قال الدكتور جوزيف طربيه، رئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، ورئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية، إن الصناعة المصرفية شهدت خلال العقدين الماضيين الكثير من التطورات والتغيرات نتيجة التقدّم التكنولوجى المتسارع، وبرز العديد من المنتجات المالية الجديدة التى تقدمها البنوك، مما وضع الصناعة المصرفية أمام خدمات كثيرة تستوجب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية لتعظيم الفائدة من هذه التطورات والحد أو التقليل من المخاطر الناجمة عنها.
وأضاف جوزيف طربيه، خلال كلمته أمام الملتقى السنوى لرؤساء إدارة المخاطر ى المصارف العربية، إن محاور هذا الملتقى وعناوينه الرئيسية تهدف إلى إلقاء الضوء على أسباب المراجعة الشاملة للموجودات المثقلة بالمخاطر، وشرح الإصلاحات الجديدة للجنة بازل الهادفة إلى تعديل المقاربة المعيارية لمخاطر الإئتمان، ومخاطر التشغيل، إضافة إلى شرح التحديات التي تواجه مصارفنا العربية في تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية (IFRS9)، والتخطيط الرأسمالى والتطبيق العملي لإطار الربحية المعدل على أساس المخاطر، إضافة إلى خطط الإعاقة.
وقال جوزيف طربيه "إننا نهدف من خلال هذا الملتقى السنوى الدائم إلى تأكيد أهمية فهم ثقافة إدارة المخاطر والتخفيف منها، والعمل معاً على إعداد سيناريو لدراسة أثر تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية IFRS9 على حجم المخصصات والربحية، والقاعدة الرأسمالية والتعرّف على تجارب الدول والبنوك فى هذا المجال لتحديد الأطر التي يمكن أن نضعها للتطبيق، وقياس مدى كفاية نظم المعلومات، وتوافر الموارد البشرية والخبرات، كما سيعمل هذا الملتقى، من خلال هذه النخبة من الخبراء وبينهم خبيرين من بازل هما مارك فرج ونيل ايشو، وخبراء من سلطة دبي للرقابة على المؤسسات المالية (DESA)، إضافة إلى رؤساء إدارات المخاطر في المصارف العربية، على إبراز التحديات الرئيسية التي تواجه المصارف العربية في وقتنا الحضر، وعلى الآليات الكلية الواجب إعتمادها في فهم وتحديد هذه التحديات والتعامل معها وفقاً للمتطلبات الجديدة لتوصيات بازل، حيث أن الفهم الصحيح للمخاطر وبالتالي لآليات وطرق إدارتها على المستوى الكلى بات يشكل المدخل السليم للحد منها.
وأكد أنه "لا يخفى على أحد أهمية البحث والنقاش وتبادل الخبرات والمعرفة في كل ما يتعلق بالمخاطر المصرفية، وخصوصاً بعد ما أدخلته لجنة بازل للرقابة المصرفية ومجلس معايير المحاسبة الدولي من تعديلات على منهجيات قياس وإدارة المخاطر واحتساب الخسائر الائتمانية المتوقعة، استنادا إلى التطورات والتداعيات التي أفرزتها الأزمة المالية العالمية، والتي تركّزت على نقص السيولة، وضعف "رساميل المصارف"، والتدنى في جودة محافظ التسليف".
وتابع جوزيف طربيه "ما زاد من أهمية هذا النقاش، استمرار الاقتصاد العالمي والإقليمي بالتراجع على ضوء تبعات الأزمات المتلاحقة، اقتصادية كانت أم جيوسياسية، والحروب التجارية من كل حدب وصوب، حيث أصبحت المصارف بحاجة لأن تكون جاهزة لتحديث أو تغيير خططها واستراتيجياتها لتتمكن من الاستجابة للتطورات الشاملة الجديدة وما يرافق هذا التغير من مخاطر موازية".
أمام هذا الواقع، تداعت الهيئات الرقابية الوطنية والدولية لتطوير قواعد العمل المصرفي المالي، ووضع معايير دولية حديثة تساهم في جعل المصارف أكثر قدرة على تحمل الصدمات عبر تحديد وضعية مخاطرها بطريقة أكثر شمولية. وقد كان للجنة بازل دوراً قيادياً في هذا المجال، حيث قامت بإجراء تعديلات واسعة وجوهرية في العام 2011 على اتفاقية بازل 2 تمثلت بإصدار قواعد ومعايير جديدة شكلت معاً بازل 3.
وقال " أثبتت المصارف اللبنانية فى الإجمال خلال الأزمة المالية قدرتها على امتصاص الصدمات وتكبد اضرارٍ أقل مقارنة بالمصارف العالمية، نتيجة الإطار الرقابي الفعال والممارسات الفضلى في مجال إدارة المخاطر، ومع صدور معايير بازل 3، أكملت المصارف اللبنانية مسارها نحو تحقيق نمو قوي في نشاطاتها مع رفع مستوى رساميلها وتحسين نوعيتها بما يفوق الحدود الدنيا وذلك قبل عدة سنوات من فترة الالتزام النهائية في يناير 2019، حيث ظلت تتمتع بسيولة كافية مكنتها من مواجهة العقبات المستقبلية وأي أزمات محتملة على المدى القصير الأجل عن طريق نسبة تغطية سيولة مرتفعة، وعلى المستوى الطويل الأجل عن طريق نسبة صافي التمويل الثابت وهي نسبة مرتفعة أيضا".
في ديسمبر 2017، أصدرت لجنة بازل للرقابة المصرفية، الورقة النهائية التي تتضمن مجموعة من التعديلات على المناهج المعيارية لقياس وإدارة المخاطر الائتمانية ومخاطر التشغيل والتي تعتبر بمثابة المراجعة النهائية لاتفاقية بازل 3 أو ما يصطلح على تسميته بازل 4، وهذه المراجعات والتعديلات تعتمد على تقليص الفجوة بين المناهج المعيارية والمناهج الداخلية بما يخص مخاطر الائتمان ويفرض منهجا جديدا لاحتساب المتطلبات الرأسمالية لتغطية مخاطر التشغيل.
وكانت لجنة بازل قد انتهت من التعديلات النهائية على مناهج احتساب مخاطر السوق في يناير 2019 ويتوقع أن تدخل كل هذه التعديلات حيز التنفيذ بحلول يناير 2022، وأود أن أشير إلى أن من شأن هذه التعديلات أن تشكل ضغطا على رساميل المصارف العالمية عامة واللبنانية خاصة، التي بدأت بالتحضير لمرحلة الالتزام عبر إعادة تدوير جزء كبير من أرباحها، وتحسين نوعية موجوداتها المرجحة بأوزان المخاطر، ورفع مستويات التحوط واتباع سياسة تسليف واستثمار أكثر انتقائية في مختلف الأسواق المحلية والعالمية.
وقال "أما بالنسبة إلى المعيار الدولي للتقارير المالية رقم (IFRS 9) الصادر عن مجلس معايير المحاسبة الدولي والمتعلق بالأدوات المالية والمخصصات المالية، والذي أصبح إلزامياً منذ بداية العام الماضي، أود أن أشيد بدور المصارف العربية عامة واللبنانية خاصة التي خاضت بنجاح غمار الالتزام بهذه المعايير الجديدة بما فيها من تحديات جمة. لعل أبرز هذه التحديات ضرورة تعزيز التنسيق بين الوحدات المتخصصة داخل المؤسسات ومع مفوضي الرقابة، وتحقيق التكامل والتوافق بين البيانات المالية والمخاطر، بالإضافة إلى تحديات جمع وحفظ البيانات التاريخية الضرورية لوضع النماذج الخاصة بالخسائر الائتمانية المتوقعة وتحديات البنية التحتية وأنظمتها."
وتابع "لا شك أن التحديات كبيرة، والاستحقاقات وشيكة، وتتطلب منّا أعلى مستويات التعاون، وتوفير الموارد الضرورية لتطبيق سياسات إدارة مخاطر فعالة، ولن يكون ذلك ممكنا إلا بتطوير الخبرات البشرية في مجال إدارة المخاطر وما هذا المؤتمر إلا فرصة لتضافر الجهود في هذا المجال".
وحضر المنتدى، سمير حمود رئيس لجنة الرقابة على المصارف فى لبنان، وحشد كبير من رؤساء البنوك وقيادات القطاع المصرفى العربى.