قمة السبع الكبار هذا العام في مدينة بياريتز جنوب غرب فرنسا، من 24 إلى 26 أغسطس الجاري، سيكون لها طابع خاص، على عدة مستويات، فأولا تواجه المجموعة الخلاف حول مقترح عودة روسيا التى غابت عن المجموعة بسبب الأزمة الأوكرانية، واحتلال جزيرة القرم 2014، ورغم تأييد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمقترح العودة، إلا أنه يبدو أن بوتين سيظل خارج هذا التجمع لفترة قادمة خاصة مع عدم مشاركة رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي الذى كان يؤيد عودة روسيا ولكنه استقال مؤخرا من منصبه .
فهناك شبه إجماع من كل من قادة ( بريطانيا – فرنسا – ألمانيا )، حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن الظروف ليست مناسبة لعودة روسيا إلى مجموعة "السبعة الكبار" واستئناف العمل في إطار "الثمانية الكبار" ، فقال "أوافق المستشارة رأيها تماماً لجهة أنّ الوضع الذي يسمح بعودة روسيا إلى مجموعة السبع لم يتحقّق بعد"، ولفت رئيس الوزراء البريطاني إلى "الاستفزازات التي تقوم بها روسيا، ليس فقط في أوكرانيا، بل في أماكن أخرى كثيرة".
ورغم الخطوة الذكية التى قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، باستقباله الرئيس الروسى فلادمير بوتين، قبل أيام فقط من القمة ، إلا أنه اعترف بأن عودة واستئناف العمل بإطار "الثمانية الكبار"، لا يمكن أن يحدث إلا بعد تسوية الأزمة في أوكرانيا، والحديث عن عودة روسيا بدون أي شروط سيكون دليلا على ضعف "G7".
والاتحاد الأوروبي أيضا يعارض عودة روسيا قبل إزالة الأسباب التي أدت إلى إخراجها منها، ونقلت وكالة نوفستيى الروسية عن مصادر بالاتحاد : "ستكون لدعوة روسيا للمشاركة في لقاءات مجموعة السبعة الكبار "G7" دون أي شروط نتائج عكسية، وستكون هذه الدعوة علامة على ضعفنا والحوار مع موسكو يمكن إجراؤه داخل مجموعة العشرين، معبرا في الوقت ذاته عن اعتقاده بأن مجموعة السبعة الكبار يجب أن تبقى "ندوة للديمقراطيات المتمسكة بالقيم المشتركة".
إلا أنه يبدو أن روسيا هيأت نفسها لعدم المشاركة هذا العام، لكن عندها أمل أن تكون قمة العام المقبل 2020 هي البداية ، فقال المتحدث باسم الكرملين، دميترى بيسكوف، أن روسيا لا تعتبر عودتها إلى مجموعة "الثمانى الكبار" غاية بحد ذاتها، مشيرا إلى وجود صيغ أخرى تتيح حل مسائل كثيرة بفعالية أكبر، مضيفا أن مناقشة قضايا عالمية شاملة، جيوسياسية أو أمنية أو اقتصادية، فى غياب الصين والهند ومجموعة كبيرة من الدول الأخرى، ليست أمرا مثمرا جدا فى الظروف الراهنة.
كما قالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن بلادها تنتظر مقترحات ملموسة بشأن دعوتها إلى قمة "مجموعة السبع الكبار" فى عام 2020.
فالخلاف بين روسيا والدول الكبرى ليس في الملف الأوكراني وفقط، بل يصل إلى ملفات عدة ، على رأسها الملفين السوري والإيراني، فضلاً عن الاتّهامات الموجّهة لروسيا بالتدخّل في عمليات انتخابية عدة، وقضية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال في لندن مارس 2018 والمتهمة به أيضاً موسكو.
ومن أهم المكاسب المصرية في هذه القمة هو حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي للقمة حيث تعد فرصة جيدة لإمكانية الترويج للوضع الاقتصادى لمصر وإظهار ما حدث من نهضة ونجاح مصر فى تطبيق أفضل برنامج للإصلاح الاقتصادي شهد له العالم، خاصة أن حرص فرنسا على مشاركة الرئيس السيسي يؤكد أن مصر استعادت بقوة مكانتها الاقتصادية والسياسة عالميا.
وقد تشهد القمة عقد الرئيس السيسي والفريق المعاون له لقاءات ثنائية على هامش الاجتماعات لزيادة التعاون المشترك مع الدول.
مكانة الدول السبع اقتصاديا
تمثل الدول الأعضاء في مجموعة السبعG7 ، ثلثي الاقتصاد العالمي قياساً بالناتج القومي أى أكثر من 65% من صافي الثروة العالمية (280 تريليون دولار)، رغم أنه لا يزيد عدد سكانها عن 14% من سكان العالم، فيما تمثل القوة العسكرية (تحتل 7 من 8 مراكز الأكثر إنفاقاً على التسلح فضلا عن الأسلحة النووية)، حيث كان مجموع الإنفاق الحربي لمجموعة الثمانية في عام 2005، حوالى 707 مليار دولار أمريكي، بما يشكل هذا 71% من مجموع الأنفاق الحربي العالمي، وتشكل أربعة دول أعضاء المجموعة بما فيهم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة مجتمعة 98% من الأسلحة النووية عالمياً.
ومنذ بدء عمل المجموعة عقدت القمة 43 مرة في جميع أنحاء العالم، وتتضمن أنشطتها مؤتمرات على مدار السنة ، ومراكز بحث سياسية مخرجاتها تتجمع في القمة السنوية التي يحضرها زعماء الدول الأعضاء، ويتم تمثيل الاتحاد الأوربي في هذه القمم، حيث يتم مناقشة عددا من الملفات السياسية والاقتصادية والبيئية التي تخصص الوضع العالمي.
ونجحت مجموعة دول الـ7 خلال الأربعين عاما الماضية، نجحت في تعزيز سياسة الأمن في العالم، وبرامج نزع السلاح ومتابعة التغيرات المناخية العالمية ، وكل عام الدول الأعضاء تتناوب على رئاسة المجموعة، تضع الدولة الحائزة على الرئاسة الأجندة السنوية للمجموعة وتستضيف القمة لتلك السنة.
تاريخيا
نشأت فكرة تجمع الدول الصناعية الكبرى في البيت الأبيض عام 1973، وتحققت على أرض الواقع عام 1975، بمبادرة من الرئيس الفرنسي آنذاك فاليري جيسكار ديستان، وعقدت فى رامبوليت ، واتفق الزعماء على تنظيم اجتماع سنوي تحت رئاسة متناوبة وضمت الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وتحولت لمجموعة الست في العام التالي بعد انضمام اليابان وإيطاليا وكندا.
وفي السنة التالية انضمت كندا إلى المجموعة بناء على توصية الرئيس الأمريكي جيرالد فورد، وأصبحت تعرف بمجموعة السبعة.
ويمثل الاتحاد الأوربي من قبل رئيس الاتحاد الأوربي وزعيم الدولة التي تتولى رئاسة مجلس الاتحاد الأوربي وحضر كل الاجتماعات منذ أن تمت دعوته من قبل المملكة المتحدة في عام 1977.
وبعد انتهاء الحرب الباردة بتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، وبداية بقمة نابولي 1994، دعي المسئولون الروس لحضور هذا التجمع بصفة مراقب، وعرفت المجموعة بمجموعة السبعة زائد واحد، وبمبادرة رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون، انضمت روسيا بشكل رسمي إلى المجموعة في عام 1997، وأصبحت تدعى بمجموعة الثمانية (G8).
لكن مع أحداث أوكرانيا وجزيرة القرم ، خرجت في 2014 بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، ومنذ تجميد عضوية روسيا أصبحت المجموعة تعرف باسم مجموعة السبع.
ومنذ إنشاء المجموعة، احتضنت فرنسا ستة مؤتمرات من مؤتمرات قمة مجموعة الدول السبع، وذلك في كل من رامبويه عام 1975، وفرساي عام 1982، وباريس (آرش دو لا ديفانس) عام 1989، وليون عام 1996، وإيفيان عام 2003، وأخيراً دوفيل عام 2011.
توتر أمنى ومظاهرات المعارضة
تقام القمة فى ظل توتر أمنى شديد ، خاصة بعدما أعلن مناهضون للرأسمالية ومدافعون عن البيئة وغيرهم من المعارضين والمناهضين للعولمة التجمع بمقرهم في أوروني، التى لا تبعد أكثر من 20 كم من مقر قادة السبع الكبار، وإعلانهم عن فعاليات لمدة أسبوع كامل، وكذلك مظاهرة كبيرة في إينداي في الباسك الفرنسية .
واجتمعت بالفعل ثمانين منظمة في مركز تصييف قديم، بمدينة إيرون الإسبانية، على الحدود مع فرنسا، وهدف أعضاء هذه المنظمات هو عقد حوارات للتباحث بشأن القضايا الأساسية في العالم، مثل سياسات الهجرة، وتجاوزات الرأسمالية ومعضلات المناخ، وستنطلق مع بدء أعمال القمة السبت المقبل ، في مظاهرة يشارك فيها أكثر من عشرة آلاف شخص.
ويزيد الأمر ارتباكا هو دعوة مجموعة "بلاك بلوك" (الكتلة السوداء) عبر مواقع التواصل الاجتماعي للهجوم على مراكز الشرطة في باريس خلال قمة مجموعة السبع ، وبالفعل تم القبض على عدد منهم الأيام الماضية ، في ظل خضوع مقر عقد القمة ومداخل مدينة بياريتز التي تتتميز بازدحام كبير في هذا الوقت من العام لحراسة مشددة، مع توقعات بوصول 5 آلاف شخص بين موفدين وصحفيين وفنيين إلى المدينة خلال القمة.
ويواجه هذا التجمع سنويا انتقادات دائمة ، واعتبارأنهم المسئولين عن القضايا العالمية، مثل الفقر في أفريقيا والدول النامية بسبب الدين الخارجي والسياسة التجارية، والاحتباس الحراري بسبب أنبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومشكلة الايدز بسبب السياسة المتشددة في ترخيص الأدوية والمشاكل الأخرى المتعلقة بالعولمة. يتم الضغط على زعماء الدول الثمانية لمحاربة المشاكل المتهمين بإنشائها.
الهيكل والأنشطة
الغرض من مجموعة الثمانية ملتقى غير رسمي، ولذلك يفتقد إلى الهيكل التنظيمي الشبيه بالمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي، فلا يوجد للمجموعة سكرتارية ثابتة، أو مكاتب لأعضائها.
تدور رئاسة المجموعة سنوياً بين الدول الأعضاء، وتبدأ فترة الرئاسة من 1 يناير من كل سنة. الدولة الحائزة على الرئاسة مسئولة عن التخطيط واستضافة مجموعة من الاجتماعات الوزارية، استعدادا للقمة النصف السنوية التي يحضرها زعماء الدول الأعضاء.
تجمع الاجتماعات الوزارية الوزراء مسئولين عن حقائب مختلفة من أجل مناقشة قضايا مشتركة أو ذو بعد عالمي. يتضمن مجال المواضيع الصحة وتطبيق القانون والعمالة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والطاقة والبيئة والعلاقات الخارجية والقضاء والقضايا الداخلية والإرهاب والتجارة.
وهناك مجموعة من الاجتماعات المنفصلة تعرف بمجموعة الثمانية زائد خمسة "G8 + 5"، أنشئت في قمة 2005 في جلينديلز، اسكتلندا التي حضرها وزراء الاقتصاد والطاقة من الدول الثمانية الأعضاء، بالإضافة إلى الخمس دول الامتداد : الصين والمكسيك والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. في يونيو 2005، اتفق وزراء العدل والداخلية من دول مجموعة الثمانية على وضع قاعدة بيانات دولية في بيدوفيلس. كما اتفق زعماء مجموعة الثمانية على تجميع المعلومات عن الأنشطة الإرهابية، عرضه لقيود قانون الخصوصية والأمن لكل دولة على حدة.
وبسبب مظاهرات المناهضة للعولمة، وكان أكبرها في القمة السابعة العشرون في جنوة 2001، فمنذ تلك القمة، تم استضافة القمم خارج المدن الرئيسية، واليوم الافتتاحي لقمة 2005 في اسكتلندا تزامن مع هجمات إرهابية متتابعة في لندن.
ترامب وأزمة قمة كندا
لعل من مهام هذه القمة معالجة أزمات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، والتى كان منها الحرب الكلامية مع أغلب أطراف أعضاء المجموعة فى قمة 2018 بكندا ، وخاصة بعدما انتقد ترامب ومستشاريه رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، واتهموه باتباع "دبلوماسية سيئة النية"، وانتقادات المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لقرار انسحاب ترامب قبل تأييد البيان الختامي للقمة وصفته بانه أمر "مقلق ومحبط".
أجندة القمة
وتعد من أهم القضايا الاقتصادية المطروحة على القمة ، هو قرار وزراء مالية المجموعة في شانتيي شمال العاصمة الفرنسية قبل أسابيع بشأن عملة "ليبرا المشفرة"، التي يعتزم موقع فيس بوك طرحها في صلب جدول أعمال المجموعة، واتفق وزراء المالية على ضرورة أن يبقى "اليورو الوسيلة الوحيدة للمدفوعات في أوروبا .
وتضم محاور اجتماعات القمة ، مسألة مكافحة انعدام المساواة، حيث تطالب فرنسا الالتزام في قيام الدول بأنشطة حازمة من أجل إحلال السلام ومكافحة التهديدات الأمنية والأعمال الإرهابية التي تقوّض أُسس مجتمعاتنا.
وحددت فرنسا عدّة أهداف وأولويات لرئاسة القمة لعام 2019 ، بهدف تقليص أوجه انعدام المساواة، وتمكين كلّ فرد من الحصول على فرص متكافئة في الحياة بصرف النظر عن مكان الولادة أو مكان الإقامة أو نوع الجنس، فضلًا عن ضمان الاستقرار العالمي والسلام.
وتتمثّل هذه الأهداف فى:
مكافحة أوجه انعدام المساواة من خلال تعزيز المساواة بين الجنسين والانتفاع بالتعليم وبالخدمات الصحية الجيدة على وجه الخصوص، تقليص التفاوت البيئي من خلال حماية كوكب الأرض بفضل التمويلات المخصصة للأنشطة المناخية والانتقال البيئي العادل الذي يركّز على صون التنوّع البيولوجي والمحيطات.
وكذلك ترويج سياسات تجارية وضريبية وإنمائية أكثر عدلًا وإنصافًا، القيام بأنشطة رامية إلى إحلال السلام ومكافحة التهديدات الأمنية والإرهابية التي تزعزع أسس مجتمعاتنا، اغتنام الفرص التي يتيحها المجال الرقمي والذكاء الاصطناعي على نحو أخلاقي يراعي الاعتبارات البشرية.
كذلك يناقش القادة الحلول المشتركة التي يمكن توفيرها بغية تسوية الأزمات الدولية الكبرى، وسبل توفير الدعم البشري والمالي لعمليات السلام الأفريقية، ولا سيّما في منطقة الساحل حيث ما يزال السكان شديدي العرضة للتهديد الإرهابي.
وتحل قضايا المرأة على رأس أجندة القمة ، وخاصة ما يتعلق باحتياجاتها في عمليات السلام وتسوية النزاعات، وذلك استكمالًا للأعمال التي استُهلّت إبّان الرئاسة الكندية لمجموعة الدول السبع.
ومن المقرر أن تنتهي القمة بـ "نداء باريس" الذي يُعنى بانتهاج الجهات الفاعلة الحكومية سلوكًا مسؤولًا في ما يخص الفضاء الإلكتروني، سنسعى إلى تحويل الالتزامات التي قطعها الأعضاء معا إلى أنشطة ملموسة بغية تعزيز التصدي للتحديات التي تواجهها ديمقراطياتنا في الوقت الراهن.
المشاركون فى القمة
بجانب الأعضاء قادة الدول في مجموعة السبع ( فرنسا – كندا – إيطاليا – اليابان – ألمانيا – الولايات المتحدة - بريطانيا ) لن تكتفي مجموعة الدول السبع بعقد اجتماعات بين حكومات البلدان السبعة وحسب، بل ستتيح فرصة العمل على نحو موسّع مع جميع الجهات التي تبدي استعدادها لحشد الجهود بغية إحراز تقدم جماعي، لذا سيشارك قادة دول أفريقية باعتبارها شريكًا مميّزًا وتكثر فيها التحديات الإنمائية والفرص المستقبلية لتحقيق المساواة.
وعلى رأس الدول المشاركة بدعوة خاصة من الرئيس الفرنسي ، الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس مصر ، والرئيس السنغالي ماكي سال سيشارك ، وعددا من قادة الدول الأفريقية، بجانب ممثل الاتحاد الأوروبي .
كذلك سيشارك المجتمع المدني في مؤتمر القمة مشاركة فاعلة، من خلال حشد جهود المجموعات الناشطة على وجه الخصوص، والمتمثّلة في الشباب ، والنساء والمنظمات غير الحكومية (C7) والنقابات، وأرباب العمل ومراكز البحوث ، وأكاديميات العلوم.