"سندعم أى اقتراح من شأنه إعادة روسيا إلى عضوية مجموعة السبع".. هكذا قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، خلال لقائه أمس بنظيره الرومانى كلاوس يوهانيس، مؤكدا أنه ربما يكون مناسبا لموسكو الالتحاق مجددا بعضوية المجموعة التى تشمل القوى الاقتصادية الكبرى فى العالم، وهو التصريح الذى قد يثير الجدل من جديد حول مواقف ترامب التى تبدو متعارضة تجاه روسيا منذ صعوده إلى البيت الأبيض، خاصة بعدما انسحب الرئيس الأمريكى مؤخرا من معاهدة القوى النووية القصيرة والمتوسطة المدى، التى وقعتها واشنطن مع الاتحاد السوفيتى فى أواخر الثمانينات من القرن الماضى.
الموقف الأمريكى من عودة روسيا لعضوية المجموعة ليس بالأمر الجديد، فقد سبق للرئيس ترامب وقد أعلن عن رغبته فى ذلك خلال القمة الماضية، والتى عقدت فى كندا، وهو الأمر الذى أثار حالة من الجدل غير المسبوق، بينما أبرز حالة الشقاق التى بات عليها ما يسمى بـ"المعسكر الغربى"، خاصة وأن قرار استبعاد روسيا جاء بالتوافق بين واشنطن، فى عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وحلفائه فى أوروبا، وذلك فى عام 2014، بعدما قررت موسكو ضم شبه جزيرة القرم، ردا على الدور الأمريكى فى عزل الرئيس الأوكرانى فيكتور يانكوفيتش، والموالى لها، وتنصيب رئيس جديد معروف بموالاته لأمريكا وهو الرئيس السابق بترو بورشينكو.
معطيات مختلفة.. المواقف الدولية من موسكو تبدو مختلفة
إلا أن الموقف الأمريكى المتجدد من عودة روسيا إلى المجموعة، ربما لن يحظى بنفس حالة الجدل السابق، ليس فقط لأنه قد سبق وتم الإعلان عنه فى القمة الماضية، ولكن أيضا ربما لأنه سيحظى بقبول أكبر لدى الحلفاء الأوروبيين، بعدما كانت إيطاليا هى الدولة الوحيدة الداعمة لهذه الرؤية فى العام الماضى، خاصة فى ظل مشهد يبدو مختلفا عن العام الماضى، بسبب ارتباط العديد من الدول الأوروبية بمصالح قوية مع موسكو فى الأشهر الماضية، وعلى رأسها ألمانيا، والتى قررت الاعتماد على الغاز الروسى، وهو الأمر الذى أثار حفيظة ترامب، والذى اتهم برلين بـ"التبعية لموسكو".
بوتين وماكرون فى مارسيليا
لم يقتصر الارتباط الأوروبى بروسيا على ألمانيا، وإنما امتد إلى دول أخرى من أعضاء المجموعة، من بينها فرنسا، وهو ما بدا واضحا فى محاولات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لتحقيق قدر من التقارب مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، وهو ما بدا واضحا فى اللقاء الذى جمع الزعيمين مؤخرا فى مدينة مارسيليا، حيث حرص ماكرون على لقاء بوتين فى مقر إقامته الصيفى، لإضفاء قدر من الحميمية، وهو الموقف الذى يبدو مختلفا إلى حد كبير عن الموقف الفرنسى الذى أعلنه ماكرون قبل شهور قليلة، عندما أعلن عن حاجة أوروبا لتأسيس جيش مشترك، لحمايتها من التهديدات التى يمثلها الخصوم، وهم روسيا والصين والولايات المتحدة، وهو التصريح الذى رفضته الإدارة الأمريكية فى حينه.
المعطيات الدولية المتغيرة تمتد كذلك لتشمل بريطانيا، والتى تشهد بداية حقبة جديدة لرئيس وزراء جديد، وهو بوريس جونسون، والذى ربما يتبنى موقفا مخالفا لتيريزا ماى، والتى تبنت نهجا معاديا لموسكو، بعد اتهام حكومتها للرئيس بوتين وحكومته بالتورط فى تسميم العميل الروسى المزدوج، سيرجى سكريبال، على الأراضى البريطانية، وهى الأزمة التى أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فى الأشهر الماضية، خاصة وأن الخط الذى يتبناه جونسون تجاه كافة القضايا يبدو متوافقا إلى حد كبير مع الموقف الأمريكى، وهو ما يتجلى فى قيام البحرية البريطانية بإرسال سفن حربية إلى الخليج، بالإضافة إلى موقف المتشدد من محيطه الأوروبى، وتلويحه المتواتر بالخروج من الاتحاد الأوروبى دون اتفاق.
من العزلة إلى الانتصار.. ترامب قوض أسلحة حلفاءه بالداخل والخارج
يبدو أن موقف ترامب الداعم لموسكو هذه المرة لن يؤدى إلى تلك العزلة التى عانى منها الرئيس الأمريكى خلال قمة مجموعة السبع فى مقاطعة كيبك الكندية قبل عام، خاصة وأن وحالة الامتعاض الأوروبى تجاهه حينها لم تقتصر فى حقيقة الأمر على رؤيته لضرورة عودة روسيا إلى عضوية المجموعة الاقتصادية، وإنما امتد إلى أسباب أخرى، أهمها خروجه عن الإجماع الغربى فى العديد من القضايا الأخرى، وعلى رأسها الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى بشكل أحادى الجانب، وهى القضية التى لم تعد تحظى بزخم كبير فى ظل نجاحه فى إثارة الانقسام داخل القارة العجوز تجاه طهران، خاصة بعدما قررت الحكومة الإيرانية تقليص التزاماتها النووية، وهو ما يمثل انتهاكا صريحا للاتفاق النووى، بالإضافة إلى قيامها باحتجاز ناقلة نفط بريطانيا، وهو ما ساهم بصورة كبيرة فى تخفيف التعاطف الأوروبى مع الحكومة الإيرانية.
امتعاض حلفاء أمريكا من ترامب على هامش مجموعة السبع العام الماضى
الموقف الأوروبى السابق من مقترح ترامب حول موسكو، لم يكن معتمدا فقط على الإجماع الأوروبى، فى ظل تزايد القضايا الخلافية بين الجانبين، وإنما امتد كذلك إلى الداخل الأمريكى، فى ظل تواتر الحديث آنذاك عن دور روسى محتمل فى الانتخابات الأمريكية، والتى فاز بها الرئيس الأمريكى على غريمته الديمقراطية هيلارى كلينتون، بالإضافة إلى لقاءه مع بوتين فى هلسنكى فى يوليو من العام الماضى، والتى أدت إلى زيادة الضغوط الكبيرة فى الداخل عليه، إلى الحد الذى وصل إلى اتهامه بالخيانة.
ترويض الحلفاء.. واشنطن الطرف الأقوى فى معادلة القوة
ومن هنا يمكننا القول بأن حديث ترامب مجددا عن عودة روسيا إلى عضوية المجموعة، هو بمثابة إشارة ضمنية عن نجاحه فى ترويض حلفائه الأوروبيين، والذين سبق لهم وأن خرجوا عن طاعة الإدارة الأمريكية، وهو ما بدا فى موقفهم فى القمة السابقة من اقتراحه الذى أثار قدرا كبيرا من الجدل، حيث أن قادة أوروبا الغربية أبدوا امتعاضهم آنذاك تجاه المقترح الأمريكى، معتبرين إياه دعما لموسكو.
يبدو أن إصرار ترامب على إثارة ملف عودة روسيا بمثابة تأكيد على انتصاره، باعتباره الطرف الأقوى فى معادلة القوة، وبالتالى فهو يحاول التأكيد على قدرته على فرض مواقفه تجاه مختلف القضايا الدولية، وهو الأمر الذى يحتاج إليه فى المرحلة المقبلة، سواء لإدارة القضايا الخلافية مع روسيا، من جانب، أو فى إطار رغبته فى إعادة هيكلة العلاقة مع الحلفاء فى أوروبا، من جانب آخر، أو للترويج إلى قدراته الدبلوماسية فى الداخل الأمريكى، قبل الانتخابات الأمريكية المرتقبة فى العام المقبل، من جانب ثالث.