بعد مطالبات عديدة من مواطنى محافظة الدقهلية لمحافظين متعاقبين باستغلال مقر استراحة الخديوى إسماعيل الأثرية، بعد تدمير متظاهري 25 يناير في 2011 للمقر بالحرق، وفقدان الكثير من أمهات الكتب والوثائق والخرائط التاريخية، التي كانت محفوظة به؛ لتكون مقرا لمتحف أعلام الدقهلية أعلن الدكتور كمال شاروبيم، محافظ الدقهلية عن تخصيص 6.5 مليون جنيها لإنشاء متحف أعلام الدقهلية، ليضم أهم 50 شخصية فى مختلف المجالات التاريخية والدينية والفنية والثقافية، لكن المفاجأة كانت في خلو القائمة من إسم الدكتور إبراهيم أبو النجا مؤسس جامعة المنصورة؛ وتجاهل تكريمه بضمه لأعلام المحافظة؛ لذا توجهت اليوم السابع للبحث في تاريخ الرجل وتفاصيل تأسيسه لجامعة المنصورة وكلية الطب في محاولة لرد إعتبار بطل مجهول له كل الفضل على أبناء جامعة المنصورة لأجيال متعاقبة.
د. إبراهيم أبوالنجا
من هو الدكتور إبراهيم أبو النجا؟
ولد الدكتور إبراهيم ابو النجا في قرية صغيرة هي قرية رأس الخليج البلد التابعة لمركز شربين بمحافظة الدقهلية في 5 مايو سنة 1915م، ونشأ وترعرع بها، وحصل على الشهادة الإبتدائية فى عام 1927م، ثم المرحلة الأولى من البكالوريا في 1930م، وأتم المرحلة الثانية في 1932م، وتمكن " أبو النجا " من تحقيق المركز الأول بالشعبة العلمية على مستوى الجمهورية، وواصل تفوقه وأنهى بكالوريوس الطب بتقدير جيد جدا في 1938م، قبل أن يتم عامه الثالث والعشرين.
وقرر التخصص في أمراض الباطنة، وحصل على دبلوم التخصص من جامعة القاهرة في أكتوبر سنة 1949م، وواصل الدراسة حتى حصل على الدكتوراه بتقدير جيد جدا في 1944م.
ابو النجا في احتفال مع محافظ الدقهلية قبيل وفاته مباشرة
الوظائف والمناصب التي تقلدها مؤسس جامعة المنصورة
طبيب مقيم بوزارة الصحة هي الوظيفة الأولى التي تم تعيين الدكتور إبراهيم أبو النجا في الفترة ما بين 25 فبراير 1929م وحتى 14 يناير 1940م، ثم تم تعيينه معيدا للباثولوجيا بكلية الطب بجامعة القاهرة في 15 يناير1940م، وأصبح مدرسا في 14 يوليو 1947م، ثم أستاذ مساعدا في ديسمبر 1949م.
قرار جمهوري
وفي عام 1960م تم انتدابه عميدا لكلية الطب فرع المنصورة , وفي فبراير سنة 1964م تم نقله إلى الفرع , وعين للإشراف على إعداد مجلة طب المنصورة إعتبارا من اول أغسطس سنة 1964م، ثم عين وكيلا لجامعة القاهرة فرع المنصورة بقرار جمهوري في 11 مارس 1971م، وكان مرشحا لرئاسة جامعة شرق الدلتا بعد استقلالها عن جامعة القاهرة بعد صدور القانون رقم 49 لسنة 1972م بشأن تنظيم الجامعات بإنشاء جامعة شرق الدلتا وهي جامعة المنصورة الآن، وقبيل إعداد مشروع قرار بتعيينه رئيسا للجامعة وافته المنية، وذلك بعد أن حقق العديد من الأعمال البارزة في مجال تخصصه وفي العديد من الميادين التطبيقية والثقافية.
د.ابو النجا
وكان "أبو النجا" مشهورا بين زملائه ورفاقه وتلاميذه بالبساطة والتواضع والتدين، والحرص على نقل العلمه والخبرة لهم، وعمل على نقل خبرات أطباء العالم المشهورين لكلية الطب، وأدخل الكلى الصناعية للمستشفى الجامعي لأول مرة، وحقق رغبة الكثيرين من أساتذة الطب في السفر للخارج للاستزادة من الخبرات والعلوم الطبية المتقدمة، واستطاع خلال سنوات قليلة أن يبني قلعة علمية هي جامعة المنصورة حيث كان يحمل الطوب ومواد البناء على كتفه بنفسه أثناء تأسيسها، وتابعها وأشرف عليها بنفسه حتى زاد عدد روادها عن 12 ألف طالب من طلاب العلم وحقق داخلها روح الأسرة الواحدة المتعاونة.
رفيق التفوق
ولأن الطيور على أشكالها تقع، اختار الدكتور إبراهيم أبو النجا ابن خالته وصديقه المقرب الدكتور عبد المنعم الصدة من نفس قريته، ليقيما معا في شقة مؤجرة بمدينة المنصورة أثناء مرحلة البكالوريا، وكما حقق "أبو النجا" المركز الأول بالشعبة العلمية على مستوى الجمهورية، وأصبح عميدا لكلية طب المنصورة، حقق "الصدة" أيضا المركز الأول بالشعبة الأدبية على مستوى الجمهورية في نفس العام وأصبح عميدا لكلية الحقوق بجامعة القاهرة.
الدكتور إبراهيم ابو النجا مؤسس جامعة المنصورة
إنشاء طب المنصورة وتحويل مطابخ الثانوية لمعامل علمية
أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارا بإنشاء أول كلية للطب بمحافظة الدقهلية في مدينة المنصورة، وكان الدكتور إبراهيم أبو النجا هو المرشح الوحيد لهذه المهمة، وتحمس الرجل، وعاد من القاهرة لمدينة المنصورة في صيف 1962م، ليحقق المهمة المنوطة به على أكمل وجه.
وبدأ في بحث إمكانية إنشاء الكلية، واحتار في بادئ الأمر، حيث لم يجد أمامه مبنى واحدا صالحا لها، وناقش الأمر مع مديرية التربية والتعليم بالمحافظة للسماح له بتحويل المدرسة الثانوية لكلية لدراسة الطب، فهي المكان الصالح الوحيد لهذه المهمة، وكان أمله كبيرا في أن تنتهي مناقشاته مع المسئولين بتحويل هذه المدرسة العملاقة إلى كلية، ولكن لم يتاح له منها إلا مطابخها، فلم ييأس وقرر البحث عن حل لاستغلال المكان؛ فأدخل بعض التعديلات على المبنى، وبالفعل نجح الرجل بفضل همته وعزيمته الصادقة، في تحويلها لمعامل علمية، ومع بداية العام الدراسي الجديد كان في طريقه إلى المبنى القديم بعد التعديل مصطحبا معه 159 طالبا، وبعض الإداريين الذين قبلوا الإنتقال من محافظاتهم والعمل إلى جانبه محبة فيه وإيمانا بالرسالة، وكان هو الأستاذ الوحيد في الكلية حينها، وانتدب عميدا للكلية وأستاذا بقسم الباطنة بجامعة عين شمس في نفس الوقت.
وحينما بدأ الطلاب ممارسة حياتهم العملية داخل المشرحة قام "أبو النجا" بإنشاء أحواض للجثث داخل المشرحة، وأشرف على بنائها بنفسه.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بذل الرجل جهودا في إقناع مدرسي الطب من أبناء محافظة الدقهلية العام العاملين بجامعة القاهرة، لإقناعهم بالعودة إلى محافظتهم لدعم وخدمة الكلية، ولم يكتف بذلك حتى أنه سافر إلى لأوروبا لإقناع المزيد من الأطباء المصريين بالعودة ليقدموا علمهم وخبراتهم للوطن.
جامعة المنصورة تبدأ بالطب والعلوم والتربية والصيدلة
بدأت جامعة المنصورة بأربع كليات فقط، حيث بدأت الدراسة بكلية الطب في 1962/1963م، وكان الدكتور إبراهيم أبو النجاعميدا لها، وضمت 159 طالبا، وتخرجت الدفعة الأولى بنجاح 90 طالبا في 1967/1968م، وافتتح قسم الدراسات العليا بالكلية في 1967/1968م، وتقدم للإلتحاق بها 23 دارسا بالدبلوم، و 6 طلاب لتحضير الماجستير، ووصل عدد الطلاب في البكالوريوس في العام التالي لـ 250 طالبا تخرج منهم 229 طالبا، و التحق 70 طالبا بالدبلوم، و 7 بالماجستير، و 9 بالدكتواره.
وفي العام التالي، وبالتحديد في 1969/1970م تم إفتتاح كلية العلوم والتحق بها 160 طالبا، وتزايدت أعداد الطلاب المقبلين على دراسة العلوم بشكل كبير في عام 1971/1972م، ووصل إلى 524 طالبا بالبكالوريوس، و 44 بالماجستير، و 10 بالدكتوراة.
وفي ذات العام 1969/1970م افتتحت كلية التربية لتصبح الكلية الثالثة بجامعة المنصورة، وبلغ عدد المتقدمين للإلتحاق بها 200 طالبا. وفي 1971/1972م تضاعفت أعداد الطلاب بشكل لافت حتى وصل إلى 934 طالبا بمرحلة البكالوريوس، و254 بالدبلوم، و7 بالماجستير، و 2 بالدكتوراة .
ولحقت كلية الصيدلة بنظيراتها في جامعة المنصورة، وتم افتتاحها في عام 1970/1971 م، وقُبل بها 148 طالبا، وتزايد العدد ووصل إلى 350 طالبا في 1971/1972م.
وحرصا على راحة الطلاب وتوفير الإستقرار لهم تم تخصيص مدينة جامعية للإقامة بها لهم في 1968/1969م، والتحق بها حينها 56 طالبا، و34 طالبة، وارتفعت الأعداد إلى 177 طالبا، و164 طالبة، في 1971/1972م.
"أبو النجا" يتقبل النقد ويؤمن بحرية الصحافة
على المستوى الإنساني كان الدكتور "أبو النجا" معروفا بالطيبة والتواضع والإيثار، ويتقبل النقد الموجه له، أو إلى أي عمل يقوم به، ويتأكد ذلك بموقف حدث معه حينما كان رئيسا لمجلس إدارة المستشفى الجامعي، حيث كتب أحد الصحفيين ينتقد الإهمال في المستشفى وشكوى المواطنين من سوء الخدمة الصحية، وتكاثر الناموس بالمكان، ولأن النقد كان لاذعا، استفز الإدارة التي كذبت الخبر بالعديد من التليفونات، وأحدث ذلك النقد ضجة كبيرة داخل أروقة المستشفى، فما كان من "أبو النجا" إلا أن دعا مجلس إدارة المستشفى على الفور للإنعقاد؛ لمناقشة ما نشر، وفاجأ الجميع برد فعله وتأكيده على أن كل ما قيل حقيقة، والواجب هو عدم دفن الرؤوس كالنعام في التراب، بل اتخاذ كافة الإجراءات لحل تلك المشكلات، واتصل بالصحفي ودعاه لمكتبه لإطلاعه على الإجراءات والتدابير التي اتخذت، وتقديم تقريرا مفصلا بها؛ مؤكدا على إيمانه بحرية الصحافة والنشر للنقد البناء لعلاج الخطأ وحل المشكلات.
فلسفة خاصة للموت.. مجرد تغير حال
كان للدكتور إبراهيم أبو النجا فلسفة خاصة في الموت فكان يعتقد أنها مجرد تغير حال وفقا لما ورد على لسانه في غحدى المحاضرات التي قام بإلقائها بجمعية الشبان المسلمين بمدينة المنصورة تتناول حقيقة الموت والحياة يقول فيها: (لا شك أن كلمة الموت كلمة تزعج النفوس وترتعد لها الفرائص، وكثيرا ما تذهب لها العقول شعاعا، ولكني أعتقد أن هذا الذي نحن عليه خطأ كبير مصدره سوء تقديرنا لماهية الموت، وعدم معرفتنا لحقيقة الموت، فالموت كما يقول الإمام الغزالي ليس إلا تغير حال فقط، أي أنه انتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، فلنا إذن حياتان إحداهما هنا والأخرى هناك.. حياتنا هنا محدودة والأخرى خالدة.. حياتنا هنا دنيا والآخرة عُليا.. فأنت بموتك تنتقل من دار الفناء إلى دار البقاء، وإذا كان الأمر كذلك فلما الإنزعاج ؟! إذا كان الواحد منا يعيش في غابة سكانها وحوش آدمية وغير آدمية يعيشون على الخديعة والنفاق والأثرة وكل موبقة ولا تجد من غيرها مسكنا، ومن غير سكانها بدلا، وإذا كنت تعيش في مثل هذا الجو وأبدلناك به بستانا أغنى، ومسكنا أهنأ ومركبا موطئا، فهل يدعو ذلك للكدر والحزن والويل والثبور؟! إنما يحزن للموت رجلان أحدهما عاصي يخشى العقاب، والثاني كافر بيوم البعث والحساب. إننا لا نفنى بالموت بل نخلد وإنما ينقطع العمل بذهاب وسائله وهو الجسم والجوارح) .
وفاته على الطريق في سبيل العلم
وقف الدكتور إبراهيم ابو النجا حياته لخدمة العلم والجامعة وظل يعمل في صمت وإخلاص حتى توفي في عام 1973م عن عمر يناهز 58 عاما، وهو في طريقه من المنصورة إلى القاهرة لحضور المؤتمر الثاني لإتحاد الجامعات العربية حيث داهمته أزمة قلبية بجوار مدينة أجا بمحافظة الدقهلية، وهو يركب إحدى سيارات الأجرة ومعه ركاب من المواطنين العاديين لرغبته في عدم تكليف الدولة أي نفقات ورفض بإيباء أن تخصص له سيارة خاصة مثل أقرانه، فشعر به سائق السيارة والركاب، وأسرع بركابه عائدا إلى المستشفى الجامعي بالمنصورة، وقبل الوصول فاضت روح "أبو النجا" لبارئها، وفي يده المصحف الشريف الذي كان يلازمه دائما ولم تفلح محاولات أبنائه وتلاميذه من الأساتذة الأطباء في إنقاذه، ورغم معاناته الواضحة من إضطراب في القلب والدورة الدموية، قبل وفاته، وعلمه بحالته فضل أن يحيا متحركا نشيطا لشهور طويلة على أن يحيا سنوات راقدا لا يستطيع الإنجاز.
مُدرج جامعي ومدارس باسم "أبو النجا"
رحل الدكتور إبراهيم أبو النجا عن الدنيا، وبقيت محبته في قلوب أهل بلدته ورفاقه وتلامذته، وتقديرا لجهوده وإنجازاته العظيمة أطلق اسمه على أكبر المدرجات الدراسية بكلية الطب بجامعة المنصورة، بالإضافة إلى 4 مدارس بمسقط رأسه " قرية رأس الخليج " وهى: (مدرسة الدكتور إبراهيم أبو النجا 1 الإبتدائية، أبو النجا 2 الإبتدائية، أبو النجا الإعدادية الرسمية، أبو النجا الثانوية المشتركة)، بالإضافة إلى نصب تذكاري بمبنى إدارة جامعة المنصورة، تم تصميمه في عهد الدكتور أحمد بيومي شهاب الدين، الرئيس الأسبق لجامعة المنصورة، والذي نظم حفلا تكريما له وتخليدا لذكراه؛ لتعرف الأجيال الجديدة من هو الدكتور إبراهيم أبو النجا.