وتتوالى سلسلة تعقيدات الثانوية العامة، فما أن انتهينا من مشاهد وقوف الأمهات أمام اللجان، مروراً بفترة امتحانات دامت إلى أكثر من شهر والتى تباينت فيها آراء الطلاب حول صعوبة الامتحان فى بعض المواد و سهولة البعض الآخر منها، وتضارب الأقاويل بين مؤيد ومعارض، ورصد حالات من البكاء والانهيار على شاشات التليفزيون عقب انتهاء الامتحان، وصولاً إلى إعلان نتائج الثانوية العامة، حيث حالة من التوتر سادت البيوت المصرية خلال الأيام القليلة الماضية، واستعمر الخوف قلوب أولياء الأمور، وكذلك دب القلق فى نفوس الطلاب بسبب حالة الانتظار الطويل التى قضوها بين مراكز الانترنت وأمام شاشات الحاسوب والهاتف الخلوي، مترقبين مصيرهم الذى سيحسم فى دقائق معدودة، والذى يعد بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت، فهو بمثابة خطوة إما أن تساعد على تحقيق الحلم، وإما أن تشيعه لمثواه الأخير.
الثانوية العامة ليست نهاية العالم، إنما مجرد خطوة فى رحلة تعليمية طويلة، فمن لم يحالفه الحظ فى الحصول على نتيجة مرضية، فهذا لا يعنى أن الدنيا قد انتهت، ولكن قد تكون البداية التى تضعك على الطريق الصحيح، مشكلتنا لا تكمن فى المجموع البسيط ولكن فيما ترسب فى عقولنا من قديم الزمان بشأن الركض وراء كليات الطب والهندسة، لاسيما أن هذه الكليات لا يلتحق بها إلا أوائل الثانوية العامة وأصحاب النتائج المرتفعة.
نحن لا ندفع أبناءنا لدراسة ما يرغبون به بحيث تكون الحصيلة النهاية هو الالتحاق بالكلية التى يتوقون الانضمام إليها، إنما نجعلهم ينكبون على مكاتبهم لساعات طويلة من أجل الحصول على مجموع مرتفع وحسب، دون النظر إلى حجم الإجهاد والتعب الذى يتعرضون له، وما يتلقونه من ضغط نفسى وتشويش فكرى أثناء تلك السنة الدراسية، فمازال السواد الأعظم يتعامل مع الثانوية على أنها سنة المصير ، وليست مجرد بوابة عبور ينتقل بها الفرد من خلالها إلى دراسة ما يروق له، وكذلك أيضا مازال الأغلبية العظمى تقيس مدى تفوق أبنائهم، وفقاً لمعايير التنسيق، فإذا كان المجموع يفوق متطلبات التنسيق من درجات، فهذا يعنى اجتهاد ابنه وتميزه، و ما دون ذلك يعنى هزيمة ساحقة للأب وفشل ذريع للابن، دون الالتفات لميول الطالب أو رغباته حتى وأن ما حصل عليه يتماشى مع ما يحلم بدراسته.
أثق تمام الثقة لو أن كليتى التجارة والآداب تتطلب مجموعا أكبر من كليتى الطب والهندسة، لقطع الطلاب أميالاً لكى ينضموا إليها، وكذلك لتهافت عليها اولياء الأمور من قبلهم محفزين إياهم للالتحاق بها، لا شأن للمسألة بمجموع يتخطى 95%، إنما بعادات وتقاليد مقيتة وأعراف لعينة توارثنها عبر الأزمنة المتعاقبة والعصور المختلفة تتعلق أكثر بالواجهة الاجتماعية، و المكانة بين أفراد العائلة والأقارب.
حققوا أحلامكم أنتم، وليست أحلام التنسيق، انضموا إلى الكليات التى كنتم تحلمون بها منذ نعومة أظافركم،ولا تنساقوا وراء ما سيقوله الناس عنكم، واضربوا بالعادات والتقاليد عرض الحائط، وابحثوا عن هويتكم وما يحقق تميزكم حتى وإن خالف ذلك ميول الناس وأهوائهم.