"وديعًا كالحمام ولا يخطئ بالكلام، المجد للأنبا بيشوى، الجهاد فى الصلاة منك تعلمناه، المجد للأنبا بيشوى"، وقفت عائلة مسيحية أمام مقصورة جسد الأنبا بيشوى بديره بوادى النطرون تردد مدائح القديس وهى تلمس جسده وتقبله وتكتب الأم بيديها طلبات للقديس ليشفع لها عند الله.
واستقبلت أديرة وادى النطرون الأثرية، آلاف الزوار فى رحلات خرجت من الكنائس المختلفة للمحافظات قاصدة برية شيهيت أو منطقة الأديرة بوادى النطرون، وفقًا لما يؤكده مينا صبرى أحد الخدام الذين توافدوا على الدير قادمًا من الإسكندرية، قائلا: طوال اليوم واليومين الماضيين قصدت الرحلات أديرة وادي النطرون حيث تحل ذكرى نياحة (وفاة) الأنبا بيشوى، وقد حضرنا صلاة القداس أمس مع الانبا صرابامون رئيس الدير والآباء الرهبان بكنيسة الأنبا بيشوي الأثرية.
الرحلات قصدت أيضًا دير السريان الذى عاش فيه
القديس الأنبا بيشوى، وهو أول من سكن منطقة وادى النطرون، يتحدث القس تيمون السرياني، وهو يمشى صوب مغارة أبو الرهبان فى تلك المنطقة، وأمام تجويف فى الجبل، ينطلق منه ضوء أصفر ينعكس على لوحة كتب عليها «مغارة الأنبا بيشوى»، يتوقف الراهب ويؤكد أن الأنبا بيشوى ينتمى للجيل الثالث فى الرهبنة المسيحية، نحنى رؤوسنا وندخل إلى المغارة، التى تنقسم إلى جزءين، الأول كان القديس يستقبل فيه ضيوفه من الرهبان، والثانى قلايته التى ينفرد فيها بالله يصلى له ويناجيه، وفى تلك المغارة الصغيرة المحفورة ككهف فى الجبل، وضع مئات الزوار أمانيهم على ورق وكأنها رسائل سرية سيتسلمها القديس ويرد بالاستجابة، وأكد القس تيمون، أن ما يقرب من خمسة آلاف راهب تتلمذوا على يد الأنبا بيشوى الذى عاش ما يقرب من مائة عام فى تلك المغارة.
نخرج من المغارة، فيأخذنا القس تيمون، إلى المائدة الأثرية التى تعود للقرن الرابع، وهى نفس المائدة التى تتكرر فى كافة أديرة وادى النطرون، ولكن دير السريان وضع ماكيتات لرهبان من ورق، فوق المصطبة الأثرية، يوضح الراهب تيمون، أن الرهبان كانوا ينفردون بأنفسهم طوال الأسبوع ويجتمعون عليها يومى السبت والأحد لتناول الطعام معًا وقراءة الإنجيل وشىء من كتاب بستان الرهبان، وعلى المائدة أوانٍ معدنية يعلوها تراب الصحراء الأصفر، وحولها الزوار يخرجون ويدخلون يتأملون ما فعله آباء الكنيسة فى الصحارى.
ونتجه إلى دير الأنبا بيشوى القريب، وهو الدير الذى يوجد به المقر البابوى، حيث يقيم به البابا تواضروس ثلاثة أيام أسبوعيًا، له بوابة منفصلة عن الدير المهيب، أما الدير الأثرى القديم، فيمكنك أن تدخله عبر بوابته الصغيرة، وتبدأ جولتك بين كنائسه الأثرية، التى تشبه معالمها إلى حد كبير كنائس دير براموس، فالدير يشترك مع جاره فى وجود الحصن الأثرى والمائدة والفرن، كذلك الأسوار الشاسعة وقد تعرض الدير لخمس هجمات بربرية لم تبقِه على حالته الأولى، وفقا لما يقوله القمص صرابامون الأنبا بيشوى الراهب بالدير.
الدير الكبير، يشتهر فى العصر الحديث بكونه بيت الباباوات، فالدير يضم مزارًا للبابا شنودة مدفون فيه، حوله الرهبان إلى متحف مقتنيات لآخر باباوات العصر الحديث، فى مزار البابا تتدلى ملابسه الرهبانية السوداء، من سقف متحف صغير يضم مقتنياته، ولا يخلو من طلبات كتبها له الأحبة رغبة فى نيل شفاعته وبركته، وفى الخلفية صوت البابا يعظ فى محبيه، حيث يذيع الدير تسجيلات صوتية لأشهر عظاته التى ملأ بها الدنيا فكسب قلوب المسلمين والأقباط، وفى الواجهة وضعت كتبه وأعماله القيمة. تغادر المزار، فترى كنيسة الأنبا بيشوى الأثرية التى اعتادت الغزوات، سواء غزوات الطبيعة أو الغزاة البشر فهى أكبر كنائس وادى النطرون على الإطلاق، وسبق وتضررت من غزو البربر لها فى القرن الخامس الميلادى، وأعيد بناؤها مرة أخرى بعد أن غزاها النمل الأبيض وتسبب فى إتلاف أجزاء كبيرة منها، وذلك فى عصر البابا بينيامين. فى صحن الدير، تشاهد سوره الأثرى الذى يعود للقرن الرابع الميلادى، وعلى يسارك ترى سيارة قديمة وضعت فى قفص حديدى فتعرف أنها سيارة البابا شنودة يحتفظ بها الدير للتاريخ.
وأكد مايكل رمسيس أحد الشباب المتوافدين على أديرة وادى النطرون، أن الأجازة الصيفية فرصة مناسبة لقضاء خلوة روحانية فى الأديرة للصلاة والتأمل مع الآباء الرهبان ويعرف عن بيت الخلوة بدير براموس بوادى النطرون استقباله للشباب لقضاء تلك الأوقات التعبدية المتميزة