الأيام تمر من حياتنا، والكل ملهى فى أمور تدور كلها فى فلك المصلحة الشخصية التى تنصب فى كيفية الكسب المادى، فصار المال هدفاً للكافة، وكأننا خُلقنا من أجل كسب هذا المال، فتناثرت أشلاء مبادئ كثيرة كانت فى حياتنا تحت أقدام الذين يلهثون وراء هذا المال، فصارت المبادئ والأُصول هشيماً تذروه الرياح.
وبالطبع أضحت النفوس مُشبعة بداء الطمع، وأصبحت القناعة كلمة محذوفة من قاموس حياتنا، ومن بعدها كلمة الرضا التى لم نعُد نسمعها حتى فى أصعب المواقف، فصار الجميع غير راض عن حاله، والكل يسُب العيشة واللى عايشنها، الكل يبحث عن الكسب السريع أياً كان مصدره، شرعياً كان أم غير شرعى، بالسرقة، بالنصب والاحتيال، بالاتجار بالدين، بالاتجار بالمبادئ والقيم والأخلاقيات، بالبلطجة، وغيرها الكثير.
والمثير للدهشة فى كل تلك الأمور بل ومن الأسباب الرئيسية لهذه الحالة المرضية المُتفشية الآن هو غياب القدوة، فصار الكل ينظر للآخرين الذين يُمارسون تلك الأفعال المُخزية على أنهم هم المثل الأعلى، فهذا اللص الذى سرق رغم سلطانه يمثل أمام المحكمة، ولكن الأدلة الورقية لم تكن كافية، فيُقضى ببراءته، فيقول من يتّبعه كمثل أعلى ها هو ذا، سرق ونهب وقتل ومارس كل الموبقات وفى الختام براءة، ولكن تلك البراءة أمام الناس، أمام القضاء الذى يُطبق القانون الوضعى، وليست أمام رب العباد وميزانه وعدله.
والنتيجة أنه تبين أنه كان ينصح هؤلاء الناس، وهم بالأصل لا يكادون يفقهون قولاً، فصار الحق ضائعاً بين هؤلاء القوم، وصار الباطل قانونهم، اختيارهم، منهجهم، والنتيجة التى لا يُدركونها أن الله الذى لا يغفل ولا ينام يَعُد عليهم سيئاتهم ليأخذهم بها أخذ عزيز مقتدر.
وأخيرا، الكل غافل، الكل لا يعى حكمة الخالق فى خلقه، لا يعى أن الله لم يخلق العباد ليعذبهم، ولكنا نحن البشر نفعل بأنفسنا ما يودى بحياتنا إلى غيابات الجُب فى الضلال.