أعدت وحدة اللغة الاسبانية بمرصد الأزهر ،تقريرا عن العنف الأسرى وظاهرة التطرف ، أكدت فيه أن الأسرة نواة المجتمع، والمكوِّن الرئيس له ومع وجود حالة من السلامة والاستقرار بين أفراد الأسرة ينتج مجتمع أكثر سلامة وصحة نفسية وسلوكية، ولا شكَّ أن اضطراب الأسرة هو أحد أبرز أسباب وجود خلل فى نسيج المجتمع.
ومن أبرز تلك التحديات ظاهرة العنف الأسرى، والتى تُعرّف بأنها استخدام أحد أفراد الأسرة العنف في الاعتداء لفظيًّا أو جسديًا على فرد أو مجموعة بالأسرة، كالذي يحدث بين الأزواج، ومن الآباء والأمهات تجاه أطفالهم، أو حتى تجاه المسنين أو ذوى الاحتياجات الخاصة، فضلًا عن العنف بين الأطفال أنفسهم، أو الزواج المبكر للفتيات باعتباره أحد أشكال العنف الأسري ضد القُصَّر.
وتتعدد أسباب العنف الأُسري بين أسباب اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ونفسية، ومن المؤكد أن نشأة الأطفال في جو من المشاحنات والعنف اللفظي والجسدي يجعل منهم أشخاصًا غير أسوياء، ويُشكّل منهم أرضًا خصبة قابلة للتطرف، بمعنى أن ظاهرة العنف الأسري تمثل أحد أبرز أسباب التطرف الفكري والاجتماعي بالغ الضرر.
ومن خلال المتابعة المستمرة التي يقوم بها "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" لأسباب التطرف وتحليل الظواهر المجتمعية والنفسية التي تؤدي إلى انتشاره، تبيَّن أن ظاهرة العنف الأسري لها ارتباط وثيق بالتطرف، سواءٌ أكان ذلك على المستوى الفكري أم السلوكي؛ بل إنها في كثير من الأحيان تمثل أبرز مكونات الشخصية المتطرفة وأحد الأسباب الرئيسة في نهج السلوكيات العنيفة.
ولا شكَّ أن زواج القاصرات، وضرب الزوجات هو أحد أبرز أشكال العنف الأسري، وفي هذا الصدد أشارت إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن 39 ألف فتاة تحت سن الـ8 تتزوج يوميًّا حول العالم، أي ما يعادل زواج قاصرة كل ثانيتيْن. كما أن امرأة من بين 3 نساء حول العالم تتعرّض للعنف الجسدي أو الجنسي في حياتها، وكل هذا يدفع عددًا من الزوجات والقاصرات إلى الهروب؛ بما يُسهّل من عمل الجماعات الإرهابية في استقطابهم وتقديم الوعود الزائفة لهم.
ومن أعظم أنواع العنف الأسري ما يكون ضد المرأة، وكذلك هروب الشباب وربما الفتيات من المنازل، بما يجعلهم عرضة للوقوع في براثن الجماعات الداعية للأفكار الشاذة والمتطرفة، والتي تحث على حمل السلاح وتكفير المجتمعات، والغلو في الدين، وتجاوز منهج الوسطية والاعتدال. كل هذه الأرقام والإحصائيات، إلى جانب الدراسات التحليلية تُبرهن بشكل قوي على مدى قوة العلاقة بين التوجُّه نحو دروب التطرف، والتعرض للعنف الأسري أو ممارسته.
وقد عالج الإسلام هذه الظاهرة بكل دقةٍ ورحمة؛ حيث عزَّز من قيمة الرحمة، وأمَر بنشرها في العالمين، وأرسلَ اللهُ رسولَه -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة الشاملة التي تصل بالأمم والمجتمعات إلى بَرِّ الأمن والأمان؛ حيث قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
وانطلاقًا من هذا المبدأ الإسلامي الأصيل، فإنَّ الإسلام لا يُقِرُّ التعاملَ باستخدام العُنفِ بينَ الناسِ عامَّةً، وبينَ أفراد الأسرةِ الواحدةِ خاصَّةً؛ مُؤَكِّدًا على أن العنف لا يصلح أن يكون علاجًا لمشكلة، أو وسيلةً لإصلاح، بل إن وُجِد فى أسرة فهو خطرٌ يهدد تماسكها، وسلامة أطفالها، ويضرّ بصحة أفرادها البدنية والنفسية. يظهر هذا الأمر واضحًا في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المُطهرة، فقد رغّب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الإنسانَ في التحلي بالرفق في جميع أحواله، فقال: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ". [أخرجه مسلمٌ].