انتشرت ظاهرة اجتماعية جديدة تسمى "الانفصال العاطفى"، بمعنى أن ينفصل الزوجان لكن يبقيان تحت سقف بيت واحد، ظاهرة لا يمكن أن نطلق عليها "زواج"، ولا نستطيع أن نسميها "طلاق"، هو اتفاق سرى يعقده الطرفان ينص على "التظاهر بأنهما زوجين سعيدين، وما إن وطأت قدميهما عتبة منزلهما صار كلاهما غريباً عن الآخر، وكأنهما يستأجران غرفتين منفصلتين للإقامة بها وحسب، لا أحد يعرف شيئاً عن حياة الآخر، حالة من الخرس الزوجى تعم أرجاء المنزل، مجرد عقد زواج قائم بينهما لكنه مع إيقاف التنفيذ، وكذلك حالة من استحالة العشرة بينهما لكنه أيضاً طلاق مع إيقاف التنفيذ.
كان للعادات والتقاليد دور كبير فى صنع هذه الظاهرة المقيتة، فأول ما يفكر فيه الزوجان فور اتخاذ قرار الطلاق هو: كلام الناس. وأول سؤال ينهش فى عقليهما: كيف سنواجه الأهل والأقارب بهذا القرار؟!. وفى أغلب الزيجات تكون الإجابة: أننا لن نقدر على الحرب التى ستشنها العائلة علينا حال سماعها للخبر.. أحيانا نقبل بالقيود الاجتماعية التى تكبلنا، لأنها تكون الحل الأسلم والآمن بدلاً من أن نتحمل نتائج تحطيمها التى دائما لا تحمد عقباها. إلى جانب أن بعض الأزواج يرضخون لهذا الحل من أجل أن يحافظ على وجهته الاجتماعية ومكانته فى الوسط الذى ينتمى إليه "البرستيج"، كما أن هناك بعض الزوجات لا يمكنهن مواجهة المجتمع وهن يحملن لقب "المرأة المطلقة"، فهى تدرك أن نظرة المجتمع ستتغير لها، وسيظنها البعض فريسة سهلة يمكن اصطيادها بعد الطلاق، وستبقى محل انتقاد مهما بذلت من جهد، لتتفادى أحاديث الناس الجانبية، وستظل أيضاً تصرفاتها تحت الميكروسكوب إلى أن يحصل البعض على ثغرة تكون وجبتهم التى يتناولونها كلما اجتمعوا، وبالتالى تصبح تفاصيل حياتها عرضة للهمز واللمز ومصمصة الشفايف.
الأبناء أيضا أحد العوامل التى ساعدت على ظهور "الانفصال العاطفى"، فهم كارت ممكن أن يلعب به أحد الطرفين لضغط على الطرف الآخر، غالباً ما يفضل الطرف الضعيف الانفصال تحت سقف واحد بدلاً من الطلاق العلنى، وبدلاً من الانسياق وراء محاكم، والانزلاق فى خلافات ومشاكل لن تنتهى حال إفساح الطريق للقضاء ليأخذ مجراه، لاسيما أن هذا النوع من القضايا قد يستغرق الكثير من الوقت للبت فيه نهائيا، وعلى الجانب الآخر هناك بعض الزوجات ليس لها مصدر دخل خاص لتنفق منه على نفسها حال الانفصال عن زوجها، لأن أغلبهن من فئة ربات البيوت اللاتى يتزوجن بعد أن ينهين دراستهن، فالسواد الأعظم منهن لا يعمل، إنما تبقى مسئولة من أبيها إلى أن تنتقل إلى بيت زوجها، ولذلك تستبعد أغلب الزوجات فكرة الطلاق، خوفاً من العبء المادى الذى قد يتعرضن له فور وقوعه، لاسيما أن بعض الزوجات تنتمى إلى طبقات اجتماعية متوسطة أو أقل، وبالتالى قد يتعذر أهل الزوجة فى الإنفاق على أبنائها، ولذلك فإنها دائما تقطع الطريق على كل هذه التابعات التى قد تحدث بعد وقوع الطلاق، وتنحاز إلى الانفصال السرى كبديل عن الانفصال الرسمى حتى تحتفظ بالعائل الوحيد بالنسبة لها ويستمر فى الإنفاق عليها فى إطار اجتماعى يسمى الزواج.
"الانفصال العاطفى" ليس بحل فهو عرض لمرض، فلابد من معالجة العوار أولاً، والوقوف على مواطن الخلاف التى أدت إلى هذا الوضع الاجتماعى المزرى، فالزواج ليس مجرد رجل يجلب أموالاً ليلبى متطلبات البيت، وكذلك ليس مجرد امرأة تقوم بتربية أبنائها و أشغالها المنزلية فحسب، إنما حياة يعيشها الطرفان سوياً، ولا يمكن أن تستقيم دون الآخر، فهى حياة مفعمة بالمودة والرحمة، ويتخللها السكينة، لذلك لا داعى للجوء لهذا الحل العقيم، لأنه مهما طالت فترة تمثيل الزوجين أمام العالم الخارجى، حتماً سيسقط القناع وستظهر الحقيقة جلية، بعدما تكون قد اتسعت الفجوة أكثر فأكثر. فالانفصال العاطفى مجرد مسكن وليس علاجا، فكلما تناولت جرعات أكبر، كلما اشتد المرض أكثر، وأحياناً قد يصل الأمر إلى البتر فى حالة تأخر العلاج. فالحل الأمثل للقضاء على هذه الظاهرة :المواجهة ولغة الحوار ،فعرض الخلاف أمام أطرافه ومناقشة أسباب النزاع، يسهل على الجميع حل المشكلة، ومن ثمّ يتبين إذا كانت الحياة الزوجية ستعود إلى مجراها الطبيعى، أم أن الحياة مستحيلة، و لم يبق إلا الطلاق حلاً لتسوية الخلافات بينهما. فأحيانا ينتج عن الانفصال التام أطفالاً أسوياء أكثر اتزاناً وثباتاً ممن هم انبثقوا من رحم الانفصال العاطفى و اعتادوا على رؤية مشاهد التفكك والتشتت الأسرى.