فى ظهر الخامس من يونيو الماضى.. لم يدر بخلد الوفد السياحى الصينى الماثل أمام ضريح الإمبراطورة تين هاو، والتى تمثل في المعتقدات الصينية آلهة البحار، بولاية سان فرانسيسكو، حيث يوجد أقدم وأكبر حي صيني يقع في قارة أمريكا الشمالية، أنها ربما تكون الزيارة الأخيرة لهذا المكان فى ظل الحرب الدائرة بين واشنطن وبكين.
فالخلافات الإقتصادية بين العملاقين لم تقف عند حدود الاقتصاد والأرقام وتلاسن المسئولين، بل امتدت ألهبة النار إلى مناح أخرى بدأت دفع ضريبة الأزمات المتتالية، منها السياحة التى تحولت إلى أداة قوية فى يد الصين لتصفية الحسابات مع الإدارة الأمريكية، وهى طريقة ليست بالجديدة، فكم من حروب سياسية فى السنوات الأخيرة شهدتها منطقة الشرق الأوسط كانت فيها السياحة أداة لضرب الاقتصاد.
تحذيرات صينية للسائحين بعدم السفر لأمريكا
وسارعت وزارة الثقافة والسياحة الصينية لإصدار تحذيرها فى بداية يونيو لأول مرة من سفر السياح الصينيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وطالبتهم بتقييم مخاطر السفر بشكل كامل، مشيرة إلى حوادث إطلاق النار والسرقة التي تحدث هناك بشكل متكرر.
وحثت الوزارة السياح الصينيين على معرفة معلومات عن وضع الأمن العام والقوانين والتعليمات الخاصة بالمقاصد السياحية لزيادة الوعي بالسلامة، وتوخي الحذر حفاظًا على سلامتهم، وسيظل التحذير من السفر ساريًا حتى 31 ديسمبر 2019.
السياحة رافد ها
م بالنسبة للاقتصاد الأمريكى وفقا لمنظمة السياحة العالمية
وبالأرقام فإن منظمة السياحة العالمية أعلنت فى 2018 أن صناعة السياحة هي ثالث أكبر صناعة في العالم بعد البترول والصناعات الكيميائية، وأحد أكبر القطاعات الاقتصادية في العالم الذي يخلق فرص عمل ويحفز الصادرات ويولد الرخاء.
وبالأرقام أيضا ظلت الولايات المتحدة الأمريكية والصين أكبر اقتصادات للسفر والسياحة العام الماضى، حيث شكلت مجتمعة حوالي 35,2% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للسفر والسياحة على مستوى العالم، وخلال 2018 كانت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأولى عالميا فى الاستحواز على الجانب الأكبر من الإيرادات السياحية بإجمالى 214,5 مليار دولار أمريكي.
كل تلك الحسابات كانت فى عقول المسئولين الصينين عندما أصدروا القرار، فهم يعلمون جيدا أن ضرب السياحة الصينية لأمريكا ستكون موجعة للاقتصاد، حتى أن وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" أكدت أن ملايين الصينيين يزورون أمريكا سنويًّا، ويضخون ما يقرب من 19 مليار دولار، الأمر الذى تم تصنيفه بحرب سياحية بين البلدين.
واشنطن تخسر 2.9 مليون سائح صينى فى 2018
وبعد شهر من القرار يشهد قطاع السياحة الأمريكية خسائر كبيرة، فالسياحة الصينية هى خامس أكبر مجموعة زوار أجانب لأمريكا، فى حين يتوقع المراقبون المزيد حتى نهاية العام الجارى.
وكانت 2018 بداية الخسائر السياحية للاقتصاد الأمريكى، حيث فقدت واشنطن 2.9 مليون سائح صيني، وذلك نتيجة تحذير فى يوليو من العام نفسه من السفارة الصينية في واشنطن للسياح الصينيين من تعرضهم لبعض الامور مثل حوادث إطلاق النار والسرقات والمداهمات ومصادرات عملاء الجمارك وعمليات النصب والكوارث الطبيعية.
حرب السياحة أثبتت خطورتها فى الآونة الأخير، وأن تأثيراتها على الاقتصاد قد تكون عنيفة وسريعة، وتخشاها الاقتصاديات العملاقة والمتوسطة والنامية، واستخدمتها الصين فى مرات سابقة وحققت مبتغاها.
الحي الصيني فى سان فرانسيسكو
الصين استخدمت نفس السلاح ضد كوريا الجنوبية
ففى العام 2017 عندما وافقت كوريا الجنوبية على استضافة نظام دفاع صاروخي، ضد رغبة الصين التى رأت أن الرادار القوي الخاص بهذا النظام سوف يستغل في التجسس على الجيش الصيني، واتخذت بكين قرار مماثل أصاب رابع أكبر اقتصاديات آسيا بتأثر كبير، جراء التراجع السريع لأعداد الزائرين الصينيين الذين يشكلون نحو نصف السائحين الأجانب بالنسبة لكوريا الجنوبية.
واليوم اتخذت الصين نفس السلاح لمواجهة واشنطن فى حربها التجارية والاقتصادية معها، خاصة بعد قرار الإدارة الأمريكية فى مايو الماضى بإدراج عملاق التكنولوجيا الصينى هواوي على القائمة السوداء للاستثمار عالميا، مما دفع شركات أمريكية وأوروبية لمقاطعة الشركة تماما، وعلى رأسها الشركة المالكة لجوجل العالمية المطورة لنظام تشغيل الهواتف الذكية آندرويد، والتى أعلنت عن وقف جميع التحديثات على هواتف هواوي يوم 9 أغسطس المقبل.
وما يؤكد أهمية سلاح السياحة الذى شهرته الصين فى وجه أمريكا، هو بداية حرب شرسة من الأطراف الأخرى على استقطاب السياحة الصينية التى ستفقدها واشنطن، حيث سارعت إيران بالإعلان عن إلغائها التأشيرة للسياح الصينيين، فى خطة لجذب 2 مليون سائح صينى خلال العام الجارى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة