أزمات عاصفة تمر بها وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، سبب قلة التمويل والإعلانات وتكلفة المحتوى المقدم الكبير ، علاوة على تراجع المبيعات والمشاهدات ، كل هذه الأسباب دفعت الصحف والمجلات والمحطات التلفزيونية والإذاعية إلى تسريح موظفيها أو تخفيضهم أو الاضطرار إلى غلق أبوابها من منطلق مجبر أخاك لا بطل.
فبعدما عانت صاحبة الجلالة من القيود الأمنية وكانت محط ملاحقات قوى الاحتلال فى بلدان العالم العربى فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، تقف الصحافة فى الوقت الحالى أمام تحديات من نوع جديد ليدفع القائمون عليها والمؤمنون بحرية الرأى والتعبير ثمن الأزمات الاقتصادية العالمية، ودور شبكات التواصل الاجتماعى ومحركات البحث الشهيرة فى إتاحة المحتوى الإخبارى دون مقابل، ودون حماية واضحة لحقوق الملكية الفكرية.
وفى بيروت، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية زعيم (تيار المستقبل) سعد الحريرى، تعليق العمل فى (تلفزيون المستقبل) وتصفية حقوق العاملين والعاملات، استنادا إلى ذات الأسباب المادية التى كانت قد دعت إلى إغلاق جريدة المستقبل قبل أشهر.
وأكد الحريرى – فى بيان له اليوم – أن شاشة تلفزيون المستقبل لن تنطفىء، وأن المحطة لا تتخذ قرارا بوقف العمل لتصبح جزءا من الماضى، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بنهاية مرحلة من مسيرتها لتتمكن من معالجة الأعباء المادية المتراكمة، وتستعد لمرحلة جديدة تتطلع فيها إلى العودة فى غضون الأشهر المقبلة فى صورة إعلامية وإخبارية تتلاءم مع الإمكانات المتاحة، وتواكب اللبنانيين باهتماماتهم الوطنية والاقتصادية والاجتماعية.
وقال الحريرى: "القرار ليس سهلا علَّى وعلى جمهور تيار المستقبل، ولا على جيل المؤسسين والعاملين والعاملات وملايين المشاهدين اللبنانيين والعرب، ممن واكبوا المحطة لأكثر من ربع قرن وشهدوا لتجربة إعلامية مميزة كرست الجهد والإمكانات والكفاءات لخدمة لبنان والقضايا العربية".
وأثنى الحريرى على الدور الذى اضطلع به تلفزيون المستقبل، مشيرا إلى أنه سجل حلقات متصلة من النجاح والتطور والانتشار، وتخطى العديد من المخاطر الأمنية والسياسية والصعوبات المالية والإدارية، بفضل وفاء وصمود العاملين به وتضحياتهم.
وتمر الصحافة والإعلام اللبنانى بأزمة اقتصادية خانقة، حيث شهدت الآونة الأخيرة إغلاق أكثر من إصدار صحفى ورقى ما بين صحف ومجلات بسبب ضعف توزيع المطبوعات، وكان آخرها صحيفة المستقبل اليومية الصادرة عن (تيار المستقبل والتى أصدرت عددها الأخير فى 31 يناير الماضى بعد 20 عاما من بدء إصدارها.
وفى 12 أكتوبر الماضى ، أصدرت صحيفة النهار فى 8 صفحات بيضاء، بالتزامن مع تخصيص مساحات بيضاء فى مختلف أقسام الموقع الإلكترونى للصحيفة، وكذلك الحال فيما يتعلق بحساباتها على «فيس بوك» و«تويتر»، ليتبع ذلك موجة من ردود الفعل الواسعة خاصة فى أوساط الصحفيين والإعلاميين اللبنانيين الذين أكدوا عبر منصات السوشيال ميديا تضامنهم مع الصحيفة فى ظل الأزمات المالية التى تواجهها.
ورغم عدم إعلان الصحيفة عن السبب وراء هذه الخطوة، فإن المعلقين تداركوا سريعا أن الموقف رسالة احتجاج على الأوضاع المالية الصعبة التى تواجهها الصحف داخل لبنان فى ظل ارتفاع أسعار الورق المستورد، وزيادة تكاليف الطباعة، والتراجع الملحوظ فى عائدات الإعلانات والمبيعات وغيرها من الموارد التى تعيش عليها دور النشر، بخلاف اتجاه العديد من الأجيال الشابة فى لبنان والعالم العربى للاعتماد على السوشيال ميديا كمصدر أول، وربما وحيد للمعلومات دون النظر إلى معايير المصداقية والدقة وغيرها من القيم التى تشكل أسس العمل الصحفى والإعلامى السليم.
ومن جانبه أقر وزير الإعلام اللبنانى السابق ملحم رياشى بما تعانيه الصحافة اللبنانية من أزمات، مشيرا إلى أن عدد الصحف الصادرة فى بيروت بات ثمانية صحف فقط، متعهدا بالعمل مع مسؤولى دور النشر لوقف نزيف الخسائر، عبر اقتراحات عدة من بينها دراسة الإعفاءات الجمركية للورق ومستلزمات الصحف، وإعفاء وسائل الإعلام المكتوبة من رسوم الهاتف والكهرباء وغيرها، مقابل انتقال الصحف إلى الإعلام الرقمى خلال فترة ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام، مع دراسة أن تؤول الملكية للدولة ولو بشكل مؤقت.
وخلال السنوات القليلة الماضية، غادر العديد من الصحف اللبنانية الساحة، وفى مقدمتها «السفير» التى صدرت من عام 1974 وتوقفت آخر 2016. كما غابت صحيفة «البيرق» التى تأسست عام 1911 بعد 90 عاما على الصدور، وكذلك انطفأت أنوار جريدة «الأنوار» التى كانت تصدر عن «دار الصياد» منذ أكثر من نصف قرن، وأيضا توقفت جريدة «البلد»، وغابت طبعة «الحياة» عن بيروت، وكذلك «الاتحاد»، وقبلهما «النداء»، وغيرها.
ولا تقتصر الأزمات المالية التى تعانيها الصحف ودور النشر على العالم العربى وبلدان الشرق الأوسط، ففى الولايات المتحدة، طالب اتحاد ناشرى الصحف الكبرى، الكونجرس بالتدخل ومنحهم الحق فى التفاوض جماعيا مع منصات وسائل التواصل الاجتماعى فى حلقة جديدة من الصراع بين دور النشر والقائمين على تلك المنصات لنشرها المحتوى الإخبارى دون مقابل، رغم اقتسامها بشكل جائر، حصة الصحف المطبوعة والإلكترونية فى سوق الإعلانات الرقمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة