كان الحضور رؤساء وملوك 24 دولة أفريقية يحضرون مؤتمر القمة الأفريقية فى قاعة الاجتماعات الكبرى بالجامعة العربية بالقاهرة الذى بدأت فعالياته يوم 17 إلى 21 يوليو 1964، كان المؤتمر هو الأول بعد الإعلان عن تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية فى القمة الأفريقية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا - يوم 25 مايو 1963، وحضرها الرئيس جمال عبدالناصر.
يؤكد محمد فائق فى كتابه «عبدالناصر والثورة الأفريقية»، أن هذا الاجتماع كان تأكيدا لدور مصر الفعال والمؤثر فى العمل من أجل تحقيق الوحدة الأفريقية، كان فائق، مديرا للشؤون الأفريقية فى رئاسة الجمهورية، ومهندس علاقات حركات التحرر الأفريقية مع مصر.. يوضح فى مذكراته: انتخب عبدالناصر رئيسا للمنظمة فى دورتها تلك، وإذا كانت المنظمة قد ولدت فى أديس أبابا، فإنه قد تم بناء كيانها فى اجتماع القاهرة حيث اتفق على تشكيل لجانها المختلفة.
يؤكد محمود رياض فى الجزء الثالث من مذكراته «أمريكا والعرب»، أن تنمية العلاقات والروابط بين الدول الأفريقية ومصر لم تكن بالعمل الهين، كان رياض، وزيرا لخارجية مصر من 1964 إلى 1972 ثم أمينا عاما لجامعة الدول العربية من 1972 إلى 1979، ومن خلال ذلك يشهد: لم تكن هناك أى علاقات أوروابط بين مصر والشعوب الأفريقية قبل الثورة 23 يوليو 1952 بسبب الطوق الحديدى الذى فرضه الاستعمار حول أفريقيا، إلا أن جمال عبدالناصر بنظرته الشمولية لسياسة مصر، كان يرى حماية لأمنها وأمن الدول العربية ضرورة التركيز على الروابط العربية والأفريقية والإسلامية، ولم يكن هناك أى تنافس بين هذه الاتجاهات الثلاثة، بل كانت تتلاقى، ففى أفريقيا يوجد تسعة أعضاء فى جامعة الدول العربية، كما أن الإسلام هو أوسع الأديان انتشارا فى أفريقيا، ولهذا بذلت السياسة المصرية جهدا كبيرا لمقاومة النشاط الإسرائيلى فى القارة، وكسب الشعوب الأفريقية إلى جانب العرب.
يضيف رياض: لم تتبوأ مصر مكانتها فى أفريقيا إلا بعد أن لمست الشعوب الأفريقية دور مصر فى تأييدها، ولم يتوقف دور مصر عند مساندة حركات التحرر، بل كانت تقدم أقصى ما يمكن من دعم للدول الأفريقية بعد حصولها على استقلالها، وكان الدعم يتمثل فى المساعدات الاقتصادية، وإيفاد الخبراء، ورجال الدين والمدرسين لمعاونة هذه الدول على الصمود أمام الضغوط الخارجية، وكان هؤلاء المبعوثون خير سفراء لمصر، وكم كان قدر سعادتى عندما أسمع أثناء تجوالى فى الدول الأفريقية الثناء على دور خبراء مصر لما يقدمونه من خدمات لشعوب هذه الدول.
بدأ المؤتمر بكلمة افتتاحية من عبدالناصر بوصفه رئيسا لمنظمة الوحدة الإفريقية فى دورتها من يوليو 1964 إلى أكتوبر 1965، وحسب جريدة الأهرام يوم 18 يوليو، مثل هذا اليوم 1964: أوضح عبدالناصر فىÊخطابه بالجلسة الافتتاحية، أن الاستقلال لم يكن إلا بداية للتحدى الحقيقى لمطالب الحرية والحياة، وأن شعوبنا لا تقنع بالاستقلال علمًا ونشيدًا وصونًا فى الأمم المتحدة وحسب، ولكنها تريد إلى جانب ذلك أن يكون الاستقلال مضمونًا اجتماعيًا يصون كرامة البشر كما يصون الاستقلال كرامة أرضهم، وعن إسرائيل واحتلالها لفلسطين قال: نحن فى صدام عنيف مع المصالح الاستعمارية التى تحكمت فى منطقتنا طويلًا، ونحن نضم هذه القضية فى إطار الحركة العامة للثورة الوطنية العالمية ضد الاستعمار فى العالم كله، فهى قضية مصير وأن جزءًا من الوطن العربى اقتطع منه لتقوم عليه بالعدوان قاعدة للاستعمار فى إسرائيل.
يكشف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل وقائع المؤتمر فى كتابه «سنوات الغليان»، يتحدث عما دار فى جلساته وكواليسه حول قضايا ومناقشات يرى أنها كانت تعبيرا متجددا عن أحزان أفريقيا، يؤكد: كانت القاهرة تريد أن تجعل من القمة الأفريقية مؤتمرا ناجحا، ولكن الجلسة الأولى كانت تعبيرا متجددا عن أحزان أفريقيا: الشكوى من الاحتكارات المسيطرة مثل احتكار «اوبنهايمر» الذى أثاره الرئيس الغانى، نكروما، وشرح فى أثناء كلامه عنه، كيف أن أوبنهايمر، ابتلع 104 شركات تحتكر الآن فيما بينها 80 فى المائة من الماس فى العالم.
بلغ الحديث عن سياسة التمييز العنصرى التى كرسها الاستعمار فى أفريقيا ذروته الدرامية، ووفقا لهيكل: أثارها بانفعال الرئيس موديبوكيتا، رئيس مالى، وزاد انفعاله وصوته يجلجل فى قاعة المؤتمر: ألا تعرفون أيها السادة أن العنصرية هى الابنة الشرعية للعبودية؟ ثم انفجر يتحدث عن تجارة العبيد، ولحقه نكروما الذى قال: إن بريطانيا كانت تاجر العبيد الأكبر فى التاريخ، وأنه وجد وثائق فى «أكرا» من عهد الاحتلال تثبت له أن عدد العبيد الذين أسرهم البريطانيون وشحنوهم إلى مستعمراتهم، أو تاجروا فيهم حيث شاؤوا يصل إلى مابين 20 إلى 50 مليون من البشر، تواصلت أعمال المؤتمر، وتواصل التعبير عن «أحزان أفريقيا»، ممأ أقلق عبدالناصر، فكيف تعامل معها؟.