قرابة 5 أشهر انقضت منذ وقوع الحادث الأليم الذى أودى بحياة 31 مواطنا وتسبب فى إصابة 17 آخرين، ورغم أن محطة مصر عادت إلى طبيعتها، وانتظمت حركة القطارات، وسافر آلاف المواطنين وعادوا، فما زالت وقائع وتفاصيل الحادث الأليم تتكشف من واقع التحقيقات والأوراق الرسمية.
طوال تلك الفترة لم تتوقف التحقيقات، منذ وقوع الحادث صباح 27 فبراير الماضى، حتى ظهر المتهمون داخل قفص الاتهام خلال أولى جلسات محاكمتهم فى محكمة جنايات القاهرة المنعقدة فى التجمع الخامس، على خلفية الإهمال والإخلال الجسيم بمهام وظائفهم، ومخالفة دليل أعمال المناورة، ولائحة سلامة التشغيل الصادرة عن جهات عملهم، وتزوير التوقيع فى دفتر حضور وانصراف عمال وملاحظى المناورة، ورغم كل التفاصيل والملابسات والمعلومات لم يعلم أحد ما دار خلف الأبواب المغلقة، لكن تنفرد «اليوم السابع» بنشر تفاصيل التحقيقات فى حلقات مسلسلة من واقع المستندات.
وفى الحلقة الرابعة نكشف تفاصيل تحقيقات النيابة العامة مع المتهم يحيى سعد، المسؤول عن دفاتر الحضور والانصراف الذى كشف جانبا مهما من كواليس ومقدمات الحادث الأليم، أبرزها توقيع الموظفين بدلا من بعضهم.
واعترف المتهم، بحسب أوراق القضية التى حصلنا على نسخة منها، باتصاله بالمتهم مصطفى عبد الحميد محمد بعد وقوع الحادث، قائلا: «اتصلت بيه وقُلت له ييجى بسرعة، لأنه المسؤول عن الدورية واسمه موجود فى الحضور، بس ما كانش موجود فعليا، وجه على الساعة 11 ونص ظهرا، لكن اللى مضى له فى الدفتر عاطف زميله، وإحنا فى العادة بنعمل كده ونمضى لبعض علشان ننجز الوقت وضغط الشغل، فبنخلّى العاملين يروحوا الورش على طول وأى حد يمضى بدالهم، والرؤساء عارفين الكلام ده».
وأوضح المتهم أنه المسؤول المباشر عن دفاتر الحضور والانصراف، مستطردا: «بسمح للناس تمضى لبعضها فعلا، بس لازم أتأكد إنهم موجودين، وأنا عارف إنى غلطت لمّا سمحت للمتهم عاطف بالتوقيع بدل المتهم مصطفى عبد الحميد، لأنى ما شفتوش وقتها، وده غلط منى وأنا بعترف».
وأكد الشهود خلال التحقيقات، أن سبب نشوب الحريق يعود إلى تناثر وقود السولار من خزان الجرار نتيجة التصادم، مع اختلاط أبخرة الوقود بالهواء الجوى مكونة مادة خطيرة وقابلة للاشتعال، بينما ذكرت النيابة العامة فى أمر الإحالة إلى محكمة الجنايات أنه ثبت فى تقارير الطب الشرعى لضحايا الحادث، أن وفاتهم نتيجة الإصابة بحروق نارية حيوية حديثة، أحدثت صدمة عصبية أدت للوفاة، كما ثبت فى بعض تقارير المعمل الطبى إيجابية العثور على آثار لوقود الجرار فى العينات المرسلة للفحص من ملابس بعض المتوفين، كما ثبت بتقارير المصابين أن الإصابة عبارة عن حروق وكدمات، وثبت فى تقرير المعمل الكيماوى إيجابية العينة المأخوذة من المتهم محمود حمدى للمواد المخدرة من الحشيش والأستروكس.
وأثبت تقرير مصلحة الطب الشرعى وقسم أبحاث التزييف والتزوير، أن المتهم أيمن الشحات الكاتب للتوقيع المقروء أيمن العدس، فى الصفحة 144 من دفتر توزيع السائقين ومساعديهم على القاطرات، ضمن خانة توقيع السائق فى القاطرة 2305، والمتهم عاطف يوسف وقّع فى صفحتى دفترى حضور وانصراف العمال وملاحظى المناورة يوم الحادث باسم المتهم مصطفى عبد الحميد، كما ثبت من خطابى شركتى الاتصالات أن النطاق الجغرافى للهاتف الخاص بالمتهم مصطفى عبد الحميد كان فى منطقة شبرا الخيمة فى العاشرة صباحا، والمتهم أيمن أحمد فى منزله بشبرا حتى 1:10 ظهرا، كما ثبت بتقرير الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية أن ذراع التشغيل للجرار كانت على السرعة الثامنة، التى تعادل 120 كيلو مترا فى الساعة، وهى السرعة القصوى للجرار.
وذكر تقرير لجنة تابعة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أن من أسباب وقوع الحادث عدم وجود تنسيق بين ناظر وملاحظ الحوش وعمال المناورة، مع عدم اتباع مراقب برج إشارات الشمال للتعليمات، بإبقاء إبرة السقوط فى وضع السقوط، وعدم تفعيل وسائل الأمان فى جرارات المناورة، مثل النظام الخاص بتشغيل فرامل الجرار آليًّا وفق الإشارات الكهربية، وآلية تأمين الجرار حال الإغماء أو وفاة السائق، المعروفة بـ«رجل الميت»، كما ثبت من دفتر العَمرة أن المتهم علاء فتحى لم يُدوّن أية ملاحظات بشأن حالة الجرار.
وأقر المتهم محمود فتحى، 45 سنة، بأنه لم يضع إبرة السقوط على وضع السقوط فور مرور الجرار باتجاه منطقة الورش، بالمخالفة للقانون، واعترف المتهم مسعد رشاد، 50 سنة، عامل مناورة، بأنه كان موجودا فى مؤخرة الجرار الآخر 2305 وقت وقوع الحادث، فى غياب مساعده، وأقر محمود حمدى، 45 سنة، بأنه أخطأ التصرف بشأن تحاشر الجرارين، وأنه اعتاد تعاطى الحشيش والأستروكس، واعترف المتهم أيمن الشحات، 43 سنة، سائق الجرار 2305، بأنه قاد دون مساعد، ولم يتبع تعليمات تواجد عامل المناورة فى مقدمة الجرار، بأن وقع بالدفتر المثبت لحضور السائقين ومساعديهم بدلا عنهم، مع علمه بتغيبهم، واعترف المتهم السيد أبو الفتوح، 50 سنة، ناظر حوش منطقة أبو غاطس، بأنه لم يوجه عاملى المناورة للجلوس فى الأماكن الصحيحة فى مقدمة الجرار، وسمح بانطلاق الجرارين المحشورين دون مساعدين، واعترف المتهم محمد عبد العزيز، 59 سنة، مدير تشغيل القطارات، بأنه لم يُعيّن مساعدا لجرار الحادث، وأقر المتهم مهدى محمد مهدى، 55 سنة، ملاحظ تشغيل، أنه و3 آخرون حرّكوا القطارات بسائقين دون وجود مساعدين، وأن جهاز «رجل الميت» لم يكن مُفعّلاً، وأقر باقى المتهمين الآخرين بارتكاب جناية التزوير.
وأسندت النيابة العامة للمتهمين، أنهم يوم 27 فبراير الماضى، عبثوا بالمعدات والأجهزة الخاصة بالقطارات وتسيير حركتها على الخطوط، وعطلّوا إحدى وسائل الأمان «جهاز رجل الميت» فى الجرار 2302، وزوروا فى محررات رسمية عبارة عن دفاتر الحضور والانصراف، وقالت إن الإهمال ومخالفة القانون كان السبب وراء الحادث، ومقتل وإصابة 48 شخصا فى اصطدام جرار قطار بأحد أرصفة محطة مصر.