فى الوقت الذى كان يحاول فيه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون تسويق دور الوساطة الفرنسية بين واشنطن وطهران خلال لقائه مع نظيره الأمريكى دونالد ترامب، كان يسعى على الجانب الأخر الحصول على أكبر قدر من التنازلات من قبل طهران، خاصة فيما يتعلق بقرارها الأخير حول تقليص الالتزام بالاتفاق النووى الإيرانى، والتى انسحبت منها واشنطن فى شهر مايو من العام الماضى، فى إطار رغبة الإدارة الأمريكية إبرام اتفاق جديد مع طهران يضمن تقليص القدرات الإيرانية ليس فقط على مستوى الأسلحة النووية، ولكن أيضا ليمتد ويشمل تجاربها الباليستية، بالإضافة إلى ضمان مشاركتها فى تحقيق الاستقرار فى منطقة الشر ق الأوسط.
ولعل الزيارة المفاجئة التى قام بها وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف إلى مقر انعقاد قمة مجموعة "السبع"، فى مدينة بياريتس الفرنسية، بالتزامن مع وجود زعماء العالم الكبار، وعلى رأسهم الدول أعضاء الاتفاق النووى الإيرانى الأوروبيين، وهم فرنسا بريطانيا وألمانيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، دليلا دامغا على رغبة ماكرون فى تحقيق نجاحا قياسيا، يضرب به أكثر من عصفور بحجر واحد، أولها احتواء الخطر الإيرانى المترتب على تقليص الالتزامات النووية لطهران، وثانيها ضمان الإبقاء على الاتفاق النووى الإيرانى ولو مرحليا لحين الوصول إلى صيغة توافقية حول الاتفاق الجديد الذى ترغب واشنطن فى إبرامه، بالإضافة إلى إيجاد دور لفرنسا تعود من خلاله إلى حلم القيادة المنشودة.
عرض فرنسى.. تخفيف العقوبات مقابل عودة طهران للمربع الأول
وهنا يمكننا القول بأن الرئيس الفرنسى قدم عرضا لنظيره الأمريكى مفاده تخفيف العقوبات الأمريكية على طهران، مقابل التزام طهران بالاتفاق النووى، والتراجع عن خطواتها المتعلقة بزيادة تخصيب اليورانيوم، وذلك بصورة مؤقتة حتى يمكن التوصل إلى توافق حول طبيعة الاتفاق الجديد الذى ترغب واشنطن فى إبرامه فى مرحلة مقبلة، وهو الأمر الذى يمكن لباريس أن تقوم بدور مؤثر به، فى ظل علاقتها القوية مع طهران خاصة فى الجانب الاقتصادى.
جانب من لقاء ترامب وماكرون على هامش قمة السبع
يبدو أن المبادرة الفرنسية كانت المحور الرئيسى فى مناقشات اجتماعات القمة حول الأزمة الإيرانية، بالإضافة كذلك إلى اللقاءات الثنائية التى جمعت بين قادة الدول الأعضاء فى الاتفاق النووى، إلا أن أهم ما ينقصها هو الإجماع الأوروبى، خاصة وأن الحكومة البريطانية، برئاسة بوريس جونسون، ربما لن تسير عن نفس الخط الذى كانت تسير عليه تيريزا ماى، والتى كانت تفضل الدوران فى الفلك الأوروبى، عبر تأييد الاتفاق النووى، وسعيها الدؤوب لإقناع واشنطن بالتخلى عن نهجها المتشدد تجاه طهران.
غياب الإجماع.. أوروبا تحاول التحليق فى فلك واشنطن
ويبدو أن ضعف الموقف الأوروبى فى الآونة الأخيرة، ساهم فى تقلص الطموحات الفرنسية، حيث تخلت فرنسا عن المطالب الأوروبية السابقة، والتى كانت تقوم على التراجع عن العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، والعودة للاتفاق النووى بصورة نهائية، وإنما ركزت بالأحرى على ضرورة منع طهران من امتلاك القنبلة النووية، وهو ما يمثل نقطة تقارب جديدة بين القارة العجوز والإدارة الأمريكية حول الملف النووى الإيرانى، والذى كان مثارا للخلاف الكبير بين الجانبين فى الأشهر الماضية.
ماكرون التقى وزير الخارجية الإيرانى على هامش قمة السبع
الحديث الأوروبى لم يقتصر على مجرد التحذير من الأنشطة النووية الإيرانية، والتى تعكس قلقا أوروبيا كبيرا جراء قرارات طهران بتقليص التزاماتها النووية، وإنما امتد مؤخرا إلى أهمية دور إيرانى لاحتواء حالة عدم الاستقرار التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يرغب ترامب فى تضمينه فى الاتفاقية الجديدة، والتى يسعى لإبرامها كبديل للاتفاقية الموقعة فى يوليو 2015، برعاية الإدارة الأمريكية السابقة، والتى ترأسها الرئيس السابق باراك أوباما.
تساؤل حائر.. الكرة فى ملعب طهران
ولكن يبقى التساؤل الحائر الآن حول الموقف الإيرانى جراء التطورات التى تشهدها المواقف الدولية، ففى الوقت الذى تواجه فيه طهران موقفا أمريكيا صارما، يبدو وأن المواقف الأوروبية لن تقدم لها مزايا كبيرة دون أن تقدم هى نفسها تنازلات ملموسة على العديد من الأصعدة، خاصة وأن الرهان الإيرانى على أوروبا لم يعد يحمل نفس الزخم، فى ضوء معطيات كبيرة، أهمها فشل أوروبا فى الوقوف أمام الإجراءات الأمريكية المتواترة، بالإضافة إلى خسارة طهران، على الأقل جزئيا، لدعم بريطانيا فى ظل التطورات الأخيرة وعلى رأسها احتجاز ناقلة النفط البريطانية فى منطقة الخليج.
ترامب يفكك التحالف الأوروبى عبر بريطانيا
الحكومة الإيرانية فى حاجة ملحة لتقليص العقوبات المفروضة عليها نظرا لتداعياتها الكبيرة على الاقتصاد، وارتباطها المباشر بحياة المواطنين، خاصة وأن الولايات المتحدة ليست فى حاجة لتقديم تنازلات لإيران، لأنها مازالت تمثل الطرف الأقوى فى معادلة القوى، ليس فقط فى مواجهة الدولة الفارسية، ولكن أيضا أطراف الاتفاق النووى الأخرين مجتمعين، فى الوقت الذى تشعر فيه واشنطن بثقة كبيرة فى رضوخ طهران لمطالبها فى المرحلة المقبلة جراء تضييق الخناق عليها بفعل العقوبات المفروضة عليها.
قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إن زعماء مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى أظهروا "وحدة بدرجة كبيرة" بخصوص مسألة كيفية التعامل مع إيران في قمتهم بفرنسا، وإنهم توصلوا "تقريبا" إلى اتفاق.
غير أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قالت بينما كانت جالسة إلى جواره إنه لا يزال يتعين عمل المزيد، برغم أنها أجرت محادثات مثمرة مع ترامب بخصوص القضية.