يبدو أن كارولا راكيتى، قائدة سفينة "سى واتش"، أصبحت بمثابة أحد أبرز رموز النضال ضد اليمين الأوروبى، والمعروف بمواقفه المناوئة للهجرة، وذلك بعد تحديها المتكرر للحكومة الإيطالية، وفى القلب منها وزير داخليتها ماثيو سالفينى، واعتراضها على سياسة "الموانئ المغلقة" التى يتبناها لمنع المهاجرين من الدخول إلى الأراضى الإيطالية، لتصبح وكأنها مباراة بين امرأة ألمانية تحولت إلى بطلة يسارية بالقارة العجوز، من جانب، وتيار اليمين المتطرف، والذى يمثله المسئول الإيطالى.
كارولا راكيتى
ولعل رسو سفينة الإنقاذ "سى واتش" على الموانئ الإيطالية، قد آثار حالة من الجدل، فى الأسابيع الماضية، حيث يرى مسئولو روما أنها انتهكت القوانين والقواعد الأساسية بتصرفها، بينما ينظر لها النشطاء والمنظمات الحقوقية بأنها بطلة ضحت بحريتها من أجل إنقاذ حياة المهاجرين الأفارقة الذين حاولوا الهرب من ظروفهم المعيشية فى بلدانهم من أجل الوصول إلى مستقبل أفضل فى مكان آخر.
قرار بعد طول انتظار
السيدة الألمانية حاولت فى بداية الأمر انتهاج المسالك القانونية عبر الرسو فى المياه الدولية انتظارا لقرار انسانى من قبل أى بلد أوروبى باستقبال سفينتها، ولكن دون جدوى، مما دفعها فى نهاية المطاف إلى اتخاذ قرارها بالرسو على المياه الإقليمية الإيطالية، مما وضعها فى نهاية المطاف إلى مواجهتها لخطر عقوبة السجن لمدة 10 سنوات بسبب انتهاكها للقوانين الإيطالية.
ويمثل تجاهل راكيتى لتصريحات وزير الداخلية الإيطالى، والذى يضع نفسه فى صورة القائد الفعلى للحكومة الإيطالية، والمدافع الأول عن الرؤى اليمينية، ورأس الحربة الرئيسى فى الحرب على الهجرة غير الشرعية، بمثابة الطريق الذى وضعها فى صورة الخصم الأول لسالفينى، حيث أنه استبق قرارها بالرسو على أحد الموانئ الإيطالية، بالتأكيد على رفض روما للقبول بدخول السفينة إلى المياه الإقليمية الإيطالية.
يقول موقع "إنفو ميجرانتس" إن راكيتى أصبحت بطلة يسارية يمكن استخدامها من قبل المعارضة الإيطالية، لمجابهة سالفينى ورفاقه اليمينيين الذين باتوا يسيطرون على مقاليد الأمور، حيث أنها كسرت القيود الحديدية التى يحاول وزير الداخلية وضعها لمنع المهاجرين من دخول بلاده.
بطولة أم مقامرة؟
من جانبها، قالت راكيتى إن قرارها بالرسو بالموانئ الإيطالية لم يكن بطولة ولا يحمل أى أهداف سياسية كما يروج البعض، وإنما جاء اضطراريا، حيث كانت الأجواء متوترة للغاية على متن السفينة، بينما هدد بعض الركاب بإلقاء أنفسهم بالبحر، وبالتالى لم يكن أمامها سوى المجازفة بسنواتها القادمة، التى قد تقضيها خلف قضبان السجون الإيطالية، من أجل إنقاذ حياة الركاب، للمرة الثانية، بعدما أنقذتهم من الغرق بالقرب من السواحل الليبية.
ونفت السيدة الألمانية ما يثار حول موقفها المناوئ لوزير الداخلية الإيطالى، موضحة أن الخصومة بينه وبين المجتمع المدنى بأسره، خاصة وأن إنقاذ حياة الإنسان يبقى أحد الحقوق الأساسية للإنسان، والتى ينبغى احترامها من كافة الدول والحكومات.
أما على الجانب الأخر، فينظر اليمينيون إلى راكيتى باعتبارها خصما سياسيا، حيث نالتها سهام الانتقاد من قبل سالفينى، وغيره من زعماء اليمين المتطرف فى إيطاليا، وهو ما ساهم فى ارتفاع أسهمها لدى خصومهم السياسيين، والذين اعتبروها بمثابة "الأمل فى عالم أكثر إنسانية".
من جانبه، سخر سالفينى من السيدة راكيتى، واصفا إياها بالألمانية البيضاء الثرية، متسائلا لماذا لم تتجه بسفينتها نحو بلدها؟
ألمانيا لم تنجو من الاتهامات
يبدو أن تصريحات سالفينى دفعت راكيتى إلى الحديث عن الدور السلبى لبرلين فى مواجهة أزمتها، حيث أوضحت أن الموقف الألمانى لم يكن أفضل حالا من الموقف الإيطالى المتعنت تجاهها، وبالتالى فشعرت أنها كانت تواجه الأزمة بمفردها، فى الوقت الذى كان من الممكن أن تتخذ فيه دولة أوروبية قرارا انسانيا ينهى الأمر فى لحظات.
وكان القضاء الإيطالى قد انتصر لراكيتى، حيث أمرت قاضية إيطالية الأسبوع الماضى، برفع الإقامة الجبرية المفروضة عليهارغم عدم إطاعتها أوامر الجيش الإيطالي ورسوها بالسفينة في ميناء لامبيدوسا، وقضت بأن القبطان راكيتى لم تنتهك القانون وإنما كانت تقوم بواجبها في إنقاذ أرواح عندما أدخلت المهاجرين إلى الميناء بعد إنقاذهم.