ما تزال وزارة قطاع الأعمال العام، تدرس خطة تطوير وتحديث شركة الحديد والصلب عن طريق القابضة للصناعات المعدنية، التى لم تبت حتى الآن فى تطوير الشركة أو تصفيتها.
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن، هو: لماذا عزفت الشركات العالمية والمحلية عن الدخول فى مناقصة تطوير شركة الحديد والصلب؟
الأسباب وفق آراء خبراء الصناعة تتمثل فى عدة عوامل أبرزها عدم جدية المناقصة التى طرحتها القابضة المعدنية، حيث لم يتم تحديد سعر لكراسة المناقصة وإلغاء خطاب الضمان البنكى وقيمته مليون دولار قبل فتح المظاريف بأيام قليلة.
أيضا إسناد العملية وفتح المظاريف للشركة القابضة للصناعات المعدنية البعيدة عن فنيات التطوير مع إبعاد شركة الحديد والصلب صاحبة الفرح .
الغريب فى الأمر إنه فى مناقصة عام 2017 تقدمت نحو 14 شركة للتطوير وتقدمت بتمويلات ميسرة للمشروع بعد إجراء دراسات لتطوير الشركة إثر زيارة المواقع من المناجم إلى التلبيد إلى الأفران والدرفلة وغيرها .
هذه الدراسات تمت بجهد كبير، ثم تم رفضها بحجة تقادم الدراسات واحتياجها لتحديث جديد، بالرغم من تحديث الدراسات عن طريق شركة تاتا ستيا.
وكانت القابضة المعدنية، قد أعلنت العام الماضى عن مناقصة لم يتقدم لها إلا شركة واحدة، هى شركة ميت بروم الروسية وتقدمت بعرض فنى ومالى .
وحول خطة "ميت بروم" الروسية لتطوير شركة الحديد والصلب، أكد ميخائيل ماتفيف نائب رئيس مجموعة "ميت بروم" للمشروعات الدولية ومسؤول التمويل الدولى فى تصريحات لـ" اليوم السابع"، أن عرض ميت بروم كان الوحيد الذى يمكن أن نقول إنه تنطبق عليه المواصفات الخاصة بمناقصة تطوير شركة الحديد والصلب.
وأشار أن خطة التطوير تتضمن 3 مراحل الأولى مرحلة إعادة هيكلة الشركة، والثانية ترميم وإصلاح الماكينات بالشركة للوصول إلى إنتاجية 800 ألف طن سنويا، والمرحلة الثالثة هى مرحلة استثمارية بمعنى تحديث فى الإنتاج بنظام الاتوميشن، وإضافة بعض الماكينات للوصول لإنتاجية 1.2 مليون طن سنويا من البليت.
المهندس محمد سعد نجيده
وأضاف أنه تم الاتفاق مع بعض شركات القطاع الخاص للدخول فى المرحلة الثالثة، بحيث يستثمرون أموالا مقابل الحصول على جزء من البليت، معتبرا أن عدم الرد حتى الآن على عرض تطوير الشركة، يرجع إلى وجود خطة لتصفية الشركة لكننا لم نتلق أى إيضاحات من الشركة القابضة المعدنية بخصوص عرضنا، واعتقد إنه ما يزال محل دراسة.
وكشف أن استراتيجية "ميت بروم" تتضمن توفير التمويل اللازم لتطوير، وكنا سنرسل الخبراء والفنين لشركة الحديد والصلب لتقيمها فنيا وماليا خاصة إننا ندرس هذا الأمر منذ 5 سنوات ولدينا الامكانيات لإعادة شركة الحديد والصلب إلى مجدها وريادتها منطقة إفريقيا والشرق الأوسط، موضحا أن هناك دعم من وزارة الصناعة الروسية وبنوك روسية لتمويل عملية التحديث والتطوير التى تتكلف نحو 230 ميون يورو .
وقال ميخائيل ماتفيف نائب رئيس مجموعة "ميت بروم" للمشروعات الدولية ومسؤول التمويل الدولى، أن أنشطة "ميت بروم" فى مصر ترتبط بتوريد قطع غيار وبناء الافران العالية وصيانة الغلايات ومحطات التوربينات والتلبيد والمناجم، ولنا خبرات كبيرة عالميا حيث نعمل فى 5 مشروعات كبيرة خارج روسيا .
ميخائيل ماتفيف نائب رئيس ميتبروم للمشروعات الدولية
وحول إمكانية استثمار الشركة فى مصر الفترة المقبلة، قال: "لدينا خطط لبناء مصنع درفلة فى منطقة شرق بورسعيد الصناعية الروسية، لكن هذا يعتمد على البليت الذى سنحصل عليه من شركة الحديد والصلب بحيث لا تكون هناك أزمة تسويق لشركة الحديد والصلب بعد تطويرها ويتم الحصول على الحديد المصنع لاستخدامه فى محطة الضبعة النووية، بجانب تصدير الفائض إلى قارة افريقيا".
أوضح إننا سنخاطب وزارة قطاع الأعمال العام لسرعة إيضاح موقف عرضنا لتطوير شركة الحديد والصلب، وأسباب عدم ابلاغنا رسميا برفض العرض أن كان تم رفضه بالفعل كما تردد فى وسائل الإعلام المحلية، موضحا إننا لسنا مقاول بل نحن سنمول ونستثمر ونحصل على حقوقنا من بيع البليت .
وحول المدد الزمنية لمراحل تطوير شركة الحديد والصلب وفق خطة التطوير التى تم تقديمها، قال ميخائيل ماتفيف إن المرحلة الأولى طبقا لعرضنا تستغرق من 9 أشهر إلى سنة لإعادة الهيكلة، والثانية وهى مرحلة الترميم مدتها سنتين والثالثة استثمارية مدتها سنتين أيضا، لافتا أن الشركة لكى تتحول الى الربح تحتاج الى 3 سنوات.
وأكد أن شركة الحديد والصلب شركة قوية فيها بينة تحتية غير متوفرة فى أى مكان فى المنطقة، وتعد الأكبر فى الشرق الأوسط وأفريقيا، لافتا أن خسائر الشركة نتيجة نقص الفحم بجانب عدم تحديث المصانع ونقص قطع الغيار .
وهو ما سيتم توفيره خاصة أن مزايا التحديث هو توفير المادة الخام وقطع الغيار والطاقة سواء الغاز والكهرباء والمياه .
وتابع: "شركة ميت بروم لها سابقة أعمال كبيرة فى الحديد والصلب حيث سبق توريد قضبان ونش الاسكيب وإصلاح اعمدة الفرن العالى وتصوير قاع فرن عالى 3 "السلمندر" بين عامى 2005 و2006".
كما قامت الشركة بتأهيل النوافخ التربينية عام 2006 وتوريد 5 جرارات سكة حديد عام 2007 وتوريد قطع غيار جرارات سكة حديد عام 2008 وعام 2015.
وحول أسباب الخسائر التى تتعرض لها شركة الحديد والصلب، قال المهندس محمد سعد نجيده رئيس شركة الحديد والصلب الاسبق لـ"اليوم السابع"، إن من الأسباب الرئيسية لخسارة الشركة قلة توريد فحم الكوك من شركة الكوك بسب انهيار بطاريات شركة الكوك منذ عام 2010 ، حيث كانت تورد فقط 25% من طاقتها من 2010 حتى 2017 ، فى تلك الفترة اجتهدنا فى استيراد الفحم من الخارج واستوردنا حوالى 100 ألف طن من عائد التصدير كنا نشترى فحم لتعويض العجز.
الأمر الثانى لخسائر الشركة هو عدم جودة الخام الذى يحتاج الى تركيز وتنقية علاوة على تقادم المعدات التى تعمل من الخمسينيات وستينات القرن الماضى وهى أفران ألمانى وروسى .
وأشار نجيده أن صناعة الصلب تحتاج تحديث فى المناجم والتلبيد لزيادة الانتاج وتقليل استهلاك الطاقة بنسبة 30%، مؤكدا أنه يمكن العمل فى فرنى 3 و4 بنظام الاوتوميشن بدلا من النظام التقليدى مع إضافة وحدة صب بلاطات حديثة بدلا من الوحدة الراسية التى تستهلك طاقة بشكل كبير وتحتاج لقطع غيار كثيرة.
وقال نجيدة إن العمل بالحالة الحالية للشركة يتكلف أكثر خاصة أن إنتاج الطن الواحد يحتاج إلى 600 كيلو فحم كوك فى حين فى النظام الحديث إنتاج الطن يحتاج فقط لـ 350 كيلو فحم كوك أى أننا سنوفر تقريبا 50% من المادة الخام مما يزيد الانتاج ويقلل التكلفة.
ومن أسباب خسارة الشركة أيضا قال محمد سعد نجيده، إن حديد المناجم خامته ضعيفة ورغم أن تركيزه 51%، إلا إن فيه شوائب كثيرة تستهلك طاقة كبيرة لتنقيته كما تستهلك المعدات مما يتطلب العمل على زيادة التركيز وتنقية الخامة .
وكشف أن هناك دراسات فعلية محدثة لتطوير الشركة وتحقيقها للربحية من شركة تاتا ستيل وتم تحديثها عام 2017 لكن لم يتم تفعيلها.
وبسؤاله حول الخسائر العامة فى حالة تصفية الشركة، قال: "لو تم تصفية الشركة ستخسر البلاد شركة قومية واستراتيجية تعتمد على الخام المحلى من الحديد والدونميت والحجر الجيرى من مناطق مختلفة، وبالتالى بدلا من استخدام تلك الخامات وعمل قيمة مضافة سيتم تصديرها لخارج مما يمثل خسارة كبيرة للاقتصاد لان هناك آلاف يعملون لاستخراج الخامات ونقلها لشركة الحديد والصلب".
وتابع: "أننا نملك أكثر من 200 مليون طن خام حديد، أين سيتم استهلاكه هذا بخلاف قيمة الشركة وحصتها السوقية محليا وعالميا".
وأضاف المهندس محمد سعد نجيدة رئيس شركة الحديد والصلب الاسبق، أن إنتاج الشركة لا يمثل إلا 10% من طاقتها حاليا، نتيجة عدم توفر فحم الكوك، فى الوقت الذى يتم تصديره من شركة الكوك للخارج.
ولكى تقوم الشركة لابد من توفير ما بين 1000 إلى 1200 طن يوميا من الفحم، لكى تعمل شركة الحديد والصلب وتنتج نحو 400 ألف طن منتج نهائى قابل البيع .
وقال إنه من المهم سرعة دخول شريك محلى، أو أجنبى للمشاركة لتطوير الشركة وتوفير سيولة لذلك وخبرات فنية، مع السعى قدما فى عملية تركيز وتنقية خام الحديد فى المناجم لزيادة جودة المنتج للشركة، بالإضافة إلى إدخال تكنولوجيا عالمية، خاصة أن الشركة بها إمكانيات لا توجد فى الشركات الأخرى .
من جانبه أكد الدكتور مدحت نافع رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية لـ"اليوم السابع"، أن هناك لجنة مختصة تقوم حاليا بتقييم كافة قطاعات شركة الحديد والصلب حرصا على الشركة وبهدف وقف نزيف الخسائر.
وقال إن الملف الهام الذى نعمل عليه حاليا هو رفع تركيز خام الحديد من 52% حاليا الى نحو 62%، وبالتالى هذا يقلل نسبة الشوائب فى الخام بشكل كبير مما يقلل من تكلفك تصنيعه ويقلل من استهلاك الطاقة.
وأشار أن خام الحديد موجود فى المناجم بالواحات وهو بمثابة ثروة استراتيجية للشركة تميزها عن بقية الشركات .
وقال إنه تم إرسال عينات للتحليل فى معامل عالمية فى كندا وألمانيا وهى معامل محايدة للتأكد من جدوى تطوير المناجم وتكلفة التطوير وانعكاسه على الشركة وتنافسية منتجاتها .
أوضح أن الشركة أنشئت لاستغلال خام الحديد فى أسوان وتبين بعد ذلك عدم صلاحيته وبالتالى فإن ملف المناجم مهم للغاية وسيكون فاصلا فى تحديد مستقبل الشركة.
وأشار نافع إنه من المنتظر تطوير وتحديث الأفران العالية فى الشركة بهدف زيادة الإنتاجية تدريجيا، للوصول إلى نحو ١.٢ مليون طن سنويا بنفس التكنولوجيا المستخدمة حاليا فى الشركة .
أوضح إننا كقابضة معدنية حريصين على شركة الحديد والصلب والعاملين فيها، وعلى تحديثها وإجراء الصيانات الدورية بانتظام مع استغلال الثروات المتاحة.
وكشف مدحت نافع أن العروض التى تقدمت لتطوير الشركة لم ترق الى الشروط المتعلقة بتطوير كيان كبير مثل الحديد والصلب ولا تتوافق مع شروط المناقصة .
وأضاف أن الشركة تقوم بأعمال الصيانة بصورة منتظمة، بجانب السعى لتخفيض الخسائر السنوية لها خاصة أن الخسائر نتيجة تراكمات من سنوات سابقة وعدم تسديد مستحقات الغاز والكهرباء لسنوات طويلة، بجانب تقادم الآلات علاوة على أعمال تدريب العمال والاستثمار فيهم.
وحول عرض ميت بروم الروسية لتطوير شركة الحديد والصلب، قال مصدر بقطاع الأعمال العام إن العرض ما يزال محل دراسة خاصة أن هناك العديد من التصورات المتعلقة بشركة الحديد والصلب فيما يتعلق بالتطوير وجدوى التطوير، وكل ذلك تدرسه لجنة مختصة بالشركة .