القارئ عبد الحفيظ النهارى يكتب: ثورة 23 يوليو.. ثورة التحرر العربى

الأربعاء، 31 يوليو 2019 12:00 م
القارئ عبد الحفيظ النهارى يكتب: ثورة 23 يوليو.. ثورة التحرر العربى ثورة 23 يوليو

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

منذ انطلاقتها الأولى فى 23 يوليو 1952 كانت ثورة مصر هى الشرارة الأولى والبذرة الأولى لتناسل حركات وثورات الربيع العربي، بعد عهود استعمارية واستبدادية جثمت على صدر الأمة لقرون، جعلت العالم العربى والإسلامى مجرد مصادر لنهب الثروات والسخرة وسلب حريات الشعوب واستعبادها، واغتصاب مقدراتها.

وكانت أهداف الثورة الستة بمثابة التشخيص الدقيق للداء الذى يتمثل بالاستعمار وأعوانه، وبالإقطاع والطبقية والاستغلال الاقتصادي، والطبقية السياسية، وضعف الجيش، خاصة بعد حرب 1948، والظلم الاجتماعى والسخرة والاستعباد والاستغلال.

وهى أمراض وعلل تكاد تكون واحدة ومتطابقة فى الوطن العربى والإسلامى السبب الأول فيها هو الاستعمار، والاستبداد، فبدت أهداف يوليو واضحة المعالم وعبرت عن تطلعات الشعوب العربية والإسلامية وأحلامها، لذلك اكتسبت قيم ثورة يوليو كل ذلك التقدير والمحاكاة والانتشار، فضلا عن الكاريزما الناصرية التى أضافت زخما خاصا إلى الثورة، وما يعكس ذلك من وسائل مثل إذاعة صوت العرب، التى أصبحت صوت العالم المطالب بالحرية والاستقلال.

وكان الاستقلال هو عتبة الانتقال إلى تحقيق الأهداف الأخرى بل هو أسّها ومرتكزها، ذلك أن حرية الشعوب وحرية تقرير مصيرها وسيادتها على نفسها هى التى تعطيها الفرصة الطبيعية لتحديد أولوياتها الأخرى.

لذلك نجد أن ترتيب الأهداف مسألة جوهرية فى عملية التغيير ومثلت وعيا عاليا بالأولويات الوطنية تجسدت فى القضاء على الاستعمار وأعوانه، والإقطاع، والاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة جيش وطنى قوي، وإقامة عدالة اجتماعية، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة، وسليمة هنا تعنى غير شكلية كما كان فى العهد الملكى الاستعماري، أى ديمقراطية تعبر عن مصلحة الشعب لا عن مصلحة الاستعمار والنخبة والطبقة السياسية والاقطاعية الاحتكارية.

وقد تداعت ثورات التحرر العربى بعد يوليو 1952م فى كل من العراق والجزائر واليمن وسوريا وفى العالم الإسلامى والعالم الثالث.

الثورة اليمنية تستلهم أهداف يوليو

وقد استلهمت الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م، ممثلة فى تنظيم الضباط الأحرار، مبادئها وأهدافها الستة من ثورة يوليو وعبرت عن أولويات وتطلعات وأحلام الشعب اليمني، فجاءت مماثلة فى الترتيب ومشابهة فى الصياغة مع التعبير عن خصوصية اليمن الذى كانت تعيش فجوة مختلفة وحقبة ظلام تعود إلى القرون الوسطى باستثناء مستعمرة عدن.

وصاغ الضباط الأحرار ستة مبادئ وأهداف لثورة 26 سبتمبر 1962 كان فى صدارتها: التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهورى عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات، ومثلما كان الاستعمار البريطانى يتحكم فى مصر ويستنزف مقدراتها، كان الاستعمار البريطانى فى عدن والمحميات الجنوبية والشرقية فى اليمن يؤدى نفس الدور، ومثلما كان الحكم الملكى وراثى ومحصور فى أسرة ومغلق على طبقة سياسية معزولة عن الشعب، كان النظام الملكى الإمامى يحتكر الحكم فى سلالة البطنين ـ أولاد الإمام الحسن والإمام الحسين رضوان الله عليهماـ بحسب أصول المذهب الزيدى فى الإمامة، فزاد على احتكار الحكم الوراثى فى مصر أنه حكم سلالى تمييزي، ومثلما كان الباشوات يشكلون طبقة تمييزية داخل المجتمع المصري، كان السادة / الهاشميون يميزون أنفسهم اجتماعيا وسياسيا، ومعهم طبقات فى إدارة الحكم مثل القضاة ومشائخ القبائل، مع الفارق الحضارى فى المقارنة والفجوة الكبيرة بين مدنية مصر وحداثتها آنذاك، وانغلاق اليمن على نفسه وتخلف النظام الإمامى وعدم انسجامه مع عصره.

وجاء الهدف الثانى من أهداف الثورة متعلق ببناء جيش وطنى قوى لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها، وهو ذات الهدف فى ثورة يوليو مع الفارق فى الوضع وفى السياق.

واختص الهدف الثالث برفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا، وهو هدف شمولى يعكس الفجوة الرباعية التى كانت قائمة، وهى متلازمة مع الاستعمار والاستبداد اللذان كرسا الوضع الذى كان قائما قبل الثورة، وخاصة ثلاثية الجهل والفقر والمرض.

واختص الهدف الرابع بإنشاء مجتمع ديمقراطى تعاونى عادل، مستمدا أنظمته من روح الإسلام الحنيف، وقد تميز هذا الهدف بعنايته بالمجتمع باعتبار الديمقراطية ثقافة وسلوك وعلاقات ترتبط بكل فئات المجتمع وليس بطبقات وفئات دون غيرها، والإحالة الدينية تعكس الوعى بالثقافة التقليدية السائدة وتفهم جدة الطرح المدنى المحض على مجتمع تقليدى يصعب تجاوز واقعه إلى الحالة المدنية آنذاك دفعة واحدة، وحذا الضباط الأحرار فى صياغة القسم الأول منه حذو ثوار يوليو باعتبار أن العدالة هى الغاية والنتيجة من الديمقراطية وألا فلا معنى لها، بالنظر إلى توظيف الاستعمار والأسر والطبقات الحاكمة لشكل الديمقراطية وتكريس الحفاظ على مصالحهم.

أما الهدف الخامس فقد تعلق بمعالجة آثار الاستعمار وسياسة فرق تسد، التى قسمت المجتمع اليمنى الواحد والشعب الواحد، وحاولت خلق واقع وأوضاع خارج السياق التاريخى والثقافى والوطني، وظل هذا من التحديات الكبيرة أمام الثورة اليمنية لأربعة عقود لاحقة حتى تحقق هذا الهدف فى 22 مايو 1992م.

أما الهدف السادس فهو على تقليدية صياغته فى دساتير معظم البلدان ووثائقها الوطنية، إلا أن أهميته وخطورة إهماله برزت فى اليمن بعد خمسة عقود من الثورة، حين أصبحت الحركات المسلحة والجماعات الإرهابية المتطرفة المدعومة خارجيا تهدد السلام الوطنى من جهة، والسلام الإقليمى والعالمى من جهة أخرى بالنظر إلى موقع اليمن الاستراتيجى على ممرات التجارة الدولية، وفى مقدمتها إمدادات النفط، فى باب المندب وفى البحر العربى (المحيط الهندي) على امتداد  حوالى 2500  كيلو متر، إذ تربطه حدود برية مع الخليج العربى (السعودية، وعمان) تبلغ حوالى 1800 كم، فضلا عن مقابلته للضفة الأخرى من البحر الأحمر (شرق إفريقيا).

ويبدو اليوم جليا مدى استنفار وقلق العالم بسبب تهديد الحركات المسلحة لأمن الممرات المائية وطرق التجارة الدولية ومن ذلك الحركة الحوثية المسلحة وغيرها من الجماعات المتطرفة الباعثة على القلق والضارة بالأمن اليمنى والإقليمى والدولي.

ما نشهده اليوم من إرباك وتهديد لطرق الملاحة الدولية ومن ذلك الصراع على مضيق باب المندب ومضيق هرمز يحيلنا إلى خطورة الموقع الجيوسياسي، وإلى أهمية الهدف السادس للثورة اليمنية وارتباطه بالأمن الوطنى والإقليمى والدولي، والوعى العالى للضباط الأحرار بأهمية هذا الهدف.

وهكذا لاحظنا التشابه والتطابق القائم بين أهداف ثورة 23  يوليو 1952 المصرية وثور 26 سبتمبر 1962م اليمنية وكيف كانت محل إلهام للضباط الأحرار وللتناغم والتظافر بين الثورتين.

أما الدعم اللوجستى المباشر الذى تلقته ثورة 26  سبتمبر من قبل قادة ثورة يوليو وعلى رأسهم الزعيم جمال عبد الناصر، فقد تجلى ذلك فى أصدق صورة، إذ أصبحت الثورة اليمنية امتدادا سياسيا وعسكريا وجيوسياسى للثورة المصرية، وتجسدت وحدة المصير، من خلال التحديات التى مثلت أمام الثورتين بفعل الاستعمار والرجعية على امتداد الوطن العربى والعالم الثالث، وبفعل الوعى الثورى الذى استوعب التحديات والتربصات بثورات التحرر العربي.

لقد تكالبت نفس القوى العالمية والإقليمية على الثورتين، وكان عبد الناصر بطل الدفاع عنهما ومعه قيادة الثورة اليمنية بعدة زعامات فى واجهتها المشير عبد الله السلال.

لقد خاضت اليمن ومصر معارك الدفاع عن الثورة والنظام الجمهورى وتحقيق المبادئ والأهداف ببسالة، وأصبح الدفاع عن الثورة اليمنية هو الجبهة الأمامية للدفاع عن ثورة يوليو، وامتزج الدم المصرى بالدم اليمنى فى سبيل أهداف مشتركة مثلت الثورة قاسمها المشترك.

والآن وبعد مرور ستة عقود من الثورة المشتركة باغتت الجميع فى 21  سبتمبر 2014  الهجمة المرتدة للنظام والفكر والثقافة الإمامية التى ناضل البلدان للقضاء عليها، وفى غفلة من الزمن، وفى جو موبوء بالأحقاد والثأرات السياسية والأيديولوجية، وبدفع وتعبئة خارجية متربصة بالأمة، عادت القوى الإمامية فى نموذج إيرانى يجسد  الإطماع الإيرانية فى إشاعة الفوضى فى المنطقة، مستغلة الظروف التى وفرتها ـ ظاهرة ما أطلق عليه الربيع العربى ـ والتى كادت تعصف أيضا بمكتسبات ثورة يوليو المجيدة فى مصر، مثلما فعلت فى اليمن.

وإذا كانت ثورة يوليو قد استطاعت حماية مكتسباتها من خلال مؤسسة الجيش العظيمة فى الـ 30 من يونيو 2012 فإن مؤسسة الجيش اليمنى كانت قد فككت من قبل أدوات تلك الانتفاضات الموجهة لضرب مؤسسات الدولة، حيث أجهز على الجيش اليمنى من خلال إعادة هيكلته فى الفترة الانتقالية رغم حرص النظام السابق على تسليم السلطة سلميا وديمقراطيا.

الأمر الذى يوضح لنا مدى علاقة القوى الجديدة والمستحدثة والمستجدة والأدوات المستخدمة فى انتفاضات الربيع العربى لتحقيق أهداف استعمارية جديدة، تهدم الدول والأوطان المستقلة، وتقوض الدولة الوطنية التى صنعتها حركات التحرر الوطنى بنضالات وتضحيات جسيمة، ولتقضى على مقدرات واستقلال تلك الأوطان وتبث الفوضى والخراب واسباب الصراع الداخلى فيها.

يخوض اليمن اليوم معركة استعادة الدولة وقد تهددت فعليا مكتسبات ثورة 26 سبتمبر 1962 المتمثلة في: النظام الجمهوري، والوحدة الوطنية، والمؤسسات الديمقراطية، ومؤسسات الدولة، والمجتمع المدنى والديمقراطي، حيث عاد الانقلاب الحوثى المسلح باليمن فى 21 سبتمبر 1914 إلى عهد ما قبل ثورة 1962م.

أصبحنا أمام مرحلة صفرية فرطت بكل التضحيات الجسام التى قدمت دفاعا عن الثورة والنظام الجمهورى والوحدة والديمقراطية، ومنها التضحيات المصرية الغالية على كل اليمنيين، ليدفع الجميع من جديد أثمانا جديدة باهظة لاستعادة مكاسب الثورة واستعادة الدولة المدنية، إذ أصبح الجميع أمام جماعات متطرفة وحركات مسلحة أكثر توحشا وأكثر تدميرا، وأكثر سلفية وتقليدية أعادت الجميع إلى عصبويات ما قبل الدولة، وبثت الكراهية الاجتماعية وغذت أسباب الصراع وأصّلت له وأعادته إلى مرجعياته السلفية الغابرة.

سيظل النصب التذكارى للجندى المصرى على سفح رابية (عصر) مطلا على العاصمة اليمنية التاريخية صنعاء شاهدا خالدا على حجم التضحيات المشتركة من أجل أهداف مستمرة وطموحات مشتركة يتطلع إليها الشعبين.

كل عام وثورتا: يوليو وسبتمبر بخير وشعبا مصر واليمن بخير.

 

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة