أتيحت لى الفرصة أن أزور جمهورية الشيشان عضو الاتحاد الروسى، فى زيارة بدأت قبل أسبوع، وهى الجمهورية التى تقع بمنطقة القوقاز، حيث يقف إقليم الشيشان فى شكل جمهورية حائرة فى اتباع واستحداث سبل استنهاض الحضارة العربية الإسلامية بأدبياتها وتراثها فى زى وعادات قوقازية بما يواكب الحالة الأوروبية.
وخلال الجمعة الماضية قام الرئيس الشيشانى رمضان احمد حجى قديروف، بافتتاح 4 فعاليات هى الأكبر أوروبيا وروسيا وفى منطقة القوقاز، ليشهد الرئيس الحالى ونجل الرئيس المؤسس والمفتى الأسبق أحمد حجى قديروف افتتاح المسجد الأكبر "محمد فخر المسلمين" بمدينة شالى، والمركز القرآنى السابع لتحفيظ الأولاد كتاب الله، ومسابقة القرآن الدولية للقران الكريم، والمسابقة الدولية لشعر الفصحى العمودى المقفى فى مديح النبى ووحدة الأمة، بمشاركات عربية وإسلامية كبيرة.
وكرمت الشيشان المتسابقين وسط حضور دولى تتقدمه الدول العربية بمشاركة وتحكيم مصرى، تقدمه الدكتور أسامة الأزهرى مستشار الرئيس، والأديب والناقد الشعرى وأستاذ اللغة العربية بجامعة الأزهر الدكتور صابر عبد الدايم محكما، والدكتور نوح العيسوى وكيل الأوقاف ممثلا عن الوزير.
وأصدرت الشيشان، الجمهورية الحائرة بين حضارتى الشرق والغرب وقيم إقليم القوقاز الصارمة وعادات الشيشان الخاصة، فى مزج واستعادة الحالة التاريخية للبيت العربى الإسلامى بمفاهيمها الخاصة، أول ديوان شعرى عربى تحت المظلة الروسية وفى المحيط الأوروبى مدعوما بدولته الاتحادية التى يتناغم خلالها الرئيس الفيدرالى رمضان قديروف برييس الاتحاد الروسى فلاديمير بوتن، فى ميلاد جديد لسوق عكاظ الشعرى والأدبى فى شكل إسلامى أوروبى.
وعن العادات والتقاليد تمثل الحالية الشيشانية المزج الاكثر تطورا للحفاظ على الثوابت الدينية والتقاليد القومية، ومجارات الثقافة الأوروبية، بحالة زخم وسلوكيات البهجة والفرح دون مخالفة مقاصد الحضارة والدين، بقوامة أخلاقية، ففى الشيشان تجد رقص بلا عرى وسمر بلا خمر وفروسية وإسلام بلا تشدد.
وتلك المنطقة العالق فى الذهن حالة الصراع المسلح فيها بين امراء الحرب وجماعات التشدد الذين حاربوا باسم الإسلام تحت مسمى المجاهدين لاستقطاب السلطة لعدة سنوات، حيث تفردت بالانتقال فى عقدين من الزمان من حالة التشدد إلى حالة الوسطية، ومن الانهيار والدمار فى بنيتها إلى عمار مشهود، وتظل الشيشان توصف بالحالة الخاصة لجمعها بين الإسلام والتطور، وبين الإسلام فى ظل روسيا التى كانت يوما ما رمزا للشيوعية وحرب الدين، وبين حضارة الشرق الإسلامية وتطور الغرب العلمانية دوله.
وعن العادات والتقاليد الشيشانية فى الأفراح والمنتديات، يرقص فيها النساء بطريقة مختلفة تدور المرأة فى حركات متتالية على قدميها دون أن يهتز جسدها، وتشير بيدها إلى أعلى بلا ابتزال بلا تراقص أو عرى أو تميع فى حالة من الاعتزاز بالنفس فيما يشبه استعراضات الطاوس إلى يدور مرفوع الرأس يتحرك على قدميه فى استعراض للحضور فى حالة من الشموخ والثقة لا تهتز فيها المرأة المحجبة فى مجالس السمر والافراح دون تناول الخمور فيما يمثل فلكلور قومى.
ويحمل الرقص فى الشيشان ملامح الاستعراض القومى للعزة والقوة بملابس قومية ورقصات فلكلورية، فى تلك الدولة التى تقع فى روسيا الأوروبية، التى تبنى المساجد وتعلم القران وتمثل نسخة أوروبية متطورة للإسلام الوسطى، حيث يزهد رئيسهم رمضان قديروف فى التحل بابى الحلة إلا من ملابس المحاربين القوقاز، ويؤم الصوفية فى بلاده ويرعاهم، ويمارس الرياضة والرقص الفلكلورى القومى فى مشاهد القوة والتباهى والفرح، ويمثل أفلام الأكشن، ويقف احتراما لمفتى بلاده حينما يمر من امامه ويترك مقعده الأمامى لاجلاس ضيوفه كما فعل مع ضيوف اماراتيين لحضور احتفالية افتتاح اكبر مسجد فى أوروبا.
وتعلم الشيشان شبانها رقص بملابس قوقازية تشبه ملابس المحاربين هى رقصات استعراضية للتعبير عن القوة والانضباط يتحلى الفتية فيها بأداء مشاهد ويتصف بصفات ذكورية لا تتوفر فى رقصات تشهد حالة التميع يقبلها بعض الصبية، حيث يكتسب الصبية صفات الرجولة يتعلمون الفروسية والقران ويتراقص الرجال والنساء استعراضا للقوة والاعتزاز بالنفس.
وتتوسع الشيشان فى بناء المساجد ومراكز تحفيظ القران التى وصل عددها إلى 7 سبع مراكز خرجت الف حافظ بدلا من ثلاثة قبل ما يزيد عن عقدين من الزمان، لتطلق اكبر 4 فعاليات إسلامية فى تاريخ أوروبا وروسيا، لتفتتح مسجد محمد فخر المسلمين الذى يتسع لـ100 الف مصلى وهو ضعف عدد سكان شالى المدينة التى يقع بها، ومركز سابع لتحفيظ القرآن، ومسابقتين دوليتين لأول مرة فى القران وشعر الفصحى لمدح النبى.
الجمهورية الاتحادية تمثل زخم فلكلورى ونموذج إسلامى أوروبى متطور، دعا 400 من قادة العمل الإسلامى فى العالم لحضور افتتاح فعاليات إسلامية فى ذكرى وفاة احمد حجى قديروف الرئيس والمفتى السابق ووالد الرئيس الحالى، لتعزز من توسعها الفكرى أوروبيا وترسيخ منهجها محليا وسط ترحيب روسى رسمى، واقامت احتفالية على شرف الرئيس قديروف فى قصر صفية استعرض فيها الشباب والفتيات رقصات قوقازية مبهرة ومبهجة فى حالة فرح وسمر لم يتداخلها الابتزال أو العرى أو الخمر فى وجود رموز العمل الإسلامى الوطنيين والضيوف ما يعبر عن استقامة الطبع والخلق والسلوك.
وفى الاستقبال الحضارى والإنسانى والتلاقى الدولى الذى شهدته جروزنى العاصمة الشيشانية كانت صورة النجم العالمى محمد صلاح مصرى الجنسية فى استقبال ضيوف الشيشان، حيث يتمتع بشعبية طاغية هناك، فما أن وطأت قدماى أرض الشيشان، فى فجر الإثنين، 19 أغسطس الجارى، نزولا من طائرة موسكو ترانزيت القاهرة الشيشان، للتغطية الصحفية، توجهت من مطار العاصمة الهادئة النظيفة جروزنى ببساطتها بعد الصلاة بمسجد المطار إلى فندق إماراتى ضمن سلسلة أفرع عالمية.
رحلة الانبهار بدأت من مطار جروزنى بسيط الحالة بنفس درجة بساطة العاصمة الجميلة، وأهلها هادئ الطباع يقف بعضهم وخاصة النساء اللائى تشبهن النساء الريفيات فى الملبس والتلقائية وبشاشة الوجه.
ولدى وصول أفواج المشاركين والمتسابقين إلى جروزنى، وقف الشيخ عثمان إسرائيل عضو دار الإفتاء الشيشانية يستقبل ضيوف بلاده بحفاوة بالغة، ويستخلص أوراق القادمين ويسرف على نقلهم وحمل حقائبهم بزيه الذى يتفرد به علماء الشيسان، وعلى باب المطار، وقف الصحفى إبراهيم ميتاييف مدير الإعلام بدار الإفتاء الشيشانية بسيارته الخاصة لقيام بدور بروتوكولى فى استقبالى ونقلى من باب الترحيب بعيدا عن الباص الجماعى ولدى وضع حقيبتى الخاصة شاهد حامل كاميرا فقلت له كاميرا مان فابتسم قائلا أنا مدير الإعلام بدار الإفتاء ليبدأ سجالا مهنيا، انتهى بالسؤال المهم: ما هو رأيك فى جروزنى؟، وسط تلهف بسماع رد بالإعجاب، الذى باغته به من فيض الاعجاب بالهدوء والنظام واتساع المتنفس النباتى للمتخللات الخضراء والشجرية المتفوقة.
جروزنى بدت مزيج من الثقافة الإسلامية بالأوروبية فى حالة فريدة من البساطة بشكل كبير يختصر فى مبان منظمة متوسطة الارتفاع لا تتجاوز فى الغالب عن 5 أدوار فى شوارع متسعة يجاورها ارصفة للمشاة ويحدها حدائق خضراء تفصلها عن المنازل التى تقف وسط المساحة الخضراء التى تتفوق على مساحة المنازل، ويتوسطها شارع بوتن الذى يتزين بصورة رئيس الاتحاد الروسى فلاديمير بوتن وبجانبه صورة الرئيس الفيدرالى الراحل أحمد قديروف مؤسس دولة الشيشان ضمن روسيا والذى كان يعمل مفتيا، وقضى فى عمل إرهابى، ووالد الرئيس الحالى رمضان قديروف.
ومن شارع بوتن إلى سارع محمد على، إلى فندق الإقامة الذى تصادف إقامة المنتخب المصرى لكرة القدم به خلال زيارة المنتخب للشيشان، والذى يضع صورة النجم العالمى محمد صلاح لاعب منتخب مصر فى بهو الفندق، وهى الصورة الوحيدة الموجودة بالبهو، والتى تستقبل ضيوف العالم من 200 لحضور الفعاليات وعلى رأسها افتتاح مسجد فخر المسلمين الأكبر أوروبيا.
صدفة مشاهدة صورة نجم مصر غيرت الأجواء إلى حالة من النقاش والإشادة من قبل فريق العمل بقسم الاستقبال ليكشف الامر عن مفاجات، ابرزها الشهرة وكم الحب للنجم العالمى من قبل الطاقم الذى ضمن مصريين وسوريين وعراقيين، حول تواضع النجم ورحابة استقباله لمتابعيه لدى اقامته مع زملاءه بالفندق.
قال كانج بى موظف استقبال الفندق، شيشانى الجنسية، كان هناك اهتمام بالغ بالنجم العالمى وهو واجهة جيدة لمصر والمصريين.
واستكمل موظف الاستقبال، ليس محمد صلاح وحده الذى يقدم مصر للعالم بل أن موظف بارز بالفندق هو مصطفى عبد اللطيف ومدير الفرع هشام توفيق كلاهما من مصر ولو كل المصريين بهذه الاخلاق سوف يحب العالم كله مصر لهذه الوجوه المشرفة، مشيرا إلى تفاهم مديره المصرى وتواصله مع مرؤسيه الشيشانيين ومن مختلف الجنسيات فى الفندق المملوك لشركة إماراتية.
فيما أكد جانتى موظف سورى من اصول شركسية باستقبال الفندق، أن الفندق شهد حالة طوارئ لدى إقامة الفريق المصرى لاهتمام الدولة بالضيوف وللقيمة الكبيرة التى تعتبرها الشيشان للفريق تمثل فى استقبال رئيس الجمهورية له كرموز عربية مسلمة.
الأجواء التفاعلية حول حالة التنوع العربى الروسى فى الفندق الذى استقبل المنتخب المصرى كحدث تحدث عنه لوزان موظف فنى بالفندق عراقى الجنسية من اصل كردى، لافتا إلى قيمة الحدث لدى العاملين بالفندق.
الشيشان ليست هى الدولة الفيدرالية الأوروبية الروسية وفقط بقدر كونها ملتقى أكثر من إقليمى، يتأهب لتعاطى الثقافة العربية التى توفر مدخلاتها وخلفياتها التى بدت فى كل شيى حتى فى اسماء المواطنين بدء من رئيس الجمهورية رمضان قديروف والذى يتخذ من شهر رمضان الذى يصومه المسلمين باسمه العربى، ومن الطريقة الصوفية القادرية منهجا وطريقة تعبدية وأخلاقية، وكذلك والده الرئيس السابق أحمد قديروف، وامتدادا إلى رسوخ الثقافة العربية فى ذهن وذاكرة الشيشانيين، وتأهب كل شىء فى الشيشان لقبول العنصر العربى.
وتعليقا على الفعاليات من قبل الجهات المشاركة، قال مهاجرى زيان رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية، الكائن مقرها العاصمة السويسرية جنيف وتعمل ب27 دولة، كنا حريصون على حضور هذا المنتدى والملتقى الإسلامى العالمى.
وأضاف مهاجرى، لـ"اليوم السابع"، هذه سنة حميدة لترويج ثقافة السلام ونشر القيم الإسلامية الوسطية وسط حضور عربى ضخم وأوروبى رسمى يبارك هذا التلاقى الحضارى.
وقال حسين داودى، رئيس الوقف الاسكندنافى، الكائن مقره بالسويد ويعمل بالدول الاسكندنافية، نبارك هذا الدعم الشيشانى للثقافة العربية الإسلامية.
وأضاف داودى، لليوم السابع، أن الملتقيات والفعاليات شهدت لقاءات رسمية شعبية مفتوحة لارتسام مستقبل من التفاهم والتعاون وسط رحابة استقبال وحسن ضيافة.
يقول الأديب والناقد الشعرى وأستاذ اللغة العربية بجامعة الأزهر، الدكتور صابر عبد الدايم والمحكم بمسابقة الشيشان العالمية الاولى للشعر العربى الفصيح، أن صدور الديوان الشعرى العربى لشعراء العرب والمسلمين من كافة دول العالم فى شكل كتاب تحت المظلة الشيشانية يعد عملا عملاقا اسميه "معلقة" شعرية كالمعلقات الشعرية السبع لأفضل دواوين الشعر فى تاريخ العرب.
وأضاف عبدالدايم، لـ"اليوم السابع"، خلال الفعاليات وعقب تكريم الرئيس قديروف له، أن الشيشان تزرع الشجرة العربية فى قلب أوروبا بلغة اللسان وأدوات الفكر، وتستلهم قيم الحضارة العربية الشاهدة والصانعة للنهضة الأوروبية والعالمية الحديثة.
وقال الدكتور أسامة الأزهرى، مستشار رئيس الجمهورية، انه حرص على تلبية الدعوة ليشارك ويشهد هذا التطور الإيجابى وحالة التناغم والتعايش.
وأضاف الأزهرى، لـ"اليوم السابع"، لا نتأخر عن أشقائنا، وندعم هذه الجهود الطيبة وهذا الإخلاص والأهداف السامية وتدعيم التواصل الإنسانى.