التاريخ النضالى الجزائرى ملىء بالحكايات والقصص الوطنية الشجاعة، والتضحيات الكبيرة التى قام بها أبناء محاربى الصحراء، من أجل استقلال الجزائر، وجلاء العدو المستعمر الفرنسى، ولعل النضال النسوى الجزائرى ملىء بالعناصر اللاتى دافعن عن بلادهن بكل بسالة، ومن أشهرهن المناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد.
لكن هناك أيضا بطلة أخرى ربما لم تأخذ حقها من الشهرة، رغم كل ما قدمته من أجل حرية الجزائر فى القرن التاسع عشر، وهى المناضلة لالة فاطمة نسومر، وتمر اليوم ذكرى نهاية الحملة الفرنسية المسماة "حملة جرجرة" على منطقة القبائل بالجزائر بإخماد الثورة هناك وأسر حاملة لواء الجهاد لالة فاطمة نسومر، وذلك فى 11 يوليو 1857.
اسمها الحقيقى هو (فاطمة سيد أحمد)، و"لالة" هى لفظة توقير أمازيغية تعنى "السيدة"، ولدت فى وِرجة قرب عين الحمام سنة 1830 وتوفيت فى بنى سليمان فى سبتمبر 1863) من أبرز وجوه المقاومة الشعبية الجزائرية فى بدايات الغزو الفرنسى للجزائر.
فاطمة نسومر شبت منذ نعومة أظافرها على مقت الاستعمار ومقاومتها له رغم تصوفها وتفرغها للعبادة والتبحر فى علوم الدين التنجيم، إلا أن هذا لم يمنعها من تتبع أخبار ما يحدث فى بلاد القبائل من مقاومة زحف الغزاة الفرنسيين والمعارك التى وقعت بالمنطقة لا سيما معركة تادمايت التى قادها المجاهد الجزائرى الحاج عمر بن زعموم ضد قوات الجيش الفرنسى بقيادة الجنرال بيجو سنة 1844، كما أنها لم تكن غافلة على تمركز الغزاة الفرنسيين فى تيزى وزو بين 1845-1846، و فى دلس 1847 تم محاولة الجنرال روندون من دخول الأربعاء ناث إيراثن عام 1850 التى هزم فيها هزيمة منكرة.
عندما شن الجيش الفرنسى حملة على المنطقة أظهرت شجاعة كبيرة، حيث أنقذت بوبغلة المتواجد فى قرية سومر بعد المواجهة الأولى التى وقعت له فى قرية "تزروتس" بين قوات الجنرال "ميسيات " و الأهالى ، إلا أن هؤلاء تراجعوا بعد مقاومة عنيفة ، نتيجة عدم تكافؤ القوى من حيث العدة والعدد، وبرهنت على أن قيادة المقاومة الجزائرية لم يختص بها الرجال فقط بل شاركت فيها النساء بما أوتين من قوة و عند وفاة الشريف بوبغلة لم تتوقف بل واصلت المقاومة و خاضت عدة معارك ضد القوات الفرنسية.
وقد التقى المجاهدين بالجيش الفرنسى بتاريخ 11 يوليو 1857 لكن رغم المقاومة الشديدة التى أبداها الثوار، إلا أن الكفة رجحت لصالح الفرنسيين نتيجة عدم تكافؤ القوى، انتهت المعركة بمقتل 44 جنديا فرنسيا من بينهم ضابطان و 327 جريحا منهم 22 برتبة ضابط وبعد مفاوضات توقف القتال بأربعة إلا أن الماريشال راندون أمر بإلقاء القبض على الوفد الجزائرى بمجرد خروجه من المعسكر، ولم يكتف بذلك بل أرسل النقيب فوشو لالقاء القبض لالة فاطمة انسومر فأسرها هى وعدد من النسوة.
وتفيد المصادر أن الجيش الفرنسى أثر هذه المعركة صادر العديد من الممتلكات، ونهب حلى النساء و50 بندقية و أكثر من 150 مجلدا من الكتب العلمية و الدينية، وقد أبعدت لالة فاطمة إلى زاوية بنى سليمان قرب تابلاط تحت مراقبة الباشآغا الطاهر بن محى الدين، و بقيت هناك ست سنوات إلى أن وافتها المنية فى سبتمبر عام 1863 عن عمر يناهز 33 سنة.
أطلق عليها المؤرخ الفرنسى لوى ماسينيون لقب "جان دارك جرجرة" تشبيها لها بالبطلة القومية الفرنسية "جان دارك"، غير أنها كانت ترفض ذلك اللقب مفضلة لقب "خولة جرجرة" نسبة إلى "خولة بنت الأزور" المجاهدة المسلمة التى كانت تتنكر فى زى فارس وتحارب إلى جانب الصحابى الجليل خالد بن الوليد، تقديرا لدور فاطمة نسومر التاريخى أطلق اسمها على جمعيات نسوية، كما ألفت حولها أعمال أدبية وفنية، وأطلقت الجزائر مؤخرا اسم "فاطمة نسومر" على إحدى بواخرها العملاقة المُعدة فى اليابان لنقل الغاز تخليدا لذكراها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة