"حين يدّعى كاتب أن التاريخ حقيقى، علينا أن نشك فى أنه يخدعنا، ليس هناك تاريخ حقيقي، هناك تاريخ عليه أن يصير كذلك".. استطاع الكاتب اليوغسلافى دانيلو كيش (1935- 1989) أن يصبح من أشهر الكتاب بعدما لفت إليه الانتباه بقوة بعدما أصدر روايته "الحديقة والرماد" عام 1965، ثم أصدر لاحقاً رواية "المرملة" عام 1972 ومجموعته القصصية "ضريح لبوريس دافيدوفيتش" فى عام 1976.
وقد كتب عنه إسكندر حبش فى مجلة "نزوى" يقول:
حين غيّب الموت عام 1989، الكاتب اليوغوسلافى دانيلو كيش (مواليد عام 1935)، قال الجميع إن رحيل صاحب «حديقة، رماد» و"موسوعة الموتى"، هو رحيل قبل أوانه، إذ لم يشهد انهيار الأنظمة الشيوعية الذى طالما تمناه، كذلك لم يشهد الحرب الأهلية والتفتيت اللذين أصابا «قبائل يوغوسلافيا» (كانا أمرا حتميا بالنسبة إليه وتحدث عنهما مطولا فى كتاباته). إذ لم يتوقف، على مرّ كتبه، على أن ينقل إلينا تجربته فى الحياة والأدب.
كل أدب دانيلو كيش كان تنويعا (بمعنى ما) على هذه الفكرة التى أنجبت قبائل متناحرة، قبائل سياسية واثنية وحتى مذهبية، تماما كما فى كتاب «الأسود الميكانيكية ومسرحيات أخرى»، والذى يضم مجموعة مسرحياته التى كتبها فى حياته،مسرحيات مركزة، ذات كثافة فى الكلام، حتى لتبدو كأنها روايات قصيرة حوارية. كتبت بين عامى 1968 و1980، وارتكزت أيضا فى خلفيتها، على التاريخ السياسى لأوروبا الوسطى.
وترجم له محمد الأرناؤوط عددا من نصائحه نشرها فى "الحياة" يقول فيها:
دانيلو كيش: نصائح الى الكاتب الشاب
"لا تكتب للنخبة لأنه لا وجود لنخبة، فالنخبة هى أنت، لا تفكر فى الموت ولا تنسى انك ستموت فى يوم ما، لا تؤمن بخلود الكاتب فهذه من فبركة الأساتذة، لا تصبح جدياً الى حد تراجيدى لأن هذا يدعو الى السخرية، لا تصبح كوميدياً لأن الارستقراطيين تعودوا على التسلية، لا تؤمن بأن الكتّاب هم "ضمير الانسانية" إذ يكفى ما رأيت بينهم، لا تتركهم يقنعونك بأنك لا شيء، إذ انك اقتنعت حتى الآن بأن الارستقراطيين يحسبون حساباً للكتاب، لا تنس أن للبطولة ثمناً مرتفعاً، لا تكتب شيئاً عن الاحتفالات والمناسبات، لا تمدح أحداً لأنك ستندم فى المستقبل، لا تكتب شيئاً فى مدح عظماء لأنك ستندم فى المستقبل، إذا لم تستطع قول الحقيقة فاصمت، احترس من انصاف الحقائق، إذا وُجد احتفال عام فإن هذا لا يبرر أن تشارك فيه، لا تجعل نفسك فى خدمة الأمراء والارستقراطيين، لا تطلب أن يخدمك الأمراء والارستقراطيون، لا تتركهم يقنعونك بأننا متساوون فى الحقوق ولذلك يجب ألا تناقش قضية الذوق، لا تتناقش مع الجهلاء فى القضايا التى يسمعونها منك للمرة الأولى، لا تؤمن بـ"الفكر العلمي"، لا تعتمد على الأشياء العامة والاستشهادات الأيديولوجية، لا تبحث عن ظروف مخففة لك، لا تتركهم يقنعونك أن كامى وسارتر كانا على حق فى السجال الذى دار بينهما، لا تؤمن بالكتابة الاوتوماتيكية وبـ"الغموض الواعي" إذ ان هدفك هو الوضوح، لا تقبل المدارس الأدبية التى تفرض عليك، حين يُثار موضوع "الأدب الملتزم" اصمت كالسمك: اترك هذا الأمر للأساتذة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة