فى قاعة ملحقة بأحد كنائس مصر الجديدة، وقف ثلاثة من الشباب الأرثوذكس يحاضرون فى قضية علاقة الكنيسة بالإلحاد وسط حضور كثيف من الشباب الراغب فى التعرف على العلوم اللاهوتية بعيدًا عن الخطاب الذى تقدمه الكنيسة المعاصرة ورجال الدين الأكليروس.
الشباب الثلاثة يعملون فى وظائف متنوعة ما بين الطب والمحاسبة والتجارة، أسسوا مبادرة بعنوان "اليثيا" أى الحقيقة باللغة اليونانية تقدم العلم الدينى بشكل مبسط وتفتح الباب للنقاش والحوار مقابل أجر رمزى يكفى لسداد أجرة قاعة الكنيسة المستضيفة بينما على باب القاعة معرض صغير للكتب اللاهوتية بعضها من كتابات متى المسكين وأخرى من إصدارات مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية المحسوبة على التيار الآبائي المستنير فى الكنيسة.
جورج نسيم سامي أحد القائمين على المبادرة يعمل طبيبًا باستراليا وقد قدم محاضرة بعنوان الكنيسة والإلحاد استعرض ما اسماه موقف الفكر الغربي من الدي ، والذى ترسخ منذ العصور الوسطى وحتى اليوم، فهو فكر يجعل من الحقيقة موضوع فليس هناك حقيقة مطلقة ومن ثم يحاول الغرب مناقشة الحقيقة بشكل موضوعي ويؤثر على الإنسان في علاقته بالله لأنه يمنعه من التأمل الذهني.
واعتبر جورج إن الفكر الغربى يرى أن الإنسان سيد الحقيقة لأنه يخضعها للفكر والمنطق مما وضع حاجز بين الله والإنسان مضيفًا: الله غير المحدود حاولوا إخضاعه للفكر والمنطق فوضعوا سورا كحاجز بين الله والإنسان.
وانتقد جورج ما وصفه بالنفعية فى الفكر الديني الغربى فالإنسان وفقا لهذا الفكر يحاول أن يخضع االله للعالم المادي ويستفيد من ذلك بشكل نفعى.
بعدها انتقل جورج لمفهوم الاستشهاد فى الكنيسة كمفهوم سامي يجعل المسيحي شريك فى رسالة الله وهو ما انتقده أحد الحاضرين الذى اعتبر هذا الخطاب يكرس لكراهية الحياة ومحبة الموت رغم أن الحياة هى فرصة أيضًا لعبادة الله.
ورغم أن مبادرة إليسيا ترى أن الخطاب السائد كنسيًا يشوبه العوار، إلا أن القائمين عليها لا يقدمون خطابًا مغايرًا للسائد ولكنه يتقاطع معه فى مناطق كثيرة، مارك فيلبس أحد مؤسسى المبادرة التى انطلقت عام 2016 أن الغرض منها ليس الخروج على تعاليم الكنيسة بل هى جسد من جسد الكنيسة وتعبر عن تيارها الآبائي الذى غابت تعاليمه طوال أربعين سنة سادت فيها أفكار عن المعجزات والخرافات لم تكن جزءًا من الفكر القبطي فيما قبل.
فيلبس قال إن الفكرة الأساسية وراء تلك المبادرة هي توفير مصادر مفتوحة للتعليم الأرثوذكسي وخلق حالة من الحراك اللاهوتي مضيفًا: نحن شباب مسيحي يبحث عن وجوده وإيمانه ودرست فى المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ونتمنى أن تكثر تلك المبادرات لتصنع حركة ذات جدوى فى ماء الكنيسة الراكد.
وأشار فيلبس إلى أن الكنيسة تعيش جدل لاهوتى منذ عصر متى المسكين مرورًا بما جرى للعالم الدكتور جورج حبيب بباوى صاحب موقع قبتولوجي الذى فتح أذهاننا على الكثير من مصادر العلوم الكنسية مؤكدًا أن بباوى حوكم كنسيًا بشكل غيابى ولم يستمع أحد لأفكاره ومصادر معلوماته.
بينما قال روبير إيليا زميله فى المبادرة إن هناك نمطا من اللاهوت القبطى غير متطور وينتمى للعصور الوسطى ويتسق بمفاهيمه وألفاظه مع حقبة انتهت ينسى أصحابه الإنسان ويرفضون الحياة ويصدرون الكراهية مضيًفا: هدفنا استعادة المدرسة الآبائية الأصلية فمبادرتنا قائمة لأن نمط التعليم الكنسي الحالى غير قادر على إجابة أسئلة الإنسان بشكل عام حول وجوده ومصيره فينتشر الإلحاد والتدين السطحي مؤكدًا أن اللاهوت القبطي قادر على إخراج نسخة تجيب عن أسئلة الإنسان
وعن انتشار كتب المعجزات والخرافات، فسر روبير قائلًا: لأنه نمط عاجز عن تقديم إجابات حقيقية عن أسئلة العقل فيعمل على تغييبه ويدعي أنصاره امتلاك الحقيقة بينما تعاليمهم منفصلة عن تعاليم آباء الكنيسة ونحن نحاول أن نستعيد التعليم الآبائي ولكن بشكل معاصر
أما جورج فقال أن هناك حالة من الجوع المعرفى لدى الشباب تدفعهم للبحث المستمر حول مصادر أخرى تجيبهم عن أسئلتهم فنحن لا نعيد إنتاج الإيمان لأنه موجود بالفعل.
بينما رفض الثلاثة اقتراح المجمع المقدس بكتابة دستور لإيمان الكنيسة القبطية أو كاتشيزم لأنه وفقا لتعبيرهم سيقضى على حالة الحوار القائمة حول القضايا اللاهوتية رغم إنها تحتاج سنوات فالدستور الكنسى سوف يحتكم للنص وليس الخبرة الكنسية وهو اعتراف ضمني أن الخبرة لا تكفى بينما عاشت الكنيسة إيمانها طوال ألفي عام بتلك الخبرة الإيمانية التي سلمت الإيمان من جيل لجيل وحافظت على الطقس القبطي والليتوروجيا.
وعن القضايا التي تحاوروا حولها قال روبير: فى الكنيسة مثلا هناك أدلة أساسية على رسامة المرأة شماسة وعلى جواز تناولها أثناء الحيض وهى قضايا مفتوحة للحوار وستنتهي فى حالة وجود دستور مكتوب لإيمان الكنيسة القبطية.