يبدوا أن التغييرات المناخية التى طالت أجواء القارة العجوز بفعل الاحتباس الحرارى وغيره من العوامل البيئة فى طريقها لأن تتخذ منحى جديد أكثر كثيراً من معاناة المواطنين من ارتفاع درجات الحرارة وشعورهم بالإعياء ، حيث أن غالبية الدول الأوروبية لا تتمتع بالبنية التحتية الملائمة لتلك الأجواء التى لم تكن يوماً فى حسبان مسئوليها، ما يهدد الأوروبيين بأزمات ترقى إلى مرتبة الكوارث.
ففى فرنسا على سبيل المثال، ارتفعت أسعار الكهرباء إلى أعلى مستوى لها منذ فبراير، حيث قام المستهلكون بتشغيل الرواح والتكييف لفترات أطول. واتصلت شركة كهرباء فرنسا بالمفاعلات النووية بعد ارتفاع درجة حرارة مياة النهر التى تستخدم فى تبريد وحدات الطاقة كما أن الحرارة تسببت فى تراجع التوقعات الخاصة بإنتاجية الذرة هذا العام.
وقال عالم المناخ سايمون لى إن ما يجعل موجات الحر هذا العام غير عادية هو أنها كانت فى وقت مبكر نسبيا من العالم ولم تحدث بعد موجة طويلة من الدفء.
وتعد الموجة الحالية الثالثة التى تضرب أوروبا هذا العام بعدما أدت نمط مشابه إلى ارتفاع درجة الحرارة بشدة لأيام فى فبراير، مما أدى إلى اشتعال حرائق الغابات فى شمال إنجلترا وفى جبال الألب. وفى يونيو الماضى، كان هناك موجة شديدة سجلت أرقام قياسية فى فرنسا واشتعال حرائق الغابات فى ألمانيا.
ولا تزال دول أوروبا تعانى من ارتفاع قياسى فى درجة الحرارة لم تشهده من قبل، والذى جعل العاصمة الفرنسية باريس أشد حرارة من القاهرة، حسبما قالت تقارير وسائل الإعلام.
وقالت مجلة "تايم" الأمريكية إن أحدث موجة حرارة سجلت أرقاما قياسية بعد أسبوع من الإعلان عن أن شهر يونيو الماضى كان الأشد حرارة على الإطلاق فى القارة، الأمر الذى أثار مخاوف من أن تغير المناخ يجعل موجات الطقس الشديدة أكثر تكرارا.
وشهدت ألمانيا أمس، الأربعاء، أشد موجة حرارة تم تسجيلها فى تاريخها، واستمرت فى الارتفاع اليوم الخميس، بحسب ما ذكرت هيئة الأرصاد الفيدرالية فى البلاد. فى حين سعى سكان باريس ولندن وبروكسل إلى التبريد المستمر مع ارتفاع درجة الحرارة 10 درجات مئوية فوق المستويات المعتادة فى يوليو، مما جعل هذه المدن أعلى حرارة من سنغافورة والقاهرة. بينما أشارت توقعات الأرصاد إلى أن بريطانيا قد تسجل اليوم الحرارة الأعلى فى تاريخها اليوم أيضا.
وقالت "تايم" إن الحرارة الشديدة بدأت تجفف بعض الأنهار الأكثر ازدحاما فى أوروبا، مما يجعل امتدادات نهر الدانوب غير سالكة أمام سفن الشحن وغيرها، ودفعت الحرارة ما لا يقل عن ثمانية مفاعات نووية فى فرنسا إلى خفض الإنتاج. وفى لندن، حذر مهندسو شبكة السكك الحديدية تحت الأرض الركاب من توقع حدوث تأخيرات فى حالة تعثر المسارات.
وقال جيمس سكرين ، عالم المناخ بجامعة إكستر بجنوب إنجلترا، إن احتمالية تسجيل موجتين حارتين غير مسبوقتين أصبح شبه مؤكد بسبب التغير المناخى، حيث أن الحر الشديد أو البر القارص يعد أبسط الآثار المتوقعة للتغير المناخى.
ووصلت درجة الحرارة فى بريطانيا إلى 39 درجة مئوية، بينما ترتفع فى باريس إلى 42 درجة مئوية، مع توقعات بانخفاض درجة الحرارة بدءا من غدا الجمعة.
وفى هولندا، وصلت درجة الحرارة فى هولندا إلى مستوى غير مسبوق بلغ 39.1 درجة مئوية فى قاعدة عسكرية شمال الحدود البلجيكية، لتكسر الرقم القياسى القائم منذ 75 عاما، بحسب ما ذكرت هيئة الأرصاد فى البلاد. وفى بلجيكا، وصلت الحرارة إلى 39.9 وذلك لأول مرة على الإطلاق، بحسب معهد الأرصاد الجوية فى البلاد.
وتشعل موجات الحرارة الشديدة المتعاقبة جدلا سياسيا وعلميا فى أوروبا. حيث تناقش إجراءات تشمل فرض ضريبة على الانبعاثات الكربونية فى الوقت الذى تقول فيه رئيسة المفوضية الأوروبية المقبلة أورسولا فون ديرلين إن السياسة البيئية هى الأولوية السياسية الأولى فى القارة.
وفيما يتعلق بالتداعيات السياسية للحر الشديد، قالت تايم إن حرائق الغابات فى السويد والعواصف العنيفة فى البحر المتوسط وجفاف نهر الراين فى ألمانيا أدت إلى إثارة قلق الناخبين الذين انضم بعضهم غلى الاحتجاجات فى الأشهر القليلة الماضية.