"أكذب حتى يصدقك الناس" هى الجملة الأشهر فى تاريخ الإعلام المضلل، لصاحبها جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازية، التى لم تمض أيام على احتفال القادة الغربيين بهزيمتها فى معركة "نورماندى" التاريخية ليتم القضاء على جيش هتلر وتحرير أوروبا. رحلت النازية وبقيت مثلها يقتضى بها الكثيرون ممن يبثون سمومهم ويسعون لتضليل الشعوب وتقليبها ضد قادتها.
وتتجسد مقولة جوبلز فى توليفة مضللة من بعض الصحف الأمريكية وعناصر جماعة الإخوان "الإرهابية"، فالأولى لا تتورع فى فتح صفحاتها وإفساح مساحات بارزة لنشر أكاذيب أعضاء تلك الجماعة التى طردها الشعب المصرى من الحكم فى 30 يونيو 2013، بعد عام كارثى من الجرائم والعنف التى أرتكبتها ميليشياتها.
أكاذيب الوزير الهارب
فلم يكن ذلك المقال الذى سمحت مجلة فورين بولسى، الأمريكية، بنشره على صفحتها لوزير إخوانى هارب من العدالة الأول من نوعه. فطالما فتحت المجلة صفحاتها لأصحاب أجندات مناهضة للاستقرار ليس فقط فى مصر ولكن فى المنطقة الأكبر. كما أن يحيى حامد، الذى كان يتولى وزارة الاستثمار فى عهد المخلوع مرسى ذهب لمهاجمة الإصلاحات الاقتصادية فى ومحاولة بث أرقام وعبارات مضللة لإثارة القلق فى قلوب المصريين، بينما تناسى أن النظام الإرهابى الذي ينتمى له بث الرعب والفوضى فى البلاد خلال اشهر قليلة من الحكم.
تحدث حامد عن تقليص الدعم وتناسى عام قضاه الشعب فى الظلام مع الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائى فى عهد نظام الإخوان، وليس أدل على فشل ذلك النظام من التصريح، المثير للغضب والسخرية، عندما نصح العائلات المصرية بارتداء الملابس القطنية والبقاء فى غرفة واحدة لتقليل استهلاك الكهرباء، دون أن يكون لديه برنامج أو خطة للخروج بالبلاد من أزمتها الاقتصادية. فكان هدفهم الوحيد والأوحد هو القبض على رقبة الشعب والتنكيل به.
الهجوم على كل ما هو ضد الإخوان
بالعودة إلى "فورين بوليسى"، وفى حين يجادل البعض أنها سمحت للوزير الهارب بالكتابة ضمن قسم "Argument"، بإعتباره أنه قسما متاح للآراء المختلفة ولا يعبر عن وجهة نظر المجلة، فإن هذا لا ينفى مسئوليتها، إذ أنه فى النهاية هناك سياسة تحريرية وضوابط تحكم عملية نشر مقالات الرأى. كما أن هذه ليست المرة الأولى التى تفتح فيها المجلة صفحاتها لبث أكاذيب تتعلق بالدول العربية، دون غيرها من الآراء.
ففى مايو المايو، نشرت تقرير طويل تهاجم فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بسبب موقفه من دعم الجيش الوطنى الليبى بزعامة المشير خليفة حفتر حيث أجرى اتصال هاتفى بحفتر بحث جهود مكافحة الإرهاب فى الوقت الذى تواجه فيه ليبيا جماعات إرهابية خطيرة تدعمها جماعة الإخوان المسلمين داخليا ونظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وقطر خارجيا. وشنت المجلة هجومها ضاريا على القيادة العسكرية فى ليبيا، فى الوقت الذى تجاهلت فيه إعلان مسلحين تحالفين مع الحكومة الليبية، تلقيهم عربات مدرعة و"أسلحة نوعية" على الرغم من الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة على بيع الأسلحة لليبيا.
وبحسب وكالة الأسوشيتدبرس فإن الصور المنشورة للأسلحة على صفحة الفيس بوك الخاصة بالحكومة فى طرابلس، تظهر أكثر من عشر عربات مدرعة وصلت إلى الميناء، دون أن تفصح عمن أمدهم بالأسلحة. وقال مؤيدو مختلف الميليشيات المتحالفة مع الحكومة إن المركبات، والتى تشبه العربات المدرعة التركية Kirpi، تم الحصول عليها من تركيا.
المجلة هنا هاجمت المشير حفتر وعملية طرابلس التى تهدف لتخليص المدينة من الجماعات الإرهابية، بل ذهبت حتى للهجوم على الرئيس الأمريكى نفسه بسبب دعمه للحرب على الإرهاب الذى مزق البلد الشمال الأفريقى الذى يمثل بوابة عبور لأوروبا عبر البحر المتوسط.
مثال آخر على نوعية الآراء التى تختار "فورين بوليسى" نشرها، ذلك المقال "الساذج" الذى نشرته فى 29 مارس الماضى، لشخصين من أصل عربى، اتهموا فيه الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية والإمارات، جنبا إلى جنب مع الصحف العربية بالإسلاموفوبيا، ذلك فقط لأنه القادة العرب يحذرون من عناصر الجماعات الإرهابية التى تتخذ من دول الغرب ملاذا لها.
وذهب كتاب المقال وأحدهما معروف التوجهات، إلى اتهام وزير خارجية الإمارات، الشيخ عبدالله بن زايد، بكراهية الإسلام بسبب تحذيره من الإسلاميين وما ينشروه من خطاب متطرف فى الغرب وتقديم نسختهم على أساس ان هذا الإسلام الصحيح. كما انتقلوا للدفاع عن قطر فى السياق نفسه فى أزمتها مع جيرانها التى نشبت فى يونيو 2017 محاولين تكذيب ما يتعلق بالخلاف الخاص بدعم الدوحة للجماعات المتطرفة فى المنطقة.
مؤسسات دولية ترد
وبالعودة إلى مقال الوزير الهارب من جريمة الإعتداء على طفل وتعذيبه، فهناك عشرات التقارير الاقتصادية الدولية التى تثبت زيف إدعاءاته. ففضلا عن شهادات العديد من المؤسسات المالية العالمية تشير إلى قوة الإصلاح الاقتصادى، حيث تم رفع التصنيف الائتمانى من قبل فيتش إلى B+ مع نظرة إيجابية للاستثمار فى مصر، ومؤشر موديز رفع التصنيف الائتمانى من B2 إلى B3 مما كان دافع قوى للعديد من المؤسسات العالمية إلى ضخ مزيد من الاستثمارات فى مصر، فى 9 أبريل الماضى، نشرت مجلة مجلة جلوبال فاينانس تقرير يتوقع أن تحقق مصر الأداء الأفضل اقتصاديًا فى الشرق الأوسط هذا العام والعام المقبل، مع تقديرات بزيادة نمو الناتج المحلى الإجمالى السنوى ليقترب من 6%.
وأوضحت أن مزيج من "الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية" وتطوير قطاعات النفط والغاز فضلا عن تعافى قطاع السياحة، جميعهم غذوا النمو السريع فى مصر و استقرار الاقتصاد الكلى. ولفتت إلى قيام البنك المركزى المصرى مؤخراً بتخفيف السياسة النقدية، والتى من شأنها أن تساعد فى الحفاظ على قوة الاقتصاد.
وقال جيسون توفى، كبير الاقتصاديين فى الأسواق الناشئة لدى مجموعة كابيتال إيكونوميكس، إن الميزانية الأولية تحقق فائض لأول مرة منذ ما يقرب من عقدين. مضيفًا أنه فى ظل وجود ضغوط أقل على البنوك المحلية لشراء الديون الحكومية، فستكون قادرة على إعادة توجيه قروضها إلى الشركات الخاصة والصغيرة. وهذا من شأنه أن يساعد فى تعزيز معدل الاستثمار فى مصر ودعم مكاسب الإنتاجية بشكل أسرع.
وفى نوفمبر الماضى، اصدر معهد التمويل الدولى تقريرا عن الاقتصاد المصرى، أشاد فيه بخطوة خفض دعم الوقود بإعتبارها ساعدت على تخصيص بعض التمويل للمساعدات الاجتماعية التى تستهدف الفقراء. لافتًا إلى أن تحسين القدرة التنافسية، عزز صادرات السلع، كما أن أنتعاش السياحة وفرض القيود على الوارادات أدى إلى تقليص عجز الميزانية فى 2018، ونتيجة لذلك أستمرت الاحتياطات الأجنبية للدولة فى الزيادة لتبلغ 42.5 مليار دولار بما يكفى أكثر من ستة أشهر من واردات السلع والخدمات، وليس كما زعم الوزير الإخوانى بأن الاحتياطى يعتمد فقط على ما تم إقتراضه.
كما أنه من الأمور الجديرة بالذكر أن سعر صرف الجنيه المصرى فى مقابل الدولار يظل مستقرا منذ منتصف عام 2017. وأشاد التقرير بالتقدم الذى تم إحرازه على صعيد الإصلاحات الهيكلية خلال العامين الماضيين، مؤكد أن هناك الكثير مما يدعو للتفاؤل حيال الاقتصاد المصرى.