لم تكن هجرة الأنبياء ومن بينهم خاتم المرسلين النبى - محمد صلى الله عليه وسلم - إلا تلبية لوحى ربه بالهجرة، بعدما عانى مثل سابقيه من رسل الله ظلما وتعنتا وبطشا من قومهم، الذين لم يهتدوا إلى دعوة الله، والإيمان به وبرسوله.
وتمر اليوم الذكرى 1441 على الهجرة النبوية، إذ هاجر فى عام 622م، وتأتى هجرة النبى - صلى الله عليه وسلم - كأحد أهم الهجرات النبوية على الإطلاق، بعدما هاجر سرا من مكة إلى المدينة، برفقة صاحبه أبو بكر الصديق، ليكون مع بداية الهجرة، بداية عصر الدعوة والدولة الإسلامية بقيادة خاتم المرسلين.
وسبق النبى الكريم فى هجرته عدد من الأنبياء بوحى من ربهم وكانت الهجرة كانت قرار عدد كبير من الأنبياء، نوضح خلال السطور التالية كيف كانت هجرة الأنبياء مما سبقوا النبى محمد صلى الله عليه وسلم وهم:
نوح عليه السلام
صنع نوح الفلك وكان قومه يسخرون منه وهو يسخر منهم لغفلتهم عن أنفسهم وتفريطهم فى حياتهم وعيرهم بعدم اتباعه إلى أن جاء أمر الله وفار التنور، وتفجرت ينابيع الأرض، وجاء الطوفان وأبادهم بعد أن نزل نوح والذين آمنوا معه فى السفينة، وسلك فيها زوجان اثنان من كل ذى حياة، وانتهت هجرته من الأرض بعد سنة وعشرة أيام بعد أن استقرت السفينة على الجودى. فكانت هجرته ميمونة عليه وعلى من معه فى السفينة وهلاكا لأعدائه.
لوط عليه السلام
كان نبى الله لوط يرفض أفعال قومه الفاحشة التى لم يسبقهم أحد من العالمين بفعلها، حيث كان دعوة النبى الكريم لقوم سدوم وعمورة، ويحذرهم من الفسوق والعصيان وإتيان الفاحشة، لكن قومه رفضوا وهددوا بالطرد، حسبما يتفق مع النص القرآنى: {قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}،
كما هاجر نبي الله سيدنا لوط عليه السلام من أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم إلى فلسطين، ثم مضى سيدنا "لوط" - عليه السلام - في طريقه إلى قوم سدوم وعمورة (الأردن حاليًا) يدعوهم إلى عبادة اللَّه، ويحذرهم من الفسوق والعصيان وإتيان الفاحشة، لكن قومه رفضوا دعوته لهم بالتطهر من الفاحشة فهددوه بالطرد إن لم ينته عن إنكاره عليهم وتحذيرهم، ولكن نبي الله لوط استمر في إنكاره لفحشائهم التي لم يسبقه إليهم فيها أحد وهي إتيان الرجال شهوة من دون النساء، فتآمر قومه عليه، ، فأمره الله بالخروج من تلك القرية، فحقق الله وعده لهم بأن خسف بهم الأرض بالصيحة، ونجا "لوط" بوعد ربه الحق، (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ).
إبراهيم عليه السلام
بعد أن قام إبراهيم عليه السلام بدعوة قومه بشتى الطرق والوسائل.. فلم يجد منهم إلا الإعراض، قرر أن يهاجر من بلدته إلى مكان آخر لينشر دين الله تعالى وليدعو قومًا آخرين لعبادة الله تعالى.
وهاجر إبراهيم عليه السلام من أرض بابل بالعراق إلى بلاد الشام؛ الأرض المباركة ثم ما لبث أن تركها وهاجر إلى مصر. وكان يحكم مصر فى هذا الوقت رجل جبار من الجبابرة المتكبرين المتسلطين على الناس، والذى أراد السيدة سارة، لكن الله أنقذها منه، فأهداهم هاجر، وبعدها هاجر من مصر.
موسى عليه السلام
هاجر النبى موسى من مصر إلى مدين، من فوره على غير هدى ولا إلى أين، وذلك كما ورد فى الآية القرآنية (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، هناك كان لقاؤه بالنبى شعيب، والذى زوجه أحد بناته، قبل أن يعود مجددا إلى مصر، بحسب النص التوراتى: تم حديث العليقة بعد استقرار موسى فى أرض مدين، زمنًا كافيًا كى يموت جميع من طلب نفس موسى، الذى قفل راجعًا إلى موطنه من مدين مصطحبًا زوجته وابنه الذى ختنه فى الطريق، وعند عودته "مضى موسى وهارون وجمعا شيوخ بنى إسرائيل، فتكلم هارون بجميع الكلام الذى كلّم الرب موسى به، وصنع الآيات أمام عيون الشعب، فآمن الشعب، ولما سمعوا أن الرّب افتقد بنى اسرائيل، وأنه نظر مذلتهم، خرّوا وسجدوا".[خر 29:4].
شعيب عليه السلام
كان نبى الله شعيب ينهى قومه من مغبة هذه الأفعال الشنيعة والمعاملات السيئة فلم يأبهوا بما يقول، ورفضوا الانصياع إليه: (قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)، فأوحى الله إليه أن يخرج المؤمنين ويخرج معهم من القرية. وخرج شعيب والمؤمنين، وجاء أمر الله كما وصف بالمصحف الشريف﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ".
يونس عليه السلام
كما هاجر نبي الله يونـس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فقد أرسله الله سبحانه وتعالى إلى قومه بالعراق بقرينة نينوى وكانت في عهد الدولة الأشورية ليدعوهم إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام، فأعرضوا وصدوا عنه، فضاق بهم سيدنا يونس فترك القرية مهاجرًا قبل أن يأمره الله بتركها، يقول تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}.
توجه سيدنا يونس نحو البحر هاجرًا قومه وركب سفينة، ولكن البحر هاج من حولها، وقام كل من فيها بإلقاء أمتعتهم في البحر حتى لا تغرق، وألقوا بيونس فى بحر بعد اقتراع بسهام حول شخص يلقى في البحر، ثم ابتلعه الحوت، فأوحى الله سبحانه وتعالى إلى الحوت أن يحفظ نبيه في بطنه دون أذى، ثم نجاه الله فخرج من بطن الحوت، ثم عاد إلى قومه.
النبى صالح
أرسل الله نبيه صالح إلى قوم ثمود الذين كانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام وتفاخروا بينهم بقوتهم، وحاول صالح دعوة قومه إلى عبادة الله قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم، وكانت معجزته هى الناقة التى انشقت من صخر الجبل (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ).
لكن قوم ثمود لم عاندوا النبى، وتأمروا على الناقة لقتلها، ولما قتلوها غضب النبى صالح، وقال: وألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟ قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك من المرسلين؟، بعدها غادر صالح قومه. تركهم ومضى. انتهى الأمر ووعده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام، حيث انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة، انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي، هلكوا جميعا قبل أن يدركوا ما حدث.
هجرة آل يعقوب
بعد أن مكن الله ليوسف عليه السلام فى أرض مصر وصار على خزائنها، أرسل إلى أبيه وأهله جميعًا أن يأتوا إليه، فأقبل يعقوب عليه السلام بأولاده وأهله إلى مصر واستوطنوها، ويذكر اليهود فى كتابهم أن عدد أنفس بنى إسرائيل حين دخلوا مصر سبعون نفسًا، وكانوا شعبًا مؤمنًا بين وثنيين، فاستقلوا بناحية من الأرض أعطاهم إياها فرعون مصر، فعاشوا عيشة طيبة زمن يوسف عليه السلام.
هجرة المسيح
أو رحلة العائلة المقدسة، مصطلح دينى تاريخى أتفق على أنه يتكون من المسيح وهو طفل وأمه السيدة مريم العذراء ويوسف النجار خطيب مريم الذى لم يدخل بها، والذى ظل وفيا لها من بين بنى إسرائيل بعد زكريا، وصاحب يوسف النجار المسيح وأمه فى رحلة الهرب من الطغاة الذين حاولوا قتل المسيح الطفل فهربت به مريم ويوسف النجار إلى مصر وخلد إنجيل متى بالكتاب المقدس هذه الرحلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة