مطران كاثوليك المنيا يعترف: هناك خطف للرعايا بين الطوائف.. بعض مظاهر التدين سطحية ومنتشرة فى المنيا.. لا القانون كافٍ وحده ولا الجلسات العرفية منفردة قادرة على حل المشاكل.. بناء الكنائس الجديدة يسير بشكل جيد

الجمعة، 16 أغسطس 2019 07:00 ص
مطران كاثوليك المنيا يعترف: هناك خطف للرعايا بين الطوائف.. بعض مظاهر التدين سطحية ومنتشرة فى المنيا.. لا القانون كافٍ وحده ولا الجلسات العرفية منفردة قادرة على حل المشاكل.. بناء الكنائس الجديدة يسير بشكل جيد مطران كاثوليك المنيا وحوار مفتوح
حوار: سارة علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يمتلك الأنبا بطرس فهيم مطران المنيا للكاثوليك رحلة روحية فريدة، فقد ولد أرثوذكسيا ثم انتقل للكنيسة الإنجيلية واستقر به المقام مطرانا بكنيسة الكاثوليك، عن تلك الرحلة بين الطوائف وعن تحديات الخطاب الدينى المعاصر كان لنا معه هذا الحوار

1.   ارتحلت من الكنيسة الأرثوذكسية إلى الإنجيلية واستقريت فى الكاثوليكية، أحك لنا عن رحلتك تلك؟

فى الحقيقة كان انتقالى بين الكنائس الثلاث ترتيب إلهى، حدث من خلال أحداث بشرية، كما هى عادة الله سبحانه وتعالى غالبا ما يستخدم ظروف وحياة البشر ليعلن عن حضوره وعمله ومشيئته. فنشأتى الأولى فى الكنيسة الأرثوذكسية جعلتنى اتشرب ما فيها من جمال الطقوس والألحان وحب الروحانية التقليدية المتجذرة فى الثقافة والحضارة المصرية واعرف الكثير عما فيها من غنى روحى وآبائى، للعبادة فى الكنيسة القبطية نكهة خاصة ومذاق متميز يعلن عن حضور الله بشكل روحانى خاص يتصف بمسحة من المسكنة والتواضع والانسحاق وهى تميل إلى الإفراط فى مظاهر التعبد التقليدية من خلال صوم وصلوات من مزامير وتسبيحات طويلة وعبادات يغلب عليها طابع الهدوء وأحيانا فيها مسحة من الحزن الناتج عن مشاعر التوبة، والإحساس المفرط بوطئة الخطيئة الشخصية وميل الى العزلة.

فى الكنيسة الإنجيلية تعرفت بعمق أكثر على الكتاب المقدس وما فيه من خبرات روحية عميقة وتعاملات الله مع شعبه ومع الناس كنموذج لتعامل الله سبحانه وتعالى مع كل المؤمنين. وتعرفت على الترانيم بما فيها من تنوع وحيوية وغنى. وتتسم الروحانية الانجيلية بالانفتاح على الآخر والترحيب به، فهى روحانية كتابية اجتماعية عملية بالدرجة الأولى، وأن شابها فى بعض الأحيان التكرار والسطحية.

فى الكنيسة الكاثوليكية وجدت نفسى تماما، ووجدت الله كما تمنيت أن اراه، فمن ناحية وجدت كل روحانية وتقاليد وطقوس وعبادات الكنيسة الأرثوذكسية بما لنا من طقس وتراث مشترك بحكم إننا أقباط. ومن ناحية أخرى فتحت الكنيسة الكاثوليكية آفاقى على ما لها من اتساع وتنوع فى الفكر وفى مدارس اللاهوت والروحانية والرهبانيات المختلفة وبما لها من تنوع فى منظومات التعليم اللاهوتى والأخلاقى والإنسانى والاجتماعى.

عرفت من خلال هذه الخبرة المتنوعة ان الكنائس كلها تحوى فى داخلها أكثر بكثير مما تعبر عنه، فهى فى داخلها أكبروأجمل بكثير مما يظهر عليها فى خارجها، وفى تصرفات بعض أعضائها.

2- فى هذه الرحلة بين الكنائس كيف رأيت الله؟

عرفت ان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شىء، فهو أكبر من كل الطقوس وأعظم من كل الكنائس، وأروع من كل العقائد، وأعجب من كل الأديان، وأرهب من كل التشريعات والتحديدات. فما هذه التحديدات إلا تعبيرات بشرية، تخضع لحدود ما يمكن للإنسان أن يفهمه أو يعبر عنه. فالله هو هذا السر العظيم العجيب الذى لا يمكن وصفه أو تحديده، بأى شكل ولا صورة فكل تصورات، وكل اختبارات، وكل تعبيرات البشر تظل عاجزة وناقصة أمام سره الرهيب.

3- فى تقديرك، لماذا تظن كل طائفة أن أصحابها يملكون باب الفردوس؟

اعتقد أن هذا أمر طبيعى، لأن كل طائفة تظن أن ما تعرفه وتؤمن وتعلم به هو الحق الكامل غير المنقوص، وإلا لما تمسكت به ولتركته الى غيره مما تعتقد به الطوائف الأخرى، إن كان صادقة مع نفسها، وإلا فهى تخدع نفسها ومن يتبعونها؛ فكيف لطائفة أن تتمسك بملا تظنه أقل مما عند غيرها وتدعى الحق فى التمسك به طول الحياة وبمثل هذه القوة، وبما أن باب الفردوس لا يفتح إلا لمن اتبع الحق وآمن به وأطاعه، فكل طائفة مؤمنة بما تؤمن تظن أنها تملك باب الفردوس.

4-لماذا تتبادل الطوائف المسيحية الاتهامات فيما بينها بخطف الرعايا؟

أعتقد أن الاتهامات المتبادلة بخطف رعايا الطوائف الأخرى هى قائمة فعلا ومبنية على وقائع فعلية وحقيقية، فكل طائفة مؤمنة أن معها كل الحق تريد أن تهدى كل الناس الى هذا الحق الذى تعتقده؛ وإلا فهى مقصرة فيما تظنه التبشير أو الدعوة، وهو واجب مقدس. ولكن المشكلة تتفاقم حين يكون الخطف مبنى على تشويه لسمعة واعتقاد الآخر وتشكيك فيما يؤمن به، بينما هناك طريقة أخرى من الخطف تتم عن طريق إغراء الفقراء بالمال وبالمساعدات العينية، وهذا أيضا أمر بغيض فلا يجب أن نختزل الأمور الدينية فى أمور مادية فانية مستغلين ومتاجرين باحتياجات الناس، فليس هذا من النبل فى شيء، وما يشترى بالرخيص سيذهب رخيصا بخيسا.

5-ما رأيك فيما قيل: "كاثوليك مصر وافدين من زمن الاحتلال"؟

يدعى ذلك من لم يدرس جيدا التاريخ، فلم تخل مصر ابدًا من وجود الكاثوليك منذ أن بشرها بحسب التقليد القديس مرقس، وحتى اليوم، وقد كان بعد مجمع خلقيدونيا وبعد الفتح العربى يوجد أحيانا بطريركان واحد ارثوذكسى والأخر كاثوليكين وفى فترات لاحقة قل عدد الكاثوليك فلم يكن لديهم بطريركية أو رئاسة كنسية فكان ينتدب من يقوم بخدمتهم من خارج مصر. ولم تتخل روما نابدا بحسب الوثائق الكاثوليكية عن شعبها القبطى فى مصر،وحدثت محاولات كثيرة للاتحاد بين الكاثوليك والارثوذكس المصريين منها على سبيل المثال لا الحصر محاولة الوحدة التى تمت فى مجمع فلورنسا عام 1443 حيث وقعت وثيقة للوحدة بتاريخ 4 فبراير من نفس العام، ولكنها لم تنفذ. وكانت هناك محاولة ثانية فى سنة 1582 فى مجمع ممفيس فى مصر، ومحاولة أخرى سنة 1814، ولكن للأسف كلها باءت بالفشل. وكان قد عين البابا بندكتوس الرابع عشر 1741 الانبا اثناسيوس مطرانا ونائبا رسوليا للأقباط الكاثوليك بمصر، وتتابع النواب الرسوليون على مصر منذ ذلك الحين. وحين جاءت الارساليات اليسوعية والفرنسيسكانية، فى القرن الثامن عشر، كانت تستقبلها العائلات الكاثوليكية فتقيم عندها وكانت هذه العائلات من العائلات المشهورة بالإيمان القوى الراسخ وبالعلم والغنى والجاه فاستطاعت ان تصمد امام كل التيارات المعارضة للإيمان المسيحى على مر العصور. وهكذا شجعت الارساليات هذه المجموعات الكاثوليكية المتفرقة فى كافة ربوع مصر وجمعت شملها وعملت منها رعايا وكنائس واسقفيات إلى أن أعاد قداسة البابالاون الثالث عشر بطريركية الاقباط الكاثوليك بقراره الرسولى "المسيح الرب" الصادر فى 26 نوفمبر 1895. من هذا العرض السريع يظهر أن الأقباط الكاثوليك لم يغيبوا ولم يختفوا أبدا من مصر، وهذه شهادة للتاريخ وهناك الكثير من الوثائق وكتب التاريخ لمن يريد أن يقرأ ويعرف.

6-ما هى حكاية الأب مينا توفيق الذى كان يخدم تحت سلطتك فى المنيا؟ وهل تعترف الكنيسة بأسقفيته؟

فى الحقيقة حين بدأت خدمتى فى أيبارشية المنيا فى إبريل 2013 كان الاب مينا توفيق يخدم فيها فى الكثير من الأنشطة الاجتماعية والإنسانية والكنسية. ولما لاحظت أن الأمور يجب أن تكون فى سياق وبحسب النظم الكنيسة المتبعة، وطلبت منه الالتزام بذلك، ولكنه وجد صعوبة فى الخضوع لنظم وقوانين الكنيسة، ففضل أن يتركها ليخدم بحرية أكبر. وقدم استقالته للسينودس البطريركي، الذى أعطاه مهلة لكى يراجع نفسه ويعود، ولكنه قرر أن يترك الكنيسة الكاثوليكية، فترك الكنيسة الكاثوليكية نهائيا وتزوج، وبذلك يكون فصل نفسه عن الشركة الكنيسة، وبعد ذلك سمعنا انه انضم الى طائفة لا نعرفها وصار فيها أسقفا. والكنيسة الكاثوليكية لا تعترف بهذه الدرجة الأسقفية من قريب أو من بعيد. 

7-فى المنيا أكبر تجمع للمسيحيين فى الشرق الأوسط، لماذا ارتبطت المحافظة بالمشاحنات بين مسلمين ومسيحيين؟

أظن أن السبب هو كثرة عدد المسيحيين وقوة نشاطاتهم الدينية كما أن الفكر المتطرف الذى ارتوى لفترة طويلة من الجماعات الإسلامية قد انتشر وتأصل فى عقليات كثيرة من الشباب المغرر به والذى تبنّى بعض مظاهر العنف ضد أى مظاهر دينية، فكثرة العدد وشدة التمسك بالدين، او بالأحرى ببعض مظاهر الدين السطحية، لدى المسيحيين والمسلمين على السواء، تساهم فى تنامى المنازعات والمشاحنات. واعتقد أن جوهر الإنسان المصرى والمواطن المنياوى هو أساسا طيب واصيل ولكنه يحتاج إلى عمل جاد ومتواصل فى مجالات التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من اجل استرجاع وتأصيل هذه الروح السمحة

8-هل يمكن حل تلك المشكلات بالجلسات العرفية وحدها؟ أو القانون وحده؟

إن المشكلات التى تنشأ عن المشاحنات الطائفية لا تحل لا بالجلسات العرفية وحدها ولا بالقانون وحده. فالجلسات العرفية قد تنجح فى بعض القرى والنجوع المتأثرة حتى الآن بالطاعة لكبير القبيلة والذى تسمع كلمته وكأنها قانون. ولكن فى المدن والمناطق المتحضرة يجب أن يسود القانون، وإن كنا نرى أن القانون يحتاج إلى تعديل، وأن تطبيقه يجب أن يكون ناجزا وسريعا فبطء التطبيق وميوعة الأحكام لا تقدم ردعا كافيا لمن يجب أن يرتدع.

ولكن الأهم من القوانين والجلسات العرفية فى رأيى هو العمل على بناء أجيال واعية ومتعلمة ومتحضرة من خلال عمل دؤوب فى مجالات التربية والتعليم وفى الاسرة من خلال وسائل الاعلام واستخدام وسائل التواصل الحديثة لتقديم رسالة إنسانية إيجابية وبناءة . بدون هذه المنظومة المتكاملة لا نفع للقانون ولا للردع بالقوة والتخويف، فلا يجب أن نحارب العنف بالعنف ولا الإرهاب بالإرهاب المضاد، بل بالإقناع وبالحضارة وبالعلم وبالتقوى الحقيقية وقبول واحترام الذات والآخر.

9- بعد عامين من قانون بناء الكنائس كيف تقيمه على الأرض؟

أعتقد أن الأمور تسير بشكل جيد، وإن كان بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية لم يصدر الكثير من قرارات التقنين للكنائس القائمة بالفعل. ولم نجد حتى الآن الكثير من المشكلات فى تنفيذ القانون الجديد لبناء الكنائس الجديدة. فقط المشكلات تأتى من تقاعس الموظفين الصغار فى المحليات وفى دواوين الحكومة المختلفة بسبب الجهل أو الخوف ، أو البيروقراطية المعقدة القاتلة، ولكن العلاقات مع كبار المسئولين فى الجهات المختلفة لا نجد فيها مشكلات.

10- كمطران كاثوليكى فى رأيك هل توقفت عجلة الإصلاح بقرارات المجمع المسكونى الفاتيكانى الثانى أم الكنيسة بحاجة للمزيد؟

أظن أن الكنيسة تظل دائما وأبدا فى احتياج إلى مراجعة لذاتها، وإلى تجديد مستمر، فيجب أن تكون دائما فى حالة إصغاء لما يقوله لها روح الله، لتتوافق مع ذاتها ودعوتها ورسالتها التى من أجلها وجدت.

فهذا يتطلب، أولا أمانة شخصية، ووعى حقيقى، والتزام كامل، وتوبة مستمرة، وأصغاء وانفتاح يومى من كل شخص من الأفراد المنتمين إلى الكنيسة، بغض النظر عن مكانه فيها. فمن يصلح الكنيسة ليس فقط قياداتها، بل كل افرادها، بطاعتهم المخلصة لما يطلبه منهم الله، وبأمانة وشفافية حياتهم.

11- ما هى مواصفات الواعظ المعاصر فى تقديرك فى عصر العلم والتكنولوجيا؟

أظن أن مواصفات الواعظ المعاصر الإلمام بكل معطيات إيمانه الحقيقي، وأن يمتلك الأدوات اللازمة لإعلانه لعالم اليوم، بالشكل والأسلوب المناسب، مستفيدا من كل وسائل التطور العلمى، والإنسانى والتكنولوجي. فلا تعارض أبدا بين الإيمان الحقيقى والعلم الحقيقي. فليس أسوأ من عقل بلا إيمان إلا إيمان بلا عقل. ومن اساسيات هذه المواصفات هى المصداقية، أى ان يكون الواعظ حقيقيا وليس مزيفا. أى ان يقول ما يعمل ويعمل بما يقول

12- ضع لنا روشتة لتجديد الخطاب الدينى المسيحى.

لتجديد الخطاب الدينى نحتاج إلى عدة عناصر:

أ‌.       تجديد الفكر الدينى والخبرة الدينية

ب‌. معرفة حقيقة الدين فى أصوله وفروعه

ت‌. معرفة عميقة بكل الموروث الدينى الأصيل.

ث‌. عدم الخلط بين النص المقدس، وتفسيراته المتنوعة والمتعددة، بحسب كل مكان وزمان، واتجاه فكرى أو مدرسة روحية أو لاهوتية.

ج‌.   امتلاك الأدوات اللازمة للتعبير عن صحيح الدين، القديم منها والحديث.

ح‌.   الأمانة لهذا التعليم.

خ‌.   قدرة على التفاعل مع متغيرات العصر واحتياجات إنسان اليوم.

د‌.     معرفة وافية لظروف واحتياج المجتمع الذى يُعاش ويُمارس فيه الدين.

ذ‌.     القدرة على الإبداع والتطوير فى الوسائل والأدوات مع الأمانة لثوابت الدين الحقيقية.

ر‌.    معرفة ما هو جوهرى وما هو عرضى فى حيات الانسان واحتياجاته.

ز‌.    البعد عن الدعاية الرخيصة فى مجال الدين، فلا يخلط المقدس بالدنىء من الدنيوى.

س‌.شجاعة قول وإعلان الحق بالأسلوب وفى الوقت المناسب.

ش‌.عدم الفصل بين الدين والحياة، فالدين فى خدمة الحياة.

ص‌.         الحفاظ على القيمة العظمى والكرامة السامية التى منحها الخالق سبحانه وتعالى للإنسان

ض‌.         معرفة أن الدين هو من أجل رفعه الإنسان واعلاء شأنه وحفظ كرامته، وبث روح الفرح والرجاء والسلام والفضيلة فى حياة الناس، وليس لتأنيبهم وهدمهم والحط من كرامتهم فالأديان هى أساس منظومة القيم التى يرتقى بها الانسان، وتُعمّر بها الأوطان.

ط‌.   تبنى الأسلوب المهذب حتى فى التعبير عن الاختلاف، ومراعاة الاخلاق الحميدة حتى مع الخصوم إن وجدوا

ظ‌.   نقيِّم بموضوعية وندع الحكم لمن بيده الحكم.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة