من رحم معاناتهن خلقن الأمل، تقاسمن الحزن والفرح سويا.. فعلى الرغم من اختلاف تفاصيل القصص التى ينطقن بها.. إلا أن رغبتهن فى التحقق والوصول باتت واحدة، ففى سنواتهن الأولى قُدر لهن الانضمام لصفوف المتزوجات كغالبية فتيات القرية.. بين ليلة وضحاها أصبحت الفتاة التى لم تتجاوز الخمسة عشر عاما مسئولة عن أسرة كاملة، قوامها رجل يكبرها بضعف عمرها، وأطفالا يزيدون من أعباءها ويشبهون أمهم فى براءة أحلامها.
حياة جديدة أساسها عادات وتقاليد وموروثات ثقافية بالية، فُرضت عليهن وأجبرتهن على ترك الدراسة، ليعشن حياة زوجية بديلة يجهلن فيها بحقوقهن وواجباتهن وتكون النتيجة تعنيفهن على يد من قُدر لهن العيش خلف ظلهم.. حتى الآن تبدو البدايات متشابه ولكن جاءت نهايات هؤلاء السيدات التى تحملها السطور التالية، مغايرة تماما للمعتاد بعدما قررن العيش من جديد بطريقة مختلفة وحولن معاناتهن تلك لقصص وحكايات مُلهمة، فالتحقن بفصول محو الأمية وبدأن مشروعاتهن الخاصة، فهذه المرأة الأربعينية اختارت ماكينة الخياطة لتكون مفتاح وسبيل عيشها وكسب رزقها، وتلك قررت نقل معرفتها المتواضعة لأطفال القرية وتعليمهم القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم أما الثالثة فأصبحت شاعرة يشار اليها بالبنان داخل قريتها وتزين دواوينها أرفف منزلها.
فى "الشنباب" أو قرية "بوش الباب" كما كان يُطلق عليها نظرا لوجودها فى مدخل مركز البدرشين بمحافظة الجيزة، والتى تفصلها 24 كم عن "القاهرة" العاصمة، تجد نساء يحرصن على توريث ثقافة مغايرة بديلة لأطفالهن بأفكار عصية رافضة ومتمردة على كل ما تعرضن له طوال حياتهن، ينقلن لهم تجارب وخبرات تكبرهم عشرات السنين حتى لا يلقون نفس مصير امهاتهم.
"أم كلثوم" تعلمت سرًا وأخفت الكتب أسفل ملابسها حتى حصلت على الدكتوراه
داخل منزل متواضع مصنوع من الطوب اللبن، تُزين جدرانه شهادات التقدير والأوسمة، اجتمع خمسة من سيدات القرية لكل منهن حكاية، فى منزل كبيرتهم "الدكتورة أم كلثوم" كما يطلقون عليها، سيدة فى منتصف الأربعينات، يكفى أن تنطق اسمها بمجرد وصولك للقرية لتجد الجميع يتسابق فى ارشادك لطريقها.
منذ أن أجبرها والديها على ترك التعليم والزواج وهى فى الثالثة عشر من عمرها، كانت تحلم باليوم الذى تعود فيه لصفوف الطلاب مرة أخرى، وهذا ما حققته بالفعل بعدما نجحت فى اقناع زوجها بالالتحاق بفصول محو أميه داخل قريتها وأتمت الدراسة فيها وتدرجت بشهادتها حتى وصلت إلى المرحلة الجامعية وبعدها الماجستير ثم الدكتوراه فى مجال الإعلام.
تسرد أم كلثوم تفاصيل قصتها قائلة، رفض أهلى إلحاقى بالمدرسة بحجة أن -البنت ملهاش غير بيت جوزها وأن تعليم البنت عار وعيب -، وكثيرا ما كانوا يقابلوا بكائى وتوسلى لهم بالسخرية قائلين " هنصرف على تعليمك ولا على زواجك ".
كانت الفتاة صاحبة الثلاثة عشر عاما دائما ما تشعر بالغيرة عند رؤيتها للأطفال ذاهبين وعائدين من مدارسهم، تتحسر على حالها وتتمنى لو وُلدت ذكرا لتنعم بحظ أوفر فى مجتمع ريفى بات يعطى للذكور حقوق ومميزات تُحرم منها الفتاه طوال حياتها " فى طفولتى كان أحد اقاربنا يحرص على زيارتنا، يأتى الينا محملا بالكتب المدرسية فأجلس إلى جواره واطلب منه أن يعلمنى وبدأ معى بالحروف وتكوين الكلمات واستعرت منه بعض الكتب التى كان يملكها وعلمت نفسي".
وتتابع: بعد الزواج قررت الالتحاق بالقسم الليلى الذى تم إنشائه قبل فصول محو الأمية بالقرى، وكان مخصص للذكور فقط، وواجهت اعتراض كبير من القائمين عليه ومن أسرتى، فذهبت اليه سرا خوفا من ردود فعل أهل القرية، وكنت أذهب للامتحانات فقط وأقوم بالدراسة من المنزل.
ظاهريا كانت تواظب الفتاه على القيام بالأعمال المنزلية على أكمل وجه ترعى زوجها وصغارها وفى الخفاء كانت تسهر ليلا للمذاكرة ولا تنام سوى ساعتين يوميا، " كانت حماتى تطلب منى أن انام جوارها فى المساء لتضمن الا استيقظ للمذاكرة وكنت عندما أذهب للمدرسة لتأدية الامتحانات أخفى الكتب أسفل ملابسى حتى لا يراها أحد حتى لا تزعجنى كلمات أهالى القرية ".
وتكمل: أنجبت 4 أطفال بالرغم من ذلك لم أقصر فى الاهتمام بمنزلى، أو دراستى ونجحت وحصلت على شهادة بمعدل 6 ابتدائى وذهبت لتسجيلى فى صفوف المرحلة الإعدادية ولكنى واجهت رفض المدير المختص الذى عاملنى بقسوة وداوم على طردى حتى وافق فى النهاية ونجحت وحصلت على المرتبة الأولى على المدرسة..وبعدها ساعدنى زوجى وشجعنى للحصول على شهادة الثانوية العامة ثم التحقت بكلية الإعلام نظام التعليم المفتوح وحصلت على الماجستير ثم الدكتوراه وحاليا نجحت فى تعليم أكثر من 600 رجل وامرأة فى فصول محو الأمية، والتحقت باتحاد الكتاب، وألفت العديد من الكتب، والشعر.
أظهر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مسحه الأحدث بسبتمبر 2017 أن هناك تراجع فى نسبة الأمية فى مصر مقارنة مع عدد السكان، حيث وصلت النسبة إلى 25.8 % بعدما كانت 29.7 % قبل عشر سنوات من هذا التاريخ. وفى السياق ذاته اعلنت هيئة "محو الأمية وتعليم الكبار" العام الماضى أن أعداد الأميين فى مصر وصلت إلى 17.6 مليون أمى، بنسبة 20.3%، منهم 11 مليون شخص أمى من الإناث من بينهم 7.5 مليون سيدة وفتاه فى المناطق الريفية وحدها.
"انتصار" فكرت فى الانتحار والتحقت بفصول محو الأمية بعد مرض نجلها
اتخذت قرار الالتحاق بفصول محو الأمية منذ 6 أشهر فقط، اختارت أن تتمرد على حزمة العادات والتقاليد التى اجبرتها على الانضمام لصفوف المتزوجات قبل أن تتجاوز الخمسة عشر عاما، تسترجع "انتصار" صاحبة الخمسة والأربعين عاما تفاصيل قصتها بعد أن استطاعت العودة لحلمها القديم وتستكمل تعليمها:"تركت المدرسة فى المرحلة الابتدائية بعد أن وصلت للصف السادس، فكنت دائما ما تخبرنى أمى أن الفتاه ليس لها إلا بيت زوجها وأن التعليم لا فائدة منه كنت لا أعى من الدنيا شيئا، رضخت لرغبتهم وتركت الدراسة ".
وعن تفاصيل زواجها تقول "انتصار" وهى تمازح أحفادها: تقدم لى أحد أقاربى وأنا فى الحادية عشر من عمرى وافقت والدتى من باب الستر وتخفيف الأعباء من على عاتقهم ولكن سرعان ما تم فسخ الخطبة، لحداثة عمرى وعدم درايتى بكثير من الأشياء، وما أن مرت بضعة أشهر حتى تمت خطبتى مرة أخرى لشخص أخر وتزوجنا رغما عنى وفشلت محاولاتى فى اقناع أهلى بأن يتركونى اعيش طفولتى بسبب الظروف المادية الصعبة ".
وتتابع:" كنت طفلة لا تعلم عن الزواج شيئا سوى فرحتها بمساحيق التجميل التى تضعها على وجهها يوم فرحها وفستانها الابيض الذى سيزين جسدها لأول مرة، وانتقلت للعيش فى بيت عائلة زوجى ورأيت الذل بعينى بالإضافة لكم المسؤوليات الجديدة التى اصبحت ملقاة على عاتقى.
وتكمل:"فى حياتى الجديدة كثيرا ما شعرت بالندم، لتركى المدرسة والزواج، بعدما انتزعنى اهلى من الشارع حيث اللعب مع الأطفال فى سنى والقوا بى فى عالم الكبار وصراع "السلايف"، فى البداية فشلت فى التكيف مع طلبات أهل زوجى التى لا تنتهى، وبخلاف هذا كله كثيرا ما كان يعاقبنى زوجى بالضرب المبرح حتى يترك أثرا على جسدى، عندما يعود من عمله ويستمع لشكاوى أهله وكانت حجته فى ذلك انه يتخلص من ضيقته، فلا يجد سوى جسدى متنفسا له لينال رضا بيت العائلة، لدرجة اننى ذات مرة فكرت فى الانتحار بعد أن أسودت الحياة فى عينى، وأقدمت على تناول بعض من الأدوية لأتخلص من تعاستى ولكنهم أنقذونى".
وتضيف: "صبرت ومع الوقت تكيفت مع الأجواء وحاولت الحفاظ على منزلى، خوفا على أبنائى الثلاثة ومستقبلهم، ولكن استمرت غصة حرمانى من التعليم فى داخلى تعكر صفو حياتى، وحاولت تعويض ذلك فى أبنائى الثلاثة، وحثتهم على الاجتهاد وكنت أذاكر برفقتهم أقرأ فى القصص والكتب الخاصة بهم ليل نهار لأسترجع مهارات القراءة مجددا".
كان مرض نجلها، نقطة فارقة فى حياتها قررت بعدها الا تستسلم لحياتها العادية وتلتحق بفصول محو الأمية، تتذكر تفاصيل الليلة التى خرجت فيها كالمجنونة على أطراف القرية تبحث عن أى طبيب أو وسيلة نجاه لطفلها " كنت كالشخص الأعمى الذى يبحث عن وسيلة مساعدة فى أى مكان حولها، ولا أعرف كيفية التصرف أو التعامل بمفردي".
ومن هنا دخلت "انتصار" عالمها الجديد بعدما أطلقت مشروعها الخاص ومكثت خلف ماكينة الحياكة تصمم وتنفذ المفروشات والملابس لنساء القرية وتساعدهم على تعلم تلك الحرفة لمساعدة انفسهم، ورفضت تكرار ما حدث معها ومرت به طوال سنوات عمرها الخمسة والأربعين مع ابنتها "لم أوافق على زواج ابنتى فى سن صغيرة ولم أسمح أن يتكرر معها ما حدث معى حتى لا تشهد نفس مأساتى وبالفعل ساعدتها على إتمام تعليمها وحصلت على شهادة لتكون بمثابة "سلاح" يحميها وتزوجت بعد بلوغها 20 عاما.
رضا الدنبوقى، المحامى الحقوقى ومدير مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، يقول أن الأسباب التى تدفع الإناث للتسرب من التعليم أغلبها اقتصادية واجتماعية وثقافية، فالأسر فى القرى وبعض المناطق النائية تعانى من الفقر، وارتفاع عدد الأطفال، ومن هنا يمتنع الكثير منهم للدفع بالأطفال للذهاب لتلقى التعليم، وتكون الأنثى هى صاحبة نصيب الأسد فى تلقى العنف الأسرى، ومن هنا يجب أن يظهر دور الدولة فى حمايتهن اجتماعين وتمكينهم اقتصاديا، والقضاء على الفجوة بين تفضيل الذكور على الإناث.
وأضاف الدنبوقى، أن الأسر لا تدرك أهمية تعليم الفتيات، وكيف أنه يؤثر على تدمير مستقبلها فى إنتاج أسر مستقرة اقتصاديا ونفسيا، وتتحول الطفلة التى تتزوج فى سن مبكرة لأداة للإنجاب، وضحية لأم الزوج، لتعانى من العيش فى دائرتها، ولا تستطيع أن تأخذ قرار بمفردها، ولا حتى تفيد أولادها، التى من الممكن أن تفقدهم ويموتوا بسبب جهلها، وهو ما يدفع الكثير من النساء للبحث عن التعليم بعد بلوغ سن معينة، لحماية أنفسهم وأطفالهم من مخاطر الجهل.
وأكد، أن الدولة، يقع على عاتقها حماية الإناث من الحرمان من التعليم، وفقا لنص المادة 11 من الدستور، بعد أن وصلت نسبة الفتيات اللاتى تزوجن وهن أطفال لـ118 ألف حالة العام الماضى، بخلاف أن نص المواد القانونية الخاصة بالتعليم، تتحدث عن كون التعليم إلزامى ولكن دون عقوبة للأهل الذين يتخلفوا عن إرسال أبنائهم للمدارس، كما فى الزواج المبكر وعقد الخطبة للأطفال، فنجد أن ور المجلس القومى للأمومة والطفولة، دوره ينحصر فى إلزام الأباء الذين ارتكبوا ذلك الجرم فى حق الأطفال، فى توقيع إقرار بعدم الزواج، دون مثلا وضع عقوة بنزع الطفل منهم وإرساله إلى دار رعاية، لحين تقويم تلك الأسر، وفقا لنص قانون الطفل مادة رقم 96 وقانون الاتجار بالبشر مادة رقم 64.
وتابع، النماذج المضيئة التى يتمردن على العنف ويتحدوا الظروف ويذهبن لفصول محو الأمية، وذلك بعد الشعور بالعجز أمام أولادهن، ورغبة لعدم تكرار تجربتهن السنة مرة أخرى، يكون لديها الدافع للبحث عن العمل، والحصول على الشهادة كسلاح ضد البيئة المحيطة بها، لنرى مئات السيدات يوميا يلجئون لفصول محو الأمية، ولكننا ما زالنا فى حاجة لتشجيعهن بشكل أكبر، لزيادة الإقبال، ذلك للتغلب على مشكلة عدم امتلاكهن وقت أو دخل، وذلك بخلق مشاريع تنموية صغيرة.
واختتم قائلا إن السيدات، يكون لديها الدافع فى مساعدة غيرهن ممن يتعرضن للعنف الأسرى، وهو ما نلمسه فى سيدات استطاعت للوصول إلى المرحلة الجامعية والثانوية، وأخذ شهادة محو الأمية، ومن أبرز تلك الحالات هى لسيدة بالمنصورة قررت التصدى لزوجها لرفض ختان أبنتها، وإجباره لإلحاقها بالمدرسة.
"كسبانة": كنت أتخفى لأستكمل تعليمى.. وتحولت من طالبة لزوجة مسئولة عن 11 فردًا
كثيرا ما تسخر من اسمها، تنطق به أمام من تلتقيهم للمرة الأولى وسرعان ما تدخل فى نوبة ضحك هستيرية، خاصة وانه ليس لها نصيب من اسمها كما تقول دائما ،"كسبانة" ذات السبعة وأربعين عاما.. واحدة من سيدات قرية الشنباب بالبدرشين، حاصرتها دائرة من الجهل والفقر كغالبية السيدات والفتيات هناك خوفا من وقوعهن فريسة للعلاقات غير الشرعية وجلبهم العار لذويهم، فكانت النتيجة هى زواجها فى عمر السبعة عشر عاما "تزوجت من صديق شقيقى وكان حظى الأوفر من بين شقيقاتى حيث أننى الكبرى والوحيدة بينهن التى اتممت تعليمها حتى المرحلة الثانوية ولكن حتى علامى هذا لم يشفع لى وتزوجت رغما عنى وواجهت تحديات كثيرة فى بداية حياتى الزوجية لكى استكمل دراستى، خاصة وأننى كنت فى الصف الأول الثانوى وفى الوقت نفسه أقوم بالواجبات والأعمال المنزلية وخدمة عائلة مكونة من 11 فردًا".
وتضيف: زادت الأعباء باكتشافى لحملى بعد أربعين يوما فقط من زواجى، وكنت يوميا أرتدى العباءة وأذهب إلى منزل والدى لارتداء الزى المدرسى، وأتجه للمدرسة حاملة الكتب الدراسية وأعود مرة أخرى فى نهاية اليوم لمنزل أبى وأترك كل شيء وأرتدى العباءة مرة أخرى لأعود لمنزل زوجى وأتحول من طالبة لزوجة فى غضون دقائق وكانت هذه هى الطريقة الوحيدة لإتمام حلمى والهروب من غضب أهل زوجى وفى الوقت الحالى أسعى لإرضاء طموحى وتحقيق شغفى باستكمال التعليم فى المرحلة الجامعية.
"شربات" تركت الأمية وأصبحت محفظة للقرآن الكريم
"حظى وحش".. بتلك الكلمات لخصت "شربات" ذات الستة وثلاثين عاما ما حدث معها على مدار سنواتها الماضية فتقول "حُرمت من الذهاب إلى المدرسة بسبب مشكلة فى الأوراق صادفت والدى، قرر بعدها أن أمكث فى البيت وحتى الآن أدفع ثمن هذا غاليا وكثيرا ما كنت أشعر بالحسرة وأبكى بشدة عندما أمسك بكتاب أو كراسة وانظر لما فيه من كلمات غير مفهومة".
18 عاما قضتهم "شربات" بين جدران منزل والديها مكتفية بأدائها للأعمال المنزلية ويتم تحضيرها للمرحلة التالية وهى الزواج وهو ما حدث مع أول شخص تقدم لخطبتها، حيث وافق أهلها على الفور وتم تزويجها لمن يكبرها بـــ12 تبعا للعرف السائد فى القرية والذى يسرى على كل الفتيات هناك هربا من لقب "عانس" الذى يلاحق كل من تتخطى 11 عاما ولم تتزوج.
تقول "شربات" عن بدايات تحول حياتها إلى الأفضل والسر وراء ذلك " عشت سنوات برفقة زوجى، وأنجبت أطفالى وبعدها قررت الالتحاق بفصول محو الأمية، وكان لدى إرادة قوية وأقنعت زوجى حتى حصلت على الدبلوم، واستطعت خلال سنوات الحصول على الإجازة لتحفيظ القرآن.. أذكر أول مرة أقرا وأنطق فيها حروف القرآن ومدى صعوبة ذلك وأضحك كثيرا كلما اتذكر جلوسى امام منزل معلمتى لأطلب منها قراءة أى كلمة يصعب على نطقها أكثر من مرة امامى لدرجة اننى خشيت أن تشعر بالملل منى.. وتغيرت حياتى بفضل ذلك كثيرا. والحمد لله نجحت فى تعليم الكثير من الفتيات التى مررن بنفس ظروفى فى فصول محو الأمية، وكذلك مساعدتهم على حفظ القران.
زينب عبدالرحمن زيدان، رئيس جمعية الخير للغير، تقول أن الجمعية تقوم بالتعاون مع هيئة تعليم الكبار بالقاهرة، وتنظم قوافل للتوعية فى الأسواق الشعبية والمناطق العشوائية، وذلك لحث السيدات على الإلتحاق بفصول محو الأمية.
وأضافت، غالبا السيدات يقبلن بشكل كبير بحثا عن أمل يتمسكن به للخروج من دائرة العنف التى يقعن بها منذ الطفولة، من إجبار على الزواج المبكر، والحرمان من الذهاب للمدرسة بحجة الخوف عليها والستر، أو تفضيل ذهاب الذكور للمدارس بدل عن الإناث، بحجج واهية مثل -البنت ملهاش غير بيتها وهتعمل ايه بالشهادة-، معظم الفتيات التى لجئن إلينا لمساعدتهن.
وتابعت زيدان، من أصعب العقبات التى تواجه السيدات اللاتى يقررن أخذ خطوة التعليم فى فصول محو الأمية، التمرد على العادات والتقاليد والبيئة المحيطة بها، ورفض الزوج أو أم الزوج، والأشقاء الذكور، ومن هنا يأتى دورنا فى أقناعهم، پأهمية التعليم وكيف من الممكن أن يظهر أثره على الأسرة من إيجاد وظيفه مثلا للأم أو مساعدتها لأبنائها.
وأشارت رئيس الجمعية إلى انه فى كثير من الطرق التى تحفز بها السيدات وأسرهن على قبول تعليم السيدات المعيلات، منها ورش تدريبية فى الخياطة والتفصيل، والحفلات والهدايا والمساعدات العينية، والمشاريع الصغيرة، وذلك بالتعاون مع هيئة تعليم الكبار.
و لدينا نماذج مُشَرفة للسيدات اللاتى تمردن على العنف الأسرى واستطعن أخذ شهادات محو الأمية، ومن بعدها التحقن بالمرحلة الإعدادية والثانوية ومنها للجامعة، وأصبحن مدرسات فى فصول محو الأمية ومتطوعات، وذلك لمساعدة غيرهن من المحرومات من التعليم، وذلك فى اعلان منهن لرغبتهن فى رد الجميل.
"فاطمة" أول من أعلنت العصيان داخل قريتها
يتركن التعليم خوفا من النفقات المادية وبحكم أعراف القرية التى تحكم على البنت بأنها لا تملك فى الحياة سوى بيت زوجها فى نهاية المطاف، ولكن "فاطمة" صاحبة الثمانية والثلاثين عاما شذت عن القاعدة وهربت من ذلك المصير المحتوم خوفا من الوقوع فى مأساة من سبقوها.
التحقت "فاطمة" بالمدرسة وسط تأييد شديد من أبويها ولكنها سرعان ما تركتها فور اجتيازها الصف الأول الإبتدائى "تأخرى المتكرر عن المدرسة نظرا لوقوعها بعيدا عن منزلى، وتعنيف المعلمين الدائم لى كانا سببين كافيين لكرهها وقتها وعدم الذهاب اليها مرة أخرى، ونظرا لكثرة عددنا داخل الأسرة انشغل ابى وامى بتوفير متطلبات الحياة لنا نظرا لظروفنا المعيشية الصعبة ولم يحاولا اقناعى بالعدول عن هذا القرار ".
قررت فاطمة أن تتراجع عن هذا القرار خلال السنوات القليلة الماضية، ادركت متأخرة اهمية التعليم فاختارت أن تستكمله داخل فصول محو الأمية، "تغيرت كثيرا، التعليم ساعدنى على فهم وإدراك كثير من الأمور التى تحدث حولى وكان أولها رفضى التام الزواج فى سن صغيرة خوفا من تكرار مأساة بقية الفتيات فى القرية فالكثير من الفتيات حولى تزوجت وتطلقن بعد فترة قصيرة بسبب العنف، لذا تحملت نظرات الجميع لى وتهكمهم على وحتى لقب " العانس" الذى يطلقونه على تعايشت معه فالعيش بمفردى أهون كثيرا من العيش وسط جدران لا أشعر فيها سوى بالإهانة والحسرة.
وتضيف: نجحت فى الحصول على الإعدادية وبعدها حصلت على الدبلوم ثم حفظت القرآن، وحتى الآن لم أجد الزوج المناسب الذى أتأقلم معه ويناسب شخصيتى ورغبتى فى التعلم والاستقلال وإكمال مسيرتى فى مساعدتى للسيدات فى قريتنا، بعدما أصبحت أمينة المرأة فى أحد الأحزاب السياسية بقريتنا.