اليهود قوم اعتادوا التعامل بالربا والرشوة وخلق الأكاذيب واتباع أساليب الوقيعة والفرقة بين الدول وتزويد الشعوب بالمعلومات الكاذبة والمضللة إلى جانب قيامهم باستدرار تعاطف الشعوب نحوهم، ومتى تملكوا القلوب والعقول تحولوا إلى المطالبة بإعادة ملك سليمان وإقامة دولتهم الكبرى التى تحكم العالم من فلسطين- كما يتصورون.
وغرضنا من كتابة هذه السطور هو الكشف عن كنه الشخصية اليهودية التى تقبل الازدواجية بكل معانيها وأنواعها -سواء أكانت دينية أم سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية- باتباع كل وسائل التمويه والتخفى لتحقيق أغراضها.
فقد ظهر عبر العصور طوائف يهودية اعتنقت أديانا مغايرة لليهودية سواء إجبارا وقسرا أو طواعية حيث اتخذت هذه الطوائف أساليب سرية اتسمت بالغموض للدرجة التى تصل الى ممارسة طقوس وعبادات أديان أخرى علانية، بينما يقيمون طقوسهم وشعائرهم فى المعابد سرا وخفية بعيدا عن الأعين، وقد تمثلت هذه الظاهرة الفريدة من نوعها من خلال طائفتى يهود المارانوس (المسيحيين الجدد) الذين عاشوا فى أوروبا فى شبه جزيرة أيبيريا منذ القرن 15 الميلادي، وطائفة الدونمة أو الشبتائيين فى آسيا الذين عاشوا شرقا فى تركيا منذ القرن السابع عشر.
تلك الطائفتان مثلتا نموذجين كاشفين عن طبائع اليهود وأساليبهم فى الدمج بين الظاهر والباطن ، فكان يهود المارانوس باستثماراتهم التجارية يشكلون جماعات ضغط على شعوب تلك البلدان, حيث استطاعوا التسلل إلى صفوف الرهبان متظاهرين بالتعصب للمسيحية والانتماء لها، وقد نجح الحاخامات اليهود فى التحول للمسيحية، وتقلدوا مناصب عليا فى الدولة كالباباوات والقساوسة والمعمدين وأعضاء فى محاكم التفتيش يحكمون بالسجن والقتل والحرق على بنى ملتهم من اليهود لأجل الحفاظ على ممتلكاتهم.
وهكذا كان الاختراق اليهودى فى إسبانيا والبرتغال كبيرًا تقوده براعة اليهود فى التصرف بالأموال والمضاربة, فكان منهم الصيارفة والصاغة وأصحاب البيوت المالية والتجارية, حيث مثلوا طليعة الجماعات الممارسة لليبرالية التحررية فى العالم فكرا وعملا من أجل إعلاء الفردية على حساب الدولة.
وقد أطلق على هذه الطائفة أسماء عدة مثل المارانوس، والأنوسيم، واليهود المتخفين، والمسيحيين الجدد, وجميعها مسميات مترادفة تدل على معنى واحد هو المتنصرون الذين اعتنقوا المسيحية منذ بدايات الملكية المسيحية – التى قامت بعد نهاية الحكم الإسلامى للأندلس – أصحاب القدرة على التشكل والاندماج مع الديانة المغايرة لديانتهم لاعتبارات سياسية واقتصادية وقومية.
أما يهود الدونمة (الشبتائيون) الذين عاشوا فى تركيا , فكانوا يمثلون أصحاب الهويتين المزدوجتين الإسلامية الظاهرة واليهودية الباطنة , ويمكن وصفهم باليهود المتأسلمين وذلك حين دخل زعيمهم شبتاى زفى الإسلام وأعلن أنه مثل النبى موسى الذى عاش متخفيا فى قصر الفرعون خوفا من الإبعاد أو الإقصاء أو التهجير أو غير ذلك.
وقد مارس يهود الدونمة أو الشبتائيون كل الآليات التى تحقق لهم استدرار العطف نحوهم فتمتعوا بحرية العبادة والعمل من جانب الأتراك العثمانيين, وسكنوا المدن الرئيسية كالقسطنطينية وأدرنه وإزمير وسالونيك.
واستطاعوا بتلك الحريات السيطرة على المرافق الاقتصادية والميادين التجارية والحياة الاجتماعية فى الدولة، كما بدلوا أسماءهم بأسماء إسلامية من أجل التضليل ، كذلك فقد دعموا أنفسهم اقتصاديا من خلال التجارة الخارجية والاستثمارات وامتلاك قوة التأثير على وسائل الإعلام, وتقربوا للسلطة وتقلدوا مناصب مهمة فى الدولة العثمانية، فكانوا حاذقين مدركين كيفية تزاوج رأس المال بالسلطة الحاكمة، وتسييس الدين، وتديين السياسة, يلعبون على تلك الأوتار وفق مصالحهم داخل السياقات الاجتماعية والحضارية والتاريخية للمجتمعات, كما كانوا يمارسون الشعائر والعبادات الاسلامية فى العلن كالصلاة والحج والصوم والزكاة بعد إعلانهم دخول الإسلام ظاهرا, فى حين يقيمون الصلوات والطقوس والعادات اليهودية فى بيوتهم ومعابدهم سرا.
ونظرا لعقيدة الشبتائية فى التصوف اليهودى والتى تعرف باسم القباله التى اعتنقها هؤلاء وامتدادًا لأساليبهم فى الخداع فقد قاموا بالتسلل إلى الطرق الصوفية الإسلامية الأكثر تساهلا فى قواعدها الدينية والأكثر تقربا للسلطة مثل البكتاشية والخلوتية والملامتية وغيرها، فكان من بين هؤلاء الشبتائيين من يعيش فى زوايا وتكايا المتصوفة المسلمين.
وعلى الرغم من تشتتهم فى مشارق الأرض ومغاربها وعدم الاعتراف بهم من قبل حاخامات اليهود بسبب عقيدتهم التحررية وتجرؤهم على العبث بنصوص التوراة إلا أنه قلما نجد يهوديا فى الشرق لا يعرف أحوال أخيه اليهودى فى الغرب.
اتخذ هذان النموذجان المارانوس والدونمة أدق وسائل التخفى والمداراة داخل المجتمعات تجمعهما -على الرغم من بعد المسافات بينهما- تلك البراجماتية النفعية وهى السمة الأولى لليهود فى العالم، كما تجمعهما النزعة الاقتصادية فى التعاطى مع المجتمعات ، وكذلك النفوذ السياسى المتنامى تحقيقا لأهدافهم وأغراضهم فى السيطرة والنفوذ.
ولما كانت النفعية هى المحرك الأساس لهاتين الطائفتين نجد أن المارانوس قد خانوا وتآمروا ضد بنى جلدتهم من اليهود تحقيقا لمصالح فردية.
أما الدونمة فقد قادتهم النفعية إلى العمل على تخريب الدولة العثمانية بالمؤامرات والمكائد ودعوة الأقليات للتمرد والقضاء على الدولة. ومع ادعائهم الإسلام فقد توحدوا الماسونية العالمية بهدف دعم الكيان الصهيونى ، كما كان لهؤلاء الدونمة الشبتائية تأثير كبير داخل المجتمع التركى بتشجيع سفور المرأة المسلمة ودعوتها لتقليد الغرب والبعد عن كل المبادئ والقيم الإسلامية ، وأيضا التشجيع على تتريك وعلمنة الدولة فكان من هؤلاء المنتسبين للدونمة شخصيات حاكمة فى تركيا مثل اسماعيل جم وزير خارجية تركيا الأسبق وتانسو تشيلر رئيسة وزراء تركيا السابقة وغيرهما كثيرون من شخصيات كبرى فى الحكومة التركية ورجالات الدولة من إعلاميين كبار ووزراء مالية وغيرهم ، وهو ما يؤكد مدى تغلغل ونفوذ الشبتائيين فى تركيا.
والجدير بالذكر أن أتاتورك نفسه كان مقربا للشبتائيين، فقد تربى وتعلم فى مدارسهم وآمن بفكرهم وعقيدتهم وأهدافهم.
وحتى يومنا هذا لا يزال الكثيرون من الأفراد الذين تعود أصولهم إلى طائفتى المارانوس والدونمة الشبتائيين يعيشون خفية بين شعوب الأرض، ويتغلغلون داخلها بالخديعة والرياء وكأنهم لا يشكلون خطرا بينهم، وذلك من أجل التمكين للصهيونية، والنيل من المقدسات المسيحية والإسلامية، وتشييد دولة إسرائيل الكبرى وتحقيق المجد للشعب اليهودى فى مشارق الأرض ومغاربها.
الدكتورة هدى درويش، أستاذ الأديان المقارنة، جامعة الزقازيق