يبدو أن انتخابات الرئاسة الأمريكية ستأخذ منحى جديد، يتجاوز المنافسة السياسية بين الأحزاب فى الولايات المتحدة فى الداخل، لتحمل فى طياتها بعدا دوليا، وهو الأمر الذى لا يبدو معتادا إلى حد كبير فى الانتخابات الأمريكية، والتى دائما ما تحمل خطابات المرشحين فيها القضايا التى تهم المواطن فى الداخل، وهو ما يبدو واضحا فى تحركات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والمحاولات الأخرى التى يتبناها خصومه الديمقراطيين استباقا للانتخابات المقررة فى العام المقبل، فى ضوء التوقعات التى تدور فى مجملها حول سخونة المنافسة بين ترامب، ومنافسه الديمقراطى، الذى مازال لم تتحدد هويته حتى الآن، انتظارا لما ستسفر عنه الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى، والذى يتنافس فيها عدة مرشحين، وعلى رأسهم نائب الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن، والسيناتور الديمقراطى البارز بيرنى ساندرز.
ولعل الحديث عن التدخل الروسى فى انتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، والتى انتصر فيها ترامب، على غريمته الديمقراطية آنذاك هيلارى كلينتون، يمثل طفرة غير مسبوقة فى تاريخ الولايات المتحدة، حيث أثار مخاوف كبيرة حول إمكانية سيطرة قوى دولية أجنبية فى تحديد هوية ساكنى البيت الأبيض، وذلك بعد أن كانت واشنطن هى القوى المهيمنة على الغالبية العظمى من الأنظمة الحاكمة فى العالم، عبر سعيها نحو إسقاط خصومها، بالتدخل العسكرى تارة، أو بالحصار الاقتصادى تارة أخرى، وهو ما شهدته العديد من دول العالم لعقود طويلة من الزمن، ليصبح مستقبل الحكم فى أمريكا مرهونا بالقوى الدولية الأخرى.
الدبلوماسية الأمريكية.. من نظرية النفوذ إلى مصلحة المواطن
وهنا يمكننا تفسير التحركات التى تتبناها إدارة ترامب، منذ صعوده إلى البيت الأبيض، والتى سعت إلى الربط بين التحركات الدبلوماسية التى تنتهجها إدارته من جانب، والداخل الأمريكى من جانب آخر، بحيث تصبح للسياسة الخارجية الأمريكية تداعيات إيجابية على المواطن الأمريكى بشكل مباشر، بعيدا عن حسابات النفوذ والهيمنة الأمريكية التى تبناها أسلافه، والذين اتجهوا نحو التلويح بالخيار العسكرى والاقتصادى لإخضاع الخصوم، وهو ما أسفر فى النهاية عن خسائر اقتصادية وسياسية كبيرة، ناهيك عن أرواح الجنود الأمريكيين التى فقدت إثر صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
ترامب طوع الدبلوماسية لخدمة المواطن على حساب نظرية النفوذ
فلو نظرنا إلى السياسات الأمريكية التى تبناها ترامب تجاه خصوم واشنطن التاريخيين، نجد أنها قامت على الاحتواء، عبر محاولة ادماجهم فى العالم، لتحقيق أهداف ترتبط بالمواطن الأمريكى فى الأساس، وعلى رأسها تخفيف الوجود العسكرى بالخارج، وهو ما يتعارض بصورة كبيرة عن الأفكار النمطية التى يتبناها الحزب الجمهورى الذى ينتمى له ترامب، بينما ارتبطت المطالب التى عرضتها الإدارة الأمريكية لعقد صفقة معهم تقوم فى الأساس على حماية المصالح الأمريكية، وفى القلب منها تلك المرتبطة بمصلحة المواطن بصورة مباشرة.
ففى الحالة الكورية الشمالية، على سبيل المثال نجد أن الرئيس ترامب اشترط الإفراج عن السجناء الأمريكيين قبل انعقاد القمة الأولى التى عقدها مع نظيره الكورى الشمالى كيم جونج أون فى سنغافورة، فى شهر يونيو من العام الماضى، وهو الشرط الذى يقدم صورة مختلفة للدبلوماسية الأمريكية، والتى كانت تقوم فى الأساس على نظرية النفوذ والهيمنة عبر استخدام القوة الصلبة، لتتحول إلى أداة تهدف فى الأساس إلى تحقيق مطالب المواطن الأمريكى عبر احتواء التهديدات التى تحيط به من الخارج.
تشويه الخصوم.. ترامب يستدعى "شبح" التدخل الدولى قبل 2020
إلا أن التحركات الأمريكية لم تقتصر على النهج الدبلوماسى، الذى تتبناه إدارة ترامب، وإنما اتجهت نحو دفع أطراف خارجية لدعمه فى صراعه الرئاسى القادم، أمام الخصوم الديمقراطيين، عبر ما يمكننا تسميته بمحاولة استدعاء "شبح التدخل الخارجى"، والذى استحضره الديمقراطيون أنفسهم بعد خسارتهم الانتخابات الماضية، وهو ما يبدو واضحا فيما أثير مؤخرا حول الاتصال الهاتفى بين الرئيس الأمريكى ونظيره الأوكرانى فلاديمير زيلنيسكى، حول فضح الدور المشبوه الذى لعبه نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن، إبان وجوده فى منصبه فى ظل الإدارة السابقة، لتعيين نجله هانتر فى إحدى الشركات العاملة فى مجال النفط بكييف، وهو الأمر الذى يمثل تهديدا صريحا لمستقبل بايدن، والذى يعد المرشح الأوفر حظا فى الانتخابات الأمريكية فى المرحلة المقبلة، رغم المنافسة القوية التى يواجهها من ساندرز، المدعوم بقوة من قبل شباب الحزب الديمقراطى.
جو بايدن وترامب
ويعد مطلب ترامب المثير للجدل من أوكرانيا، محاولة صريحة لفضح فساد الديمقراطيين، والكيفية التى يحاولون بها استغلال مناصبهم على رأس الإدارة الأمريكية، لتحقيق مصالحهم الشخصية، وهو ما يساهم بصورة كبيرة فى تشويه صورتهم أمام الناخب الأمريكى، قبل انطلاق الصراع الانتخابى فى 2020، وهو النهج الذى سبق وأن تبناه فى الانتخابات السابقة، عندما حمل سلفه باراك أوباما، ووزيرة خارجيته هيلارى كلينتون، والتى كانت المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية، مسئولية تأسيس داعش، بسبب سياساته التى قامت على مهادنة التنظيمات الإرهابية فى الشرق الأوسط، ومحاولته لتمكينهم من السلطة من جانب، بالإضافة إلى تقاعسه فى الحرب عليهم، فى إطار التحالف الدولى الذى شكلته واشنطن.
يبدو أن الرئيس الأمريكى يسعى إلى استغلال الحاجة الأوكرانية للدعم الأمريكى، عبر مطالبته لهم بالتدخل عبر ترجيح كفته فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، فى وضعها الاقتصادى الصعب، بالإضافة إلى الصراع الراهن مع موسكو، على خلفية التوترات بين البلدين، منذ عام 2014، والتى أسفرت عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وهو الصراع الذى تحتاج فيه كييف إلى دعم الولايات المتحدة.
سقوط نتنياهو.. فرصة الديمقراطيين لمجابهة ترامب
إلا أن التحرك الدولى لأهداف انتخابية، لم يقتصر على الرئيس ترامب، وحزبه الجمهورى، وإنما امتد إلى خصومه الديمقراطيين، والذين سعوا بدورهم إلى استغلال الوضع الحرج لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، فى الداخل، على إثر اتهامه بقضايا فساد، فى دعم خصومه، وهو الأمر الذى ربما يفتح الباب أمامهم، للحصول على دعم إسرائيل فى المرحلة المقبلة، خاصة وأن علاقة نتنياهو بالديمقراطيين وصلت إلى طريق مسدود منذ حقبة أوباما، إلى الحد الذى دفع نتنياهو إلى مهاجمة المنصات الإعلامية للحزب الديمقراطى صراحة، والتباهى الدائم بعلاقته المميزة مع ترامب.
أوباما ونتنياهو
ولعل النهج الأمريكى الداعم لإيران والاتفاق النووى، الذى أبرمته القوى الدولية الكبرى، مع طهران، برعاية إدارة أوباما، كانت أكبر نقاط الخلاف بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية السابقة، حيث سعى نتنياهو إلى دحض الاتفاق عبر مخاطبة الكونجرس مباشرة، ولكن دون جدوى، بينما نجح ترامب فى استعادة العلاقة مع إسرائيل بصورة كبيرة، فى أعقاب قراره بالانسحاب من الاتفاق النووى، فى مايو من العام الماضى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة