبان
ومن هنا نرى أن التكتل يواجه تحديات كثيرة، تبدو واضحة فى الأزمات الداخلية التى تواجهها حاليا الحكومات الأوروبية حاليا، ففى إيطاليا مثلا نجح حزب الرابطة اليمينى المتطرف، بقيادة ماتيو سالفينى، المعروف بمناهضته الشديدة للتجربة الوحدوية الأوروبية، بالحصول على المرتبة الأولى بينما تعرض الحزب الديمقراطى (وسط يسار) لخسارة تاريخية إذ فقد أكثر من 20% من الأصوات، ويأتى ذلك فى الوقت الذى تهدد فيه المفوضية الأوروبية إيطاليا بعقوبات تاريخية نتيجة ارتفاع العجز والدين العام، واستمرار الركود فى الاقتصاد الإيطالى.
وكذلك يبدو المشهد معقدا فى فرنسا بعد الفوز الذى حققه "التجمع الوطني" بقيادة مارين لوبان فى الانتخابات الأخيرة، وهو ما قد يؤثر سلباً فى قدرة ماكرون على لعب دور أكبر فى اختيار رئيس المفوضية الأوروبية الجديد.
من ناحية أخرى يشكل البريكست تحديا صعبا أمام الاتحاد الأوروبى، خاصة فى ظل العثرات التى تعترض طريق الوصول إلى اتفاق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
من ناحية ثالثة، فإن تصاعد التوتّر بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة يمثل تحديا إضافيا أمام التكتل، فبعد أن كانت الولايات المتحدة الحليف التقليدى لأوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدا واضحا أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يسعى لتغيير مسار هذه العلاقة، وهو ما ظهر من خلال عدة خطوات من بينها فرضه لرسوم جمركية على عدد من السلع الأوروبية، وإعلانه انسحاب بلاده من معاهدة باريس للمناخ ومن الاتفاق النووى مع إيران، فضلا عن تصريحاته حول أن حلف الناتو ليس ضامناً وعلى الأوروبيين زيادة نسبة الموازنات العسكرية.
واليوم فى قمة الاتحاد فى بروكسل ينتظر القادة الأوربيين بارقة أمل لحسم الصراع السياسى من أجل المناصب العليا لمؤسسات الاتحاد والاتفاق على شخصية يوافق عليها البرلمان الأوروبى لرئاسة المفوضية.
يذكر أن أحد المتنافسين على منصب رئاسة المفوضية الأوروبية، وهو زعيم الاشتراكيين الهولندى فرانس تيمرمانس، قال "صراع العروش سيبدأ لتعيين من سيحصل على تلك الوظيفة".
من جانبه قال مسئول مجرى رفيع المستوى، إن المفوض الأوروبى لشئون اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى "بريكست" ميشيل بارنييه، سيكون من بين المرشحين المدعومين من دول أوروبا الشرقية ليكون الرئيس القادم للمفوضية الأوروبية .
وأضاف جرجيلى جولياس، رئيس مكتب رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان - خلال مؤتمر صحفى نقلته شبكة "يورو نيوز" - أن بارنييه سيكون من ضمن المرشحين الذين ستدعمهم كلا من بولندا والمجر والتشيك وسلوفاكيا.