قام النبى الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) بحجة واحدة فقط، طوال حياته، هى الحجة المعروفة تاريخيا بحجة الوداع، قبل وفاته بعام واحد، حيث قام الرسول بالشعائر المقدسة سنة 10هـ، وتوفى - صلى الله عليه و سلم - فى ربيع الأول سنة 11هـ.
وخطبة الوداع هى آخر خطبة ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم، بجبل عرفات فى التاسع من ذى الحجة فى السنة العاشرة من الهجرة، ويمكن اعتبار حجة الوداع أكبر تجمع إسلامى فى العهد النبوى، فقد تجمع بعرفات نحو 125 ألفاً من الصحابة، وكانت قبل وفاة النبى بنحو شهرين، أعلن فيها بصورة أخيرة ونهائية كل الأشياء التى بعث من أجلها، وتعتبر نبراساً للأمة فى جميع النواحى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
أتم آخر النبيين والمرسلين رسالته إلى أمته، وترك فيهم ما لا يضلهم، تاركا رسالة ربه، وسنته الكريمة، متمما إقامة دعوة الإسلام إلى الناس أجمعين، حيث حجة الوداع جاءت بعد فتح مكة، وخطب فيها خطبة الوداع التى تضمنت قيما دينية وأخلاقية عدة سميت حجة الوداع بهذا الاسم لأن النبى صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها، وعلمهم فى خطبته أمر دينهم، وأوصاهم بتبليغ الشرع فيها إلى من غاب عنها، وكانت القيم والوصايا التى وصلت إلى نحو 10 وصايا تركها "ابن عبد الله" لأمته كفيلة لأمة صالحة.
ولعل خطبة خاتم النبين والرسل فى المسلمين فى حجة الوداع، جاءت لترسى دعائم نهضة الأمة خطة شاملة لإصلاح الفرد والمجتمع، فحدد النبى قبل رحيله إلى جوار ربه، الإيدلوجية التى يرتكن إليها المسلمين، عندما قال :"تركت فيكم ما اعتصمتهم به فلن تضلوا بعدى أبدا، كتاب الله وسنتى"، تلك المرجعية التى لا ضلال ولا شقاء معها، تضمن تحقيق الأمن والأمان لكل الناس، والعدل والمساواة حتى لغير المؤمنين بها، والفلاح والفوز فى الآخرة.
تضمنت الخطبة عشر قواعد يمكن بناء المجتمع الإسلامى على أساسها، وكل ما فيها يؤسس لمختلف مجالات العلوم الحديثة، وتضمنت أسس بناء المجتمع، وهو أساس صريح لمنع التمييز العنصرى فى جميع أشكاله، وهى الظاهرة التى سيطرت على المجتمع فى زمانه، ولا زالت تسيطر على كثير من المجتمعات حتى الآن، حسبما صرح من قبل الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء.
وقد تبنت الخطبة الأساس الصريح لعدم الظلم بين الناس، ومنعه بكل أشكاله حماية للمجتمع والناس، "وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب"، وهو إبطال صريح لأحد أسوأ عادات الجاهلية، وهو الثأر، وذلك لتحقيق السلامة والأمن للمجتمع، حسبما صرح من قبل الدكتور عبدالله النجار أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو مجمع البحوث بالأزهر.
كما أن الخطبة عالجت المعاملات المالية، بقوله صلى الله عليه وسلم: «وإن ربا الجاهلية موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا، وإن أول ما أبدأ به ربا العباس بن عبدالمطلب»، وهو إبطال للعادات الضارة بالأنفس والأموال، وإسقاط للربا للحفاظ على أموال الناس.