تمثل القنوات الدبلوماسية جزءً هامًا فى علاقات الدول بعضها البعض، ويتعاظم دور الدبلوماسيين فى حالة توتر العلاقات بين بلدين، بحيث يمثل التواصل المباشر بين هؤلاء الرجال الذين يحتكمون للغة السياسة والعقل والهدوء أقصر الطرق وأكثرها ضمانًا لتجنب ويلات الحرب، ولكن مع غياب هذه القناة الهامة للتواصل كما هو الحال فى وضع العلاقات الأمريكية الإيرانية المتوترة، يكون الحل الأمثل هو اللجوء لقنوات وساطة خارجية لتقريب وجهات النظر بين الدولتين المتنازعتين.
الصراع الأمريكى الإيرانى القائم حاليًا فى منطقة الشرق الأوسط، يعد خير دليل على افتقاد قنوات التواصل الدبلوماسية المباشرة بين بلدين، فمنذ وصول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلى الحكم، لم يلتق ولو لمرة واحدة نظيره الإيرانى حسن روحانى، كما لم تحدث أى اتصالات مباشرة بين وزير خارجيته مايك بومبيو ونظيره الإيرانى محمد جواد ظريف، وبدلًا من عقد اللقاءات والاتصالات لبحث الخلافات بين البلدين، لجأ كلا الطرفين إلى التراشق والاشتباك وتبادل الإهانات عبر موقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، ووسائل الإعلام المختلفة، ومن هنا أصبح موقع "تويتر" منتدى مشتركًا للمسئولين الأمريكيين والإيرانيين لتبادل الانتقادات اللاذعة.
لذا يرى مسئولون أمريكيون حاليون وسابقون ودبلوماسيون أجانب ومشرعون أمريكيون وخبراء فى السياسة الخارجية، أن الضغائن المعلنة بين وزيرى خارجية البلدين تسلط الضوء على القلق المتزايد من عدم وجود قناة للتفاوض المباشر، ومن أن يؤدى ذلك إلى مواجهة عسكرية عند أى سوء تفاهم أو حادث عارض خلال الأزمة القائمة بالفعل، فيما يطالب مشرعون ودبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون، بضرورة إجراء حوار مباشر بين واشنطن وطهران، كى لا يتضخم أى حادث عارض ويصبح أزمة، وذلك حسب تقرير لـ"رويترز".
رئيس الوزراء اليابانى يبدأ وساطة بين إيران والولايات المتحدة
وفى ظل غياب المحادثات المباشرة بين واشنطن وطهران، لجأ مسئولو الدولتين إلى البلدان الصديقة لتمثل قنوات وساطة بينهما للتواصل من أجل حل الأزمة وتجنب اشتعال فتيل الحرب، وانضم مؤخرًا لقائمة الدول الوسيطة بين البلدين المتنازعين، اليابان، التى زارها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى الفترة من 25 إلى 29 مايو الجارى، وسبقه وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، حيث اتجه الطرفان إلى طوكيو لتكون وسيطًا جديدًا بعد فشل قنوات التواصل السابقة المتمثلة فى جهود كل من سلطنة عمان، وسويسرا، والعراق، وجميعها مساعى لم تحقق النتائج المرجوة منها.
وترجمت زيارات قادة واشنطن وطهران، إلى طوكيو لمحاولة حل الأزمة بين البلدين، سريعًا، حيث أفادت تقارير إخبارية، الأحد، بأن رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى، سيبدأ وساطة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية اللتين تصاعد التوتر بينهما خلال الأسابيع الأخيرة، وسط خشية من تطور ذلك لمواجهة عسكرية.
وذكرت صحيفة "ذا جابان تايمز" اليابانية - على موقعها الإلكترونى - أن رئيس الوزراء اليابانى من المتوقع أن يلتقى مرشد الثورة الإيرانية على خامنئى خلال زيارته هذا الشهر لإيران، فى أول لقاء بين الاثنين، وفقًا لمصادر حكومية لم تكشف الصحيفة عن هويتها.
وتهدف الزيارة إلى تشجيع إجراء حوار مع الولايات المتحدة لتخفيف حدة التوتر، حيث يخطط "آبى" للسفر إلى إيران خلال الفترة من يومى 12 إلى 14 يونيو الجارى، وتعد هذه الزيارة الأولى من نوعها لرئيس وزراء يابانى منذ توليه المنصب عام 1978، حيث من المقرر أن يلتقى شينزو آبى، الرئيس الإيرانى حسن روحانى، يوم 12 يونيو، وخامنئى يوم 13 يونيو.
ووضع "آبى" نفسه كوسيط بين الولايات المتحدة وإيران وسط تصاعد التوترات بين البلدين، وهو الموقف الذى أيده الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وبالنظر إلى حالة تصاعد التوترات، فإن عقد اجتماع مع كل من روحانى وخامنئى يعتبر أمرًا ضروريًا.
رئيس لجنة الأمن القومى فى البرلمان الإيرانى: الأجواء الحالية غير مهيأة للمفاوضات
وفى المقابل، قال رئيس لجنة الأمن القومى فى البرلمان الإيرانى حشمت الله فلاحت بيشة، إن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران لا تقبل الوساطة والأجواء الحالية غير مهيأة للمفاوضات.
وأضاف بيشة - فى تصريح نقلته قناة (روسيا اليوم) الإخبارية، الأحد - أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وإدارته يسعون إلى إذلال الشعب الإيرانى وهذا أمر مرفوض، موضحًا أن ترامب غاضب من إيران لأنها لم تستسلم، بل تلاءمت مع الظروف الاقتصادية فى الداخل عبر مضاعفة الصادرات غير النفطية وتعزيز الإنتاج الوطنى.
وقال "إن رئيس الوزراء العراقى عادل عبدالمهدى، أبلغ وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، أن الإيرانيين مستعدون للمواجهة العسكرية، وأن الولايات المتحدة لن تخرج منتصرة من أى حرب مع إيران، لذا لا تدفعوا الأوضاع نحو الحرب"، معتبرًا أن "التوتر بين طهران وواشنطن سيشمل المنطقة كلها، ولهذا تسعى العديد من الدول للوساطة، للحفاظ على نفسها من أى توتر".
ترامب يحاول التواصل مع قادة إيران عبر "رقم هاتف" مرره لسويسرا
وتجدر الإشارة هنا إلى الجهود والوساطات التى سبقت التدخل اليابانى لردأ الصدع بين أمريكا وإيران، فقبل الوساطة اليابانية، كشفت شبكة "CNN"، مطلع شهر مايو الماضى، أن واشنطن مررت رقم هاتف إلى سويسرا لتسليمه إلى إيران، كى يتصل قادة إيران بالرئيس دونالد ترامب، ردًا على الدعوة التى وجهها الأخير فى مؤتمر صحفى - آنذاك - للقيادة الإيرانية.
ونقلت الشبكة الإخبارية الأمريكية عن مصدر دبلوماسى "مطلع على هذه الخطوة"، تأكيده، أنه بعد أن ناشد ترامب علنًا الإيرانيين الاتصال به وسط توترات متصاعدة مع طهران، اتصل البيت الأبيض بالسويسريين، لتمرير رقم هاتف يمكن للإيرانيين الاتصال من خلاله بالرئيس الأمريكى، وأضاف المصدر، خلال تلك المحاولات لفتح باب اتصال مباشر، أن السويسريين على الأرجح لن يسلموا الرقم ما لم يطلب الإيرانيون ذلك بأنفسهم، وهو ما حدث بالفعل حيث فشلت تلك المحاولة.
وزير الخارجية الأمريكى يزور سويسرا لبحث الوساطة مع إيران
ورغم فشل الوساطة السويسرية، إلا أن الجانب الأمريكى لم ييأس، حيث بدأ وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو زيارة رسمية إلى سويسرا، الأحد، يعقد خلالها مباحثات رسمية مع نظيره السويسرى اجانزيو كاسياس، حسب ما أعلنت وزارة الخارجية السويسرية، الثلاثاء الماضى.
وبحث الوزيرين الدور الذى يمكن أن تقوم به سويسرا فى العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، خاصة وأن سويسرا تتولى منذ سنوات طويلة رعاية مصالح البلدين كل لدى الآخر، جراء عدم وجود علاقات دبلوماسية بين واشنطن وطهران.
ومن جهته، قال وزير الخارجية الأمريكى، إن واشنطن مستعدة للحوار مع إيران من دون شروط مسبقة، وأنه يمكن البدء فى حوار مع إيران عندما تتصرف كدولة طبيعية، مضيفًا "مشكلات الشعب الإيرانى هى نتاج 40 سنة من الحكم الحالى وليست بسبب العقوبات، وسنواصل ضغوطنا لتقويم السياسة الإيرانية"
الخارجية العمانية: نسعى لتهدئة التوتر بين أمريكا وإيران
وإلى جانب الدور السويسرى، تقوم سلطنة عمان، أيضًا، بدور هام فى إطار محاولات تقريب وجهات النظر وتهدئة الأمور بين واشنطن وطهران، وفى نهاية الشهر الماضى، أكدت وزارة الخارجية العمانية، أن سلطنة عمان تسعى مع أطراف أخرى لتهدئة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وجاء ذلك فى تغريدة للوزارة على "تويتر"، نقلًا عن يوسف بن علوى بن عبد الله وزير الشؤون الخارجية.
وشملت الوساطة العمانية، زيارة من قبل وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوى بن عبد الله، إلى طهران، الشهر الماضى، ويأتى الاعتماد على عمان فى هذا الملف الكبير، انطلاقًا من الدور الهام الذى لعبته السلطنة فى وقت سابق للوساطة بين الولايات المتحدة وإيران اللتين انقطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما فى عام 1980، خاصة وأن سلطنة عمان هى إحدى دول الخليج العربية التى تحافظ على علاقات جيدة مع كلا البلدين.
العراق: تصريحات ترامب بعدم رغبته فى محاربة إيران خطوة فى الاتجاه الصحيح
كذلك مثل العراق أحد قنوات الاتصال بين الإدارتين الأمريكية والإيرانية، ففى بدايات الأزمة الحالية، وجهت واشنطن جانبًا من رسائلها التحذيرية إلى طهران عن طريق العراق، خاصة عقب صدور تقارير للمخابرات الأمريكية تشير إلى استعدادات لهجوم محتمل من ميليشيات تدعمها إيران على القوات الأمريكية فى العراق.
ومع صدور تصريحات تؤكد التهدئة، رحب وزير الخارجية العراقى محمد على الحكيم، الأسبوع الماضى، بالتصريحات الأمريكية التى أكد خلالها الرئيس دونالد ترامب، أن الولايات المتحدة لا تريد حربا مع إيران.
وقال الوزير العراقى – فى بيان آنذاك – إن "موقف العراق واضح، وصريح من الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الايرانية، وهو التهدئة، ومنع نشوب حرب فى منطقتنا".
واشنطن تتخوف من الاعتماد على روسيا لحل أزمتها مع إيران
وفى تقرير جديد لـ"رويترز"، أوضحت وكالة الأنباء العالمية، أنه فى العام الحالى، أشار الجنرال المتقاعد جوزيف فوتيل - الذى كان يشرف على القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط حتى مارس - إلى أن الجيش الأمريكى قد يكون قادرًا على نقل رسالة إلى القوات الإيرانية بشكل غير مباشر عبر خط ساخن قائم مع روسيا يهدف إلى تجنب الحوادث العرضية فى سوريا، وقال فوتيل "يمكن للإيرانيين التحدث مع الروس، لدينا قناة تواصل جيدة قائمة مع الروس".
وأشار التقرير، إلى أنه رغم وجود قناة اتصال أمريكية مع الروس، ولكن فكرة الاعتماد على الحكومة الروسية فى إخراج الولايات المتحدة من أزمة مع إيران فكرة لا تبعث على الاطمئنان لدى كثير من المسئولين الحاليين والسابقين فى الولايات المتحدة.