شارك الموسيقار مدحت عاصم العمال الذين كانوا يعملون فى حفر قبر لأسمهان التى توفيت غرقا يوم 14 يوليو 1944.. «راجع ذات يوم 14 يوليو 2019»، ووفقا للدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «الغناء المصرى–أصوات وقضايا»: «كان مدحت عاصم يستحث العمال بالعمل معهم طوال الليل لحفر قبر لأسمهان فى قطعة أرض بمدافن الإمام الشافعى ابتاعها شقيقها فريد فور الحادث، وفى الحادية عشرة من صباح السبت 15 يوليو مثل هذا اليوم 1944، توقف المرور تماما بوسط القاهرة، عندما تحرك موكب جنازة أسمهان فى شارع فؤاد الأول «26 يوليو حاليا» متوجها إلى مسجد أبى العلا للصلاة عليها، غص موكب الجنازة الشعبية بآلاف المشيعين يتقدمهم شقيقها فريد والموسيقار محمد عبدالوهاب وجمع من الموسيقيين لم يتخلف عنه إلا من كان خارج البلاد.. كان الحزن على أسمهان ومازال كبيرا.. إذ ليس فى كل يوم ترحل عنا أميرة كهذه».
كان الحزن فى القاهرة، وبين عائلتها فى «الجبل» بمحافظة السويداء السورية.. يتذكر أخوها غير الشقيق «منير» للباحثة «شريفة زهور» فى كتابها «أسمهان - المرأة، الحرب، الغناء» ترجمة: عارف حديفة: «كنا نقطع الكعكة فى عيد ميلاد كاميليا «ابنة أسمهان من زوجها وطليقها حسن الأطرش ابن عمها» فى 14 تموز «يوليو1944»، كان حسن موجودا، وفؤاد شقيقها والأسرة، وصل أحد أقاربنا، وسرعان ما سألنا: لماذا تحتفلون، أما سمعتم خبر وفاة أسمهان فى الراديو، ولكننا لم نُشعل الراديو، ومضى حسن إلى غرفته، وأخذ يبكى، لقد بكى بالفعل، وذهب إلى مصر، وذهبت أنا أيضا لحضور الجنازة، كان هناك من المشيعين ربما بلغ عددهم ثلاثمائة أوربعمائة».
تعاملت أسمهان مع أجهزة المخابرات البريطانية والفرنسية والألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث كانت سوريا ولبنان تحت سيطرة قوات حكومة فيشى الفرنسية الموالية للألمان، وكانت خطة بريطانيا هى دخول سوريا ولبنان وطرد القوات الموالية للألمان، واستخدمتها المخابرات البريطانية فى هذا، وهو ما جعل عمها يقول للباحثة «شريفة زهور»: «كان هناك ثلاثة أسرار وراء موتها، ففى غمرة الصراع بين القوى الكبرى «أثناء الحرب العالمية الثانية»، اعتبرتها كل واحدة من هذه القوى عدوة لها، وكان لهم مصلحة فى القضاء عليها، والعائلة كانت غاضبة أيضا، كنا نعيش فى مرحلة محافظة، ومسلسل الأحداث مع زوجها أحمد سالم لم يكن مقبولا بالجملة».. يضيف: «لم تكن مجرد امرأة درزية، بل امرأة لها خصوصيتها، نحن لم نعتبرها مجرد بطلة فيلمين «انتصار الشباب» و«غرام وانتقام»، بل أميرة.. أميرة حقا، ولابد أيضا أن يحسب حساب أعدائها من الأسرة المالكة المصرية».. كانت الملكة نازلى أم الملك فاروق تناصبها العداء لشكها فى وجود علاقة بينها وبين أحمد حسنين باشا الذى أحبته نازلى وتزوجت منه.
يذكر «سعيد أبوالعينين» فى كتابه «أسمهان، لعبة الحب والمخابرات»، أن الباحث البريطانى «نيكولاس فات» فى دراسته عن «أسمهان والمخابرات البريطانية»، التى استقى فيها الكثير من المعلومات من مصادر المخابرات البريطانية والضباط البريطانيين الذين عرفوا أسمهان.. ذكر أن الحادث كان مدبرا وأنه كان نتيجة طبيعية فى آخر جولات اللعب مع الكبار، وينقل «فات» عن أحد كبار ضباط المخابرات البريطانية قوله فى وصف أسمهان بعد تلك السنين الطويلة: «أجمل النساء اللاتى رأيتهن فى حياتى.. وأن عينيها كانتا خضراوين كلون البحر الذى يتعين عليك عبوره قبل أن تصل إلى الفردوس».
يؤكد «أبوالعينين» أن أغرب شائعة قيلت فى هذا الموضوع، أن أم كلثوم تقف وراء موت أسمهان خشية على مكانتها، وينقل عن الفريق عزيز المصرى تأكيده أن المخابرات البريطانية هى التى وقفت وراء هذه الشائعة.. يذكر «المصرى» فى كتاب «أبوالثائرين عزيز المصرى» لمحمد عبدالحميد: «كان من المؤكد أن أسمهان على علاقة بالمخابرات الألمانية، وفى نفس الوقت تلعب دورا معينا مع المخابرات الإنجليزية، ومن المعروف أنها كانت ترتاد دائما فندق الكونتنتال وشبرد، وتقضى الكثير من وقتها وسط القيادات الإنجليزية تشرب الويسكى، وكانت صديقتها أمينة البارودى على نفس الوتيرة». يضيف: «أحب أن أقرر حقيقة أن حادث مصرع أسمهان وسقوط السيارة التى كانت تركبها وهى ذاهبة إلى رأس البر، هذا الحادث أطلق حوله العديد من الشائعات كان أكثرها سريانا بين الشعب المصرى أن سيدة الغناء العربى أم كلثوم وراء الحادث، لأن أم كلثوم أرادت أن تقضى عليها خوفا من قوة صوتها وقلقها على مستقبلها، الذى كان يهدده وجود أسمهان على ساحة الغناء فى مصر».
يضيف «المصرى»: «الحقيقة أن أم كلثوم بعيدة تماما عن هذا الادعاء، وهذه الشائعة أطلقها الإنجليز، أطلقتها المخابرات الإنجليزية.. وأقول أيضا إن المخابرات الإنجليزية كانت وراء مصرع أسمهان.. اكتشف الإنجليز دورها المزدوج، فهى على علاقة بالمخابرات الألمانية، وفى نفس الوقت تلعب دورها المزدوج مع المخابرات الإنجليزية.. ولما رأت أن ترك أسمهان أمر بالغ الخطورة عليهم، كان القرار بالقضاء عليها، وتم تدبير حادث مصرعها ثم أطلقوا الشائعة بأن أم كلثوم وراء مصرعها وعملوا على ترويجها وانتشارها».