أكد وزير المالية الفلسطينى شكرى بشارة، إن مساعدات المانحين انخفضت بشكل حاد خلال الستة أعوام الماضية من معدل 1 مليار دولار قبل العام 2013 إلى أقل من 450 مليون دولار فى عام 2018، أى انخفاض بحدود 60% وذلك بشكل أساسى نتيجة توقف الدعم الأمريكى وعدد من الدول الأخرى.
وقال بشارة فى كلمته أمام الإجتماع الطارئ لوزراء المالية العرب بشأن تفعيل شبكة الأمان المالية لدولة فلسطين برئاسة الكاتب العام لوزارة المالية التونسية عبدالرحمن الخشتالى " رئيس القمة العربية "، للتمكن من مواجهة الأزمة المالية التى تعانيها جراء ما تقوم به إسرائيل من احتجاز تعسفى وغير قانونى للعوائد الضريبية المستحقة لدولة فلسطين، بالرغم من ذلك فقد استمرينا فى تطبيق استراتيجيتنا دون إثقال كاهلنا بأى اقتراض مالى إضافي، وتمكنّا من الحفاظ على الدين العام بنسبة متواضعة لا تفوق 11 % من الناتج المحلي.
وأضاف بشارة، بحضور الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام المساعد السفير حسام زكي، والأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضى العربية المحتلة الدكتور سعيد أبو علي: إننا نلتقى اليوم ونحن فعلا فى فلسطين فى وضع مالى على منعطف خطير، فإنه خلال الستة أعوام الماضية تم إعتماد استراتيجية تتمحور حول هدفين رئيسيين: الأول: تخفيف العجز الجارى تدريجياً والإبتعاد عن تمويل النفقات الحكومية الإستهلاكية مقابل التوجه نحو تمويل النشاطات الاستثمارية والتطويرية، والثاني: الاستعداد استباقياً للسيناريو الحتمى والمتمثل فى تراجع المساعدات المالية الدولية وذلك من خلال تعزيز اعتمادنا على مواردنا المتاحة ذاتياً، مؤكدا أنه مع نهاية العام الماضى كنا قد قطعنا شوطاً متقدماً لتحقيق هذالأهداف، فقد نجحنا فى مضاعفة إيراداتنا خلال الأعوام الست الماضية عن طريق الترشيد والإصلاح .. بالرغم أننا خفضنا ضريبة الدخل فى العام 2016 من 20 إلى 15% وذلك لضخ سيولة بالأسواق وتحفيز القطاع الخاص الفلسطيني، وبذلك تم تقليص العجز الجاري، الذى بلغ 13 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2013، إلى 4.5 ٪ فى عام 2018 وكنا متجهين لتخفيض العجز هذا العام إلى 2.5% قبل الانتكاسة الأخيرة.
وتابع: "لكن لكى لا نضلل أنفسنا، فإنه وبالرغم من الانجازات على صعيد إدارة المال العام، إلاّ أننا على يقين بأنه لا يوجد أى بصيص أمل لمأسسة اقتصاد فلسطينى قابل للازدهار والنمو المستدام تحت معوقات الاحتلال العسكرى الخانق الذى تجاوز النصف قرن".
وتساءل بشارة، كيف يمكن أن نحقق نمواً قابلاً للديمومة فى ظل حرماننا من الإستثمار فى أكثر من 64% من أراضينا المعروفة بمناطق (ج) والتى أصبحت يوماً بعد يوم مخصصة لتطوير المستوطنات وللاغراض العسكرية الإسرائيلية؟، وكيف يمكن أن نطور البنية التحتية ونطور وسائل النقل بين مدننا أو نطور مشاريع إسكانية فى تلك المناطق؟، فكيف يمكن تطوير القطاع الزراعى أو استغلال المصادر الطبيعية فى ظل استمرار حرماننا من أبسط حقوقنا والمتمثلة بحق الوصول إليها واستخراجها؟.
وقال، إن هذا الواقع المرير، يولّد تلقائيًا عجزًا تجارياً متأصلاً فى السلع والخدمات لصالح إسرائيل يبلغ حالياً حوالى 6 مليار دولار سنوياً ونتيجة لواقع الحال غير المتوازن أصبحنا معتمدين بشكل أساسى على الضرائب والرسوم الجمركية التى يتوجب على اسرائيل إعادتها لنا شهرياً وفقًا للاتفاقيات المبرمة وفى طليعتها بروتوكول باريس لعام 1995، وللتذكير هذا البروتوكول ينص على أنّ الضرائب ورسوم الجمارك تستوفى وتعاد إلى مكان الإستهلاك النهائي، بمعنى أن هذه الأموال تدفع مسبقاً من قبل الفلسطينيين حكومةً ومواطنين لكى تعود لنا بعد 50 يوماً منقوصة من عمولات وتكاليف واقتطاعات وجزء كبير منها دون أى تفسير أو شروحات شفافة.
وأضاف: نتيجة العجز التجارى لصالح إسرائيل وحجم الاستيراد منها، أصبحت قيمة الضرائب التى يتوجب على إسرائيل إعادتها لنا تقدر بحوالى 200 مليون دولار شهرياً أى ما يعادل 2.4 مليار دولار سنوياً وبمكر واستغلال لا مثيل له فقد شوهت إسرائيل على مدار ال25 عام الماضية الأطر الناظمة بشأن إعادة الضرائب، موكدا إن إسرائيل لجأت إلى تجميد إعادة المبالغ للسلطة واستخدامها كوسيلة للإكراه السياسى وفرض مطالب علينا وفى كل مرة أقدمت إسرائيل على هذه الخطوة الحقت ضرراً مدمراً بالخزينة العامة وباقتصادنا.
وأوضح الوزير بشارة، إن إسرائيل تستغل شهرياً نقطة ضعفنا المتمثلة بحاجتنا الماسة والملحة لإستلام أموالنا فى موعدها لتفرض علينا خصومات ومصاريف مضخمة دون أى وجه حق، وعليه فقد تمكنت إسرائيل خلال الفترة الماضية من إستغلال ضعفنا المالى واعتمادنا الشبه تام على عائدات الضرائب والرسوم كوسيلة للسيطرة المطلقة على وضعنا المالى والإقتصادى مما جعل الإحتلال العسكرى احتلالاً بالغ الربح، ودون أى شك لم ولن نتنازل عن مطالبنا المالية وسنلجأ لكافة الطرق المتاحة لاسترجاع اموالنا ووقف قرصنة الاحتلال.
وأشار، إلى أن إسرائيل أعلمتنا بقرارها بخصم مبالغ إضافية من أموالنا تبلغ 12 مليون دولار شهرياً أى 144 مليون دولار سنوياً، وبررت إسرائيل هذا القرار أنه إجراء عقابى أقره الكنيست الإسرائيلى لمعاقبة السلطة على ما نقوم به من دعم وتأمين رواتب، وبدلات إجتماعية، ومساعدات إنسانية لصالح عائلات الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية والجرحى وعائلات الشهداء، فكان الرد الفلسطينى موحداً، قيادةً، وشعبا،ً ورأياً عاماً بإعتبار الخطوة الاسرائيلية الأخيرة الشعرة التى قسمت ظهر البعير، واليوم أرى من المناسب توضيح ثوابتنا المبدئية التى كونت موقفنا: أولاً: عندما تلتحم القوة العسكرية القاهرة مع الفكر الصهيونى الاستعمارى فكان الله فى عون الضحايا فالمليون فلسطينى الذين أُسروا وخرجوا من السجون الإسرائيلية منذ عام 1967 ومئات الآلاف من الجرحى والشهداء. هم فى طليعة هؤلاء الضحايا، وعندما نقوم بواجبنا الإنسانى للتخفيف من صدماتهم ومآسيهم تأتى اسرائيل وتعاقبنا على ذلك،فهذا هو قمة الإجحاف القانونى والاخلاقي، وثانياً، إن الافتراض الاسرائيلى بأن الشعب الفلسطينى يلجأ الى أعمال عنف لدوافع مالية فقط، هو افتراض عنصرى بإمتياز ومثير للإشمئزاز.
وقال أن إسرائيل تتجاهل حقيقة راسخة أن جوهر استيراتيجية الاستيطان يقوم على الدعم المالى والاستثناءات والمنح والميزات العديدة للمستوطنين الذين يسلبون اراضينا يومياًمنتهكين بشكل صارخ القانون الدولي، وثالثاً: لن نسمح أن يمر قرار الكنيست مرور الكرام فلا يوجد بيت فلسطينى لا يخلو من أسير أو جريح أو شهيد، ولا يمكن أن نقبل أن يتعرض أى مواطن أو أى مؤسسة فلسطينية أو حتى عربية لمجرد مساهمتها فى دعم الشعب الفلسطينى للإبتزاز المالي، ولذلك أصبح حتماً علينا رفض الاقتطاعات غير القانونية برمتها، ونتيجة لذلك،، نحن الآن نتعامل مع وضع مالى معقد وخطير وأصبحنا ملزمين بالاعتماد على فقط 40% من دخلنا.
وتابع: إرتأينا أن نتجه إلى إخواننا فى الدول العربية للمسارعة فى إنقاذ الوضع المالى المأساوى الذى نمر به ونرجو من منكم النظر للآتى، فلابد من الاستمرار والالتزام بقرار جامعة الدول العربية القاضى بدعم فلسطين بمبلغ 55 مليون دولار شهرياً، وتفعيل شبكة الأمان العربية بقيمة 100 مليون دولار شهرياً وفقاً لقرارات جامعة الدول العربية وهى الحاجة الفعلية لضمان استمرار النظام الفلسطينى على مدار الاشهر القادمة، هذا هو الحد الأدنى الذى يسمح لنا بالبقاء والوفاء بالتزاماتنا المالية والتربوية والصحية والاجتماعية ودعم المخيمات داخل وخارج فلسطين وخاصة تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة.
وقال بشارة، أنه قبل 25 عام وقعت اتفاقية اوسلو ووصفها بحينه الرئيس الأمريكى كلينتون أنها صفقة قرن، وبكلمات شاعرية قال عن أوسلو حينها انها لحظة فيصلية فى تاريخ البشرية أتت بالسلام لهذه البقعة المقدسة من الكون والان وبعد 25 عام نجد اراضينا مغتصبة، وأموالنا مسلوبة، وعدد المستوطنين ازداد من 90.000 الى 750.000 مع هذا العام، وحصار وحروب على قطاع غزة، وأزالت الولايات المتحدة الامريكية القدس والمقدسات عن طاولة المفاوضات كما هو حال حق العودة، كما أقرت أميركا بحق إسرائيل فى السيطرة على الاغوار والحدود، وفوق كل هذا تحاول تدمير الاونروا ومحو الرواية وطمس الهوية الفلسطينية، مضيفا انه بعد هذه التجربة المريرة يجب ان لا يتسغرب أحد منا أننا حذرون ونشكك بكل ما يوصف بصفقة قرن أو كما سميت منذ يومين بفرصة القرن، ولسخرية القدر فإن فريق ترامب للسلام يهزأ بالمواقف الفلسطينية ويصفها بنقاط نقاش متحجرة ومملة.
واختتم الوزير بشارة كلمته: إننا نقول لهذا الفريق إنَّ إصرارُنا على حقوقنا الغير قابلة للمساومة وإصرارنا على الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير على أراضينا هى ليست نقاط نقاش بل هى ثوابت كونية لا يُمكن أن يتخلى عنها أى فلسطينى على هذه الأرض.
حضر الاجتماع إلى جانب الوزير بشارة، وكيل وزارة المالية فريد غنام، والمتحدث الاعلامى باسم وزارة المالية عبدالرحمن بياتنة، وسفير دولة فلسطين لدى مصر، مندوبها الدائم لدى الجامعة العربية السفير دياب اللوح، والسفير المناوب بالجامعة العربية مهند العكلوك، والمستشار تامر الطيب، والمستشار رزق الزعانين من مندوبية فلسطين بالجامعة العربية .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة