فى الوقت الذى ضيقت فيه الولايات المتحدة، منذ بداية عهد الرئيس دونالد ترامب، على حلفائها، آثرت طريقًا آخر فى التعامل مع الخصوم، حيث تأرجح النهج الأمريكى بين الشدة أحيانًا واللين فى أحيان أخرى، وهو ما بدا واضحًا فى التعامل مع كل من روسيا والصين، حيث بدأ الرئيس ترامب حقبته بتصريحات تصالحية مع خصوم بلاده التاريخيين وهو الأمر الذى أثار المعارضة الديمقراطية فى الولايات المتحدة، وساعدهم إلى حد كبير فى الترويج لفكرة الدور الروسى المشبوه فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وهو الأمر الذى وصل إلى حد الاتهام بالخيانة.
واستمرت إشادات البيت الأبيض بروسيا والصين بعد تنصيب ترامب، حتى بدأت الخلافات حول العديد من القضايا الدولية، وعلى رأسها الموقف من إيران، حيث أعربت الدولتان عن رفضهما الكامل للانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى الإيرانى، ما سبق ذلك من الهجوم الذى شنته الولايات المتحدة، وحليفاها البريطانى والفرنسى على سوريا فى مارس 2018، حيث سبق هذا الهجوم تهديدا صريحا من قبل ترامب للقوات الروسية فى سوريا، بالإضافة إلى انسحاب ترامب من معاهدة القوى النووية القصيرة والمتوسطة المدى، والتى وقعتها الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتى فى أواخر الثمانينات من القرن الماضى.
إلا أن الخلافات بين واشنطن من جانب، وموسكو وبكين من جانب آخر، لم تمنعهم من التنسيق فى العديد من القضايا الأخرى، وعلى رأسها الوضع فى سوريا، والذى باتت روسيا هى القوى الدولية المهيمنة عليه، أو المسألة الكورية الشمالية، والتى تحظى فيها الصين باليد العليا.
وهنا يمكننا القول إن هناك العديد من العوامل المشتركة التى دفعت إدارة ترامب إلى اتخاذ منحى معتدل تجاه خصومه فى العديد من الفترات، منها على سبيل المثال نجاحه فى التوصل إلى هدنة تجارية مع الصين فى ديسمبر الماضى، للوصول خلالها إلى حل للقضايا الخلافية بين البلدين فيما يتعلق بالتجارة.
إلا أن الخلاف بدأ يشتعل مجددا فى المعركة الأخيرة بين واشنطن وبكين بسبب وضع شركة هواوى الصينية على القائمة السوداء الأمريكية، ومنعها من شراء المكونات والتكنولوجيا من منتجين أمريكيين.
وعلى جانب آخر، حرص الرئيس ترامب كذلك على عقد قمة تاريخية مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين فى هلسنكى فى يوليو 2018، فى الوقت الذى شهدت فيه العلاقات بين البلدين خلافات كبيرة، وهو الأمر الذى أثار انتقادات كبيرة فى الداخل الأمريكى، خاصة مع تصريحات ترامب، والتى ألقى فيها باللوم على واشنطن ومؤسساتها فى التوتر فى العلاقات مع موسكو، معتبرا أن هناك ضرورة ملحة للتواصل بين البلدين.
ولكن تبقى النقاط الخلافية العالقة بمثابة القنبلة الموقوته التى يمكنها الانفجار فى أى لحظة، وبالتالى إشعال فتيل حرب عالمية يمكنها أن تأكل الأخضر واليابس، فى ظل الإصرار الأمريكى على تحقيق مطالب بعينها، يمكن من خلالها الاحتفاظ بقمة النظام الدولى.
ولكن ما هى هذه المطالب؟؟
لعل أهم المطالبات الأمريكية من الصين هو تحقيق قدر من التوازن التجارى، فى المرحلة المقبلة، فى ظل اختلال التوازن التجارى، والذى حققت خلاله الصين تقدما اقتصاديا غير مسبوق، وضعها على قائمة القوى الاقتصادية العظمى فى العالم، وهو ما يحقق لها ميزة مهمة فى المستقبل للسيطرة على القرار السياسى العالمى.
كما تسعى واشنطن كذلك إلى تحقيق هيمنتها النووية، عبر استبدال معاهدة القوى النووية القصيرة والمتوسطة المدى، بمعاهدة جديدة، يراها أفضل بكثير، على حد تعبيره، حيث يسعى الرئيس الأمريكى إلى توسيع نطاق المعاهدة لتشمل دولا أخرى، وعلى رأسها الصين، والتى تمتلك إمكانات نووية كبيرة.
الفرصة تبدو سانحة أمام الرئيس الأمريكى للتفاوض مع خصومه حول المطالب الجديدة، والتى أعلنت موسكو استعدادها لقبولها فى تصريحات عدة سابقة، خاصة بعد انتهاء التحقيقات حول قضية التدخل الروسى فى الانتخابات الأخيرة، فى ظل تكهنات كبيرة حول قمة ثلاثية محتملة بين الرئيس ترامب ونظيريه الصينى والروسى على هامش قمة مجموعة العشرين، والمقرر انطلاقها فى مدينة أوساكا اليابانية فى شهر يونيو المقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة