- دراسة كاملة تستفيد من تجارب الدول
نجمع أكثر.. ندور أكثر.. ندفن أقل»، كلمات بسيطة، تلخص الرؤية الخاصة للدولة فى ملف القمامة، وتدوير المخلفات، والتى تسعى من خلالها مؤسسات ووزارات الدولة المعنية، إلى التعامل مع 26 مليون طن من القمامة سنويًا، تتكلف مليارات الجنيهات، تستطيع الدولة من خلالها تحويل تلك التكلفة لعائد اقتصادى كبير، ويتماشى مع كل المعايير البيئية العالمية.
ويعبر شعار « نجمع أكثر.. ندور أكثر.. ندفن أقل» عن طبيعة ما تسعى إليه الدولة، فالتجميع أكثر يعنى تجميع القمامة من المنازل والمحطات الوسيطة، وذلك للاستفادة من تلك القمامة بأشكالها المختلفة، ثم تأتى المرحلة الثانية، وهى «تدوير أكثر»، والتى تعنى تدوير المخلفات بشكل مناسب مع الموجود، والذى يتم فرزه وتصنيفه بشكل علمى سليم، ثم المرحلة الأخيرة وهى «دفن أقل»، والتى تعنى بالضرورة أن كلما استطعنا الاستفادة من القمامة، كان الخارج منها والذى يحتاج لمدافن صحية أقل، حيث إن المدافن الصحية، ذات تكلفة مادية كبيرة، كما أنها تأخذ مساحات من الأرض شاسعة، وكلها أشياء يمكن الاستغناء عنها، بتقليل الخارج من القمامة، بالتدوير، وإنشاء خطوط إنتاج تتناسب مع القمامة.
فى خطة الدولة الموضوعة لمنظومة تدوير المخلفات، والتى تبدأ مراحلها التجريبية فى نهاية العام أو أوائل الربع الأول من العام المقبل 2020، تبرز كثير من التفاصيل، وتعتمد المنظومة الجديدة على دراسة مستفيضة، تطرقت فيها الدولة للتجارب العالمية، بل وسافر وفود رسمية، منها ما حضره الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، بالإضافة لزيارات مثل ألمانيا والصين، وهى الزيارات التى حضرت فيها وزيرة البيئة، والدكتور محمد العصار، وزير الإنتاج الحربى، ووزير التنمية المحلية، والفريق عبد المنعم التراس، رئيس الهيئة العربية للتصنيع، وأظهرت تلك الزيارات أن التجربة الألمانية لها أولوية خاصة، لما حققته من تعامل مع القمامة فى ألمانيا والدول المجاورة.
تقول وزيرة البيئة، فى تصريحات خاصة، إن التصور الكامل فى خطة الدولة، يعتمد على دراسة أبعاد التطبيق الواقعى، والذى ينطلق قريبا، ويتخذ عدة محاور رئيسية، منها البنية التحتية، وكيفية التجميع فى المحطات الوسيطة، وكذلك مرحلة العمل بالمصانع الخاصة بتدوير القمامة، وكذلك المدافن الصحية، والتى يجرى العمل فيها مع الهيئة العربية للتصنيع.
ومن المؤكد أن تصريحات وزيرة البيئة، تذهب لوضع رؤية مصرية خاصة، حول تجميع القمامة وتدويرها، وأن البنية التحتية تتضمن وضع تشريعات وقوانين مكملة لكيفية توزيع الأدوار والمسؤوليات، والتى تكون فيها وزارة البيئة مسؤولة عن التخطيط والتنظيم وتقديم الدعم الفنى، بينما مسؤولية وزارة التنمية المحلية، فى التنسيق مع المحافظات والأحياء، لسير المنظومة بشكل سلس وسهل، ويتمثل دور وزارة الإنتاج الحربى، فى صناعة خطوط الإنتاج، فيما تقوم الهيئة العربية للتصنيع، بدور مهم للغاية، وهو إنشاء المدافن الصحية، والتى تنتهى فى عامين تقريبا.
وزارة البيئة تتجه لإطلاق حملة إعلامية ضخمة، تستهدف رفع الوعى البيئى لدى المواطنين، فكلما زادت درجة الوعى، كان العائد كبيرا، وتعتمد تلك الحملة على التنبيه بضرورة المشاركة المجتمعية، ودعم الأفكار الشابة والمبتكرة، وصناعة حالة لدى المواطنين، بكيفية الاهتمام بوضع القمامة فى أماكنها الخاصة، والمساعدة فى تجميل الشكل العام للشوارع والطرق، هذا بالإضافة إلى أن هناك حملات شبابية مستمرة، تدعمها وزارة البيئة، والتى تكون بمجهود كبير قائم على الشباب.
ورغم أن الدولة تنفق سنويًا مبالغ تصل إلى 2 مليار و300 مليون جنيه للتخلص من المخلفات، إلا أن منظومة التخلص من المخلفات فى مصر لا تتعدى 50%، ولذلك فالخطة تتضمن إنشاء 63 خط إنتاج جديد، يمكن البداية بها والتوسع بعد ذلك، للوصول لشكل كامل للتجربة، التى تستطيع بها مصر حل ملف القمامة بشكل نهائى.
وتتفق كل تلك الأرقام، على أن منظومة تدوير المخلفات تحتاج مجهودا جبارا من الوزارات بأكملها، وبينما تعمل وزارة البيئة على خلق الوعى المجتمعى، ووضع أفكارها وتصوراتها فى الخطة القومية لمنظومة التكنولوجيا، تقوم الهيئة العربية للتصنيع، بإنشاء 59 مدفنا، والتى تنتهى خلال عامين، على مساحات كبيرة تستوعب كل القمامة المتخلفة عن عمليات التدوير، وفق منظومة للإدارة تتعامل مع المخلفات الصلبة بشكل آمن فى جميع المراحل.
من جانبه، أكد الفريق عبد المنعم التراس، رئيس الهيئة العربية للتصنيع، لـ«اليوم السابع»، أن دراسة الدولة لمنظومة القمامة وتدوير المخلفات، ليست بالطريقة العادية، التى قد تكون مرت على مصر قبل ذلك، بل إن الدراسة مستفيضة، وتتطرق لكل التفاصيل، لتصنع منها شكلا كاملا، يمكن أن تستفيد منه الدولة والمواطنون، مشيرًا إلى أن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، واضحة وصريحة فى ذلك الشأن، بأن مواجهة الأزمة يجب أن تكون بواقعية كاملة، ويكون فيها تناسب بين واقع الإمكانيات، وبين الطموح والأهداف التى تسعى الدولة لتحقيقها، سواء على المدى القريب أو البعيد.
وعن مسارات العمل بمنظومة تدوير المخلفات، فإن الهيئة العربية للتصنيع، مسؤولة عن إقامة المدافن الصحية، والخلايا التى تدفن بها النفايات، وهى مهمة شاقة للغاية، تصدت لها الهيئة وشركاتها، انطلاقًا من مسؤوليتها الاجتماعية، ولما تفرضه آليات العمل الجديدة من تضافر الجهود، وتكامل المؤسسات، حيث تمتلك الهيئة العربية للتصنيع، العديد من المصانع والشركات والكوادر العاملة والفنية، التى تستطيع تحقيق المستحيل، ويمكنها أن تحقق أهداف الدولة، ليس فى مجال تدوير المخلفات فقط، ولكن فى كثير من المجالات، التى شهدت توقيع برتوكولات ومذكرات تفاهم خلال الفترة الماضية.
وتعمل الهيئة العربية للتصنيع، على وضع إمكانياتها من شركات ومصانع وقوى بشرية متميزة، على خريطة الصناعة فى مصر، حيث تعد الهيئة ذراعا صناعية قوية وظهيرا اقتصاديا مميزا للحكومة المصرية، لذلك كانت المشاركة الإيجابية فى مجال تدوير المخلفات، والتى شهدت تطورًا كبيرًا خلال العام الماضى، من زيارات للدول الكبرى، للاستفادة من التجارب، ورغم تميز التجربة الألمانية، إلا أن الاستفادة من خليط من التجارب الدولية، ربما يفيد مصر، وهو ما يسعى القائمون على شؤون ملف تدوير المخلفات، للاستفادة منه فى الدراسة، التى قد يبدأ مراحلها التجريبية فى الربع الأول من العام المقبل.
ومن المؤكد أن أهم ما يميز التجربة المصرية، التى سترى النور قريبًا، هو الاعتماد على فكرة نقل تكنولوجيا تدوير المخلفات إلى مصر ومصانع الدولة، حيث يمكن الاعتماد على ذلك كنقطة انطلاق نحو السوق الأفريقى بعد ذلك، خاصة فى ظل السياسة التى تعتمد فى محوريها على تعظيم المكون المحلى فى المنتجات الحالية، وكذلك نقل وتوطين التكنولوجيا بعد ذلك، وهى سياسة انتهجتها الدولة المصرية فى الفترة الأخيرة، حتى تتحقق فكرة مصر من صناعة جيل بعد ذلك، يمكنه دعم الصناعة الوطنية.