- تطوع فى مشروع القرش لاستقبال تبرعات من المصريين لإنقاذ الاقتصاد الوطنی
- فی مرحلة الثانوية كانت بداية تشكيل نشاطه الثورى.. قاد المظاهرات الطلابية ضد الإنجليز.. وناظر المدرسة الإنجليزى فصله بسبب دعوته للطلاب للثورة
- تم اعتقالة فى عمر يناهز الـ12 عاماً عند مشاركته فى مظاهرات اندلعت ضد قرار رئيس الوزراء الأسبق إسماعيل صدقى بإلغاء دستور 1923 ليبدأ على ذلك تشكيل وعيه السياسى
- «عبدالناصر» اهتم بكتابة مقالات عن الأحداث التاريخية لمصر
- كتابات مصطفى كامل وروايات توفيق الحكيم القراءات المفضلة لـ«عبد الناصر» وحبه لحركة التنوير الفرنسية دفعه لكتابة مقال عن «فولتير» بمجلة المدرسة.. جرح فى المظاهرات الطلابية عام 1935 برصاص القوات الإنجليزية وذكر اسمه ضمن المصابين فى مجلة «الجهاد»
- انضم لحزب «مصر الفتاة» لمدة عامين خلال نشاطه الثورى ضد الإنجليز.. وعزف عن الانضمام لأى جماعة دينية وعلى رأسها الإخوان
- فى خطاب بخط يده لصديقه «حسن الشطار» يقول عبدالناصر عن مواجهة القوات الإنجليزية: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة.. دفاعه عن القضية الفلسطينية بدأ منذ المرحلة الثانوية.. كان يقود المظاهرات الطلابية الرافضة لوعد بلفور فى نوفمبر من كل عام
- تنقل «عبدالناصر» بين التيارات السياسية التى وجدت فى ذاك الوقت وكان له اتصالات متعددة بـ«الإخوان» لكنه عزف عن الانضمام لآى من الأحزاب أو الجماعات لعدم اقتناعة بجدوى آى منها
تحتفی مصر والأمة العربية هذه الأيام بالذكرى الـ 49 لوفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعلی الرغم من مرور كل هذه السنوات علی رحيله، مع كل مناسبة يتردد فيها اسم الزعيم الراحل يبحث أبناء الشعب المصری عن كل ما هو جديد فی حياة زعيم ارتبط اسمه بأحداث عظيمة فی تاريخ بلادهم.
وفی حلقات سابقة تزامنت مع الذكری 101 لميلاد عبدالناصر، نشرت «اليوم السابع» فى يناير الماضى، وثائق وخطابات نادرة بخط يد الرئيس الراحل، وأفراد عائلته تكشف كواليس حياة الرئيس الراحل الشخصية، وعلاقته بزوجته تحية كاظم وأشقائه ووالده، وتضمنت فترة مشاركة الرئيس الراحل فى حرب فلسطين عام 1948.
فی السطور التالية وبالتزامن مع الذكری الـ49 لوفاته، ننشر وثائق وخطابات نادرة بخط يد الرئيس الراحل، تكشف فى هذه المرة أحداثا مر بها فی مرحلتى الطفولة والشباب، وهی المرحلة التى لا يعرف الكثيرون تفاصيلها، ولا يعرفون أن عبد الناصر و قبل أن يكون ضابطا بالجيش، كانت له هوايات صحفية وكان يشارك كذلك فى النشاط الفنی المدرسی، كما كان له نشاط سياسى وهو طالب، من خلال مشاركته فى المظاهرات ضد الإنجليز.
مرحلة الطفولة
فی الإسكندرية، ولد جمال عبدالناصر قبل عام من ثورة 1919، وخرج من عائلة فقيرة، وكانت بداية تعليمه فى ذات المحافظة قبل أن ينتقل إلى مدن أخری، بناء على رغبة أبيه عبد الناصر حسين، ، فخلال المرحلة الابتدائية التحق عبدالناصر بروضة الأطفال بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية فى الخطاطبة بالدلتا، ولم يمكث فيها سوى عام واحد قبل أن ينقله أبوه إلى منطقة الجمالية بالقاهرة فى عام 1925 ليقيم عند عمه خليل حسين، الذى عاش معه معظم فترات طفولته، وكان بعيدا عن أبيه، وذلك لمدة 3 سنوات، ولكن لم ينس أسرته التى كان دائما ما يتردد عليها فى الإجازات المدرسية.
دخل جمال 6 مدارس مختلفة، فى أماكن متفرقة، فبدأ فى روضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبة منذ عام 1923 وحتى عام 1924، وفى العام التالى انتقل إلى مدرسة النحاسين الابتدائية بحى الجمالية فى القاهرة، حيث قضى ثلاث سنوات، ثم عاد إلى الإسكندرية ليدخل مدرسة العطارين، وفى الثانوية دخل مدرسة حلوان الثانوية، ثم انتقل إلى مدرسة رأس التين عام 1930 ليتم فيها دراسته الثانوية، ويبدأ النشاط السياسى ويسير فى أول مظاهرة ضد الملك ويدخل إلى السجن للمرة الأولى.
عبد الناصر الطالب الثائر
كان جمال عبد الناصر فى طفولته دائم التنقل بين منازل عائلته، من منزل والده إلی منزل عمه خليل، وبعدها منزل جدته لوالدته، وذلك بعد وفاة والدته وهو ما زال طفلا، ليقضى رابع سنة فى الابتدائية فى محافظة الإسكندرية، وينقل بعدها إلى حلوان ليكمل المرحلة الثانوية، وهى المرحلة التى بدأ فيها يتشكل وعيه السياسى ويبدأ معها نشاطه الثورى.
لم يمكث جمال عبدالناصر فى مدرسة حلوان الثانوية سوى عام واحد فقط، قبل أن ينتقل من جديد إلى مدينة رأس التين بمحافظة الإسكندرية، ويلتحق بمدرسة رأس التين الثانوية، بناء على رغبة والده، ومن هذه المدرسة بدأ يشارك جمال عبد الناصر فى التظاهرات، وكان أول عمل ثورى يشارك فيه هى المظاهرات التى اندلعت ضد قرار رئيس الوزراء الأسبق إسماعيل صدقى بإلغاء دستور ١٩٢٣، حيث شارك عبدالناصر حينها فى المظاهرات الطلابية التى اندلعت فى عام 1930، وكان عمره لم يتخط الـ 12 عاما، وحينها تم اعتقاله ليبدأ مع تلك الواقعة تشكيل وعيه السياسى هناك.
فی مذكراته يحكی جمال عبد الناصر، تفصيليا، ذكرياته فى تلك المظاهرات، فيقول: كنت أعبر ميدان المنشية فى الإسكندرية حين وجدت اشتباكاً بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد فى تقدير موقفى، فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أن أعرف أى شىء عن السبب الذى كانوا يتظاهرون من أجله، ولقد شعرت بأننى فى غير حاجة إلى سؤال، لقد رأيت أفراداً من الجماهير فى صدام مع السلطة، واتخذت موقفى دون تردد فى الجانب المعادى للسلطة، ومرت لحظات سيطرت فيها المظاهرة على الموقف، لكن سرعان ما جاءت إلى المكان الإمدادات، حمولة لوريين من رجال البوليس لتعزيز القوة، وهجمت علينا جماعتهم، وإنى لأذكر أنى – فى محاولة يائسة – ألقيت حجراً، لكنهم أدركونا فى لمح البصر، وحاولت أن أهرب، لكنى حين التفت هوت على رأسى عصا البوليس، تلتها ضربة ثانية حين سقطت، ثم شحنت إلى الحجز والدم يسيل من رأسى مع عدد من الطلبة الذين لم يستطيعوا الإفلات بالسرعة الكافية، ولما كنت فى قسم البوليس، أخذوا يعالجون جراح رأسى، سألت عن سبب المظاهرة، فعرفت أنها مظاهرة نظمتها جماعة «مصر الفتاة» فى ذلك الوقت، للاحتجاج على سياسة الحكومة، وقد دخلت السجن تلميذاً متحمساً، وخرجت منه مشحوناً بطاقة من الغضب.
إلی القاهرة
مع تخطيه سن الـ 12 عاما، بدأ جمال عبد الناصر يشارك بقوة فى المظاهرات الطلابية ضد الإنجليز فى مصر، وتكونت لديه صورة ذهنية حول ضرورة مواجهة الاحتلال الإنجليزى، عندما وجد رفقاءه فى التظاهرات يسقطون بين قتيل وجريح جراء طلقات نار القوات الإنجليزية، ولعل هذا ما يفسر أسباب إصرار جمال عبد الناصر خلال ثورة 23 يوليو على جلاء القوات الإنجليزية من مصر، وإشرافه على جلاء آخر جندى عن مصر.
تكرار النشاط السياسى والمشاركة فى المظاهرات بشكل مستمر دفع مدرسة رأس التين الثانوية أن تطلب من عبد الناصر حسين، والد الزعيم، بأن ينقله من المدرسة، خاصة أنها وفقا لمذكرات وخطابات جمال عبدالناصر قد ضاقت ذرعا بنشاط جمال عبدالناصر فى المظاهرات، لينقله والده إلى القاهرة وبالتحديد حى الظاهر ويلتحق هناك بمدرسة النهضة الثانوية، وفيها لم يتوقف نشاط جمال على الدراسة فقط بل كان زعيما حتى فى المدرسة، حيث شارك فى انتخابات اتحاد الطلاب بالمدرسة وتم اختياره كرئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.
تأثره بحركة التنوير الفرنسية
فى أبرز ما نشره جمال عبدالناصر بمجلة المدرسة التى كانت تحمل اسم «النهضة»، كان عنوان المقال «فولتير رجل الحرية»، وفولتير هو الفيلسوف والأديب الفرنسى الذى ينسب له الفضل فى حركة التنوير بفرنسا فى القرن الـ17، وكان له مؤلفات وكتابات عديدة ينتقد فيها الديكتاتورية المنتشرة فى أوروبا خلال تلك الفترة، ويكشف المقال مدی تعلق جمال بكتابات فولتير وكذلك ثقافته وإيمانه بالتنوير.
ويقول «عبد الناصر» فى مقاله الذى نشر فى مجلة المدرسة، وحصلت «اليوم السابع» على نسخة منه: «بعد شبابه كان به شىء من الإجهاد، كان فولتير الذى اسمه فرانسوا أردى أمضى ثلاث سنين فى إنجلترا، وقد عاد سنة 1729 بعد أن اشتهر بكتابته، وكانت مشاغله تنحصر فى المحافظة على استقلاله ككاتب.. وقد عاش فولتير سنة 1755 بالقرب من بلده لبان فى مكان عجيب به منزله المسمى «دليس» بالقرب من جمهورية جنيف، وبالقرب جدا قصره المسمى «فرنيه» فى فرنسا، وكان يعيش فى القصرين فى فترات متقطعة، وكانت كل أوروبا تتوجه إليه بعينها، إذ كان يملك نشاطا غريبا، ويتلقى زوارا عددين ويكتب خطابات لا عدد لها، ويخط بريشته الحكم والفلسفة، والقذف فى الكنيسة، وضد التشريع وضد القانون، مما جعله زعيما كما جعله فريسة للتعصب، ولقد صرف أمواله ومواهبه فى سبيل ذلك».
يظهر من خلال خطابات وكتابات جمال عبد الناصر أيضا مدى تعلقه بأفكار المناضل مصطفى كامل وكتابات توفيق الحكيم، خاصة أن جمال عبد الناصر خلال مرحلة الثانوية كان كثير القراءة للروايات وكتب توفيق الحكيم وعبد الرحمن الرافعى.
الرئيس الراحل كانت له مقالات عن الأحداث التاريخية لمصر، من بينها مقاله فى مجلة المدرسة الثانوية التى كان يدرس بها وهى مدرسة النهضة، وحمل المقال عنوان «فى سبيل الحرية» تحدث فيه عن معركة رشيد 1807، وكتب قائلا:«يوم لا ينسی.. هذا اليوم العابس أوله، الباسم آخره، فى عام 1807 قال الإنجليز: هذه مصر استقلت عن الترك وحكمت نفسها، وهى على هذا لقمة سائغة تمضغ وتبتلع، إذ ماذا تستطيع ملايينهم الثلاثة أن تصنع أمام أسطول بريطانيا وجيشها المدرب العظيم ومدافعها وقنابلها؟ قال الإنجليز: هذه الفرصة قد سنحت لتحقيق حلم قديم وأمل طالما جاش بنفوس الإنجليز القدماء.
وما هى إلا أسابيع حتى رست على شاطئ الإسكندرية أساطيلهم، ودوت القذيفة الأولى من قذائف الجيش البريطانى، وهم يظنون أنها مسمار كبير فى نعش الحرية والكرامة المصرية، وعن قليل سوف تكفن هذه الحرية وتوسد فى قبرها ويهال عليها التراب، وأصبحت الإسكندرية ذات الماضى الحافل تتقد ناراً وتشتعل نار رأى المصريون على ضوئها أفظع صور الظلم والجشع والطغيان، فهام أهل الإسكندرية على وجوههم وخرجوا بأطفالهم ونسائهم، لا يعرفون مصيرهم، وبيوتهم من ورائهم تعصف بهم عواصف الجحيم، ناراً فى كل مكان، ناراً فى المدينة، وناراً فى القلوب.
وتابع عبدالناصر فى مقاله: «الإنجليز سعداء بالنصر الذى فازوا به، ونزلت الجيوش الإنجليزية إلى المدينة تزهو بالنصر، وسارت حتى وصلت إلى رشيد، وكانت إن ذاك بلدة تشعر بقوميتها، فهبت كرجل واحد، ولم تنتظر أمر الحاكم بل دبرت أمرها بنفسها، فقسمت رجالها قسمين، قسم ذهب إلى الحماد يستدرج الإنجليز إلى المدينة، وقسم بقى فى الدور لا يشعر به أحد هناك، وعندما اقتحمت فلول الأعداء المدينة، صب عليهم الموت من تلك النوافذ المغلقة».
قراءات عبد الناصر وشغفه بالفن
تقارير صحفية كثيرة كشفت حب جمال عبدالناصر للقراءة، حيث أكدت أنه قبل أن يتم الثانوية العامة كان قد قرأ 36 كتابا، مثل مغامرة بونابرت فى مصر لـ«الجود»، والاستراتيجية الإنجليزية للسير موريس، ورحلتى الأولى لبحار الجنوب لكينجستون، وتاريخ الثورة المصرية 1،2،3 لعبدالرحمن الرافعى، والأزمة العالمية
لـ«تشرشل»
ولم يقتصر اهتمام جمال عبدالناصر على النشاط السياسى فقط فى المدرسة الثانوية، بل كان له أيضا نشاط فنى، وهو ما يفسر مشاركته فى مسرحية « يوليوس قيصر لشكسبير»، التى نظمتها المدرسة، ولعب فيها الزعيم الراحل دور يوليوس قيصر، ونالت هذه المسرحية إعجاب الكثيرين ممن حضورها سواء من أدباء أو مسؤولين فى ذلك الوقتـ وهو ما يكشف عن قدرات جمال عبد الناصر الفنية.
شغف جمال عبدالناصر بالفن، يفسر إلى حد كبير أسباب دعمه للفن خلال فترة حكمه لمصر وحضوره لمسرحيات إسماعيل ياسين، وكذلك بعض أفلامه، ودعمه للعديد من الفنانين، وهناك موقف يكشف مدى اهتمام جمال عبد الناصر بالفن، ذكرته تقارير صحفية عربية فى وقت سابق، واقعتها كانت فى نهاية الخمسينيات من القرن الماضی، وعندما كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فی المغرب حيث فوجئ بمواطن مغربی خرج لتحيته، وعندما سمح له بمصافحته قال له المغربی: «سيدی الرئيس هل يمكن أن توصل سلامی للفنان إسماعيل ياسين؟» وفور وصول جمال عبد الناصر إلى مصر حقق أمنية المواطن المغربى، ووجه الرسالة لإسماعيل ياسين، لتخرج بعدها أفلام «إسماعيل ياسين فی الجيش» و«إسماعيل ياسين فی الأسطول» «وإسماعيل ياسين فی البحرية»، و« إسماعيل ياسين فی الطيران».
من بين مظاهر اهتمام الرئيس الراحل بالفن خلال فترة حكمه أيضا قراره عام 1958 بإنشاء وزارة تعنی بشؤون الثقافة، وكان على رأسها الراحل ثروت عكاشة أول وزير للثقافة والإرشاد القومى، وخلال تلك الفترة تم إرساء البنية التحتية للثقافة وإنشاء كثير من الهيئات التی عملت على إثراء الحياة الثقافية والفنية، مثل المجلس الأعلى للثقافة، وهو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب آنذاك، والهيئة العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية، التی كانت تحوی فی ذاك الوقت نحو نصف مليون مجلد من الكتب والمخطوطات القيمة، للمحافظة على التراث المصری بداخله، بالإضافة إلى تأسيس فرق دار الأوبرا المختلفة مثل أوركسترا القاهرة السيمفونى، وفرق الموسيقی العربية، والسيرك القومی ومسرح العرائس، والاهتمام بدور النشر، كإنشاء المكتبة الثقافية، التی كانت النبتة الأساسية لمشروع مكتبة الأسرة، فضلا عن رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية، والسماح بإنتاج أفلام من قصص الأدب المصری الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية، وإنشاء أكاديمية الفنون، عام 1969، كان واحدا من أهم إنجازات «ناصر»، فهی أول جامعة لتعليم الفنون ذات طبيعة منفردة فی الوطن العربى، حيث تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والموسيقى والفنون الشعبية.
جمال عبد الناصر جريح
واقعة أخری فی حياة جمال عبدالناصر، يكشفها خطاب بخط صديقه حسن النشار عن الحركة الوطنية بين الطلبة لعودة الدستور والاستقلال، قال فيه: لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس، ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأساً على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم؟! أين من يخلق خلفاً جديداً لكى يصبح المصرى خافت الصوت، ضعيف الأمل، الذى يطرق برأسه ساكناً صابراً على اهتضام حقه، ساهياً عن التلاعب بوطنه، يقظاً عالى الصوت عظيم الرجاء، رافعاً رأسه يجاهد بشجاعة وجرأة فى طلب الاستقلال والحرية، حيث قال مصطفى كامل: «لو نقل قلبى من اليسار إلى اليمين أو تحرك الهرم من مكانه المكين أو تغير مجرى النيل، فلن أتغير عن المبدأ».
ووفقا لوثيقة يعود تاريخها لعام 1935 لمجلة الجهاد حينها، ورد اسم جمال عبد الناصر ضمن الجرحى فى المظاهرات الطلابية فى نوفمبر 1935، حيث قاد الزعيم الراحل مظاهرات ضد إعلان وزير الخارجية البريطانية عودة الحياة الدستورية فی مصر، وخرجت المظاهرة من مدرسة النهضة الثانوية واجهتها قوة من البوليس الإنجليزی، فأصيب جمال بجرح فی جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد، ونقله زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد التی تصادف وقوع الحادث بجوارها لتضع اسمه ضمن الجرحى.
وفى خطاب آخر وجهه جمال عبدالناصر بخط يده لصديقه حسن النشار عن الثورة الطلابية، قال فيه: يقول الله تعالى:
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة».. فأين تلك القوة التی نستعد بها لهم؟ إن الموقف اليوم دقيق ومصر فی موقف أدق».
فى خطاب آخر بخط يده– حصلت «اليوم السابع» عليه- لصديقه فى المدرسة «على» يتحدث فيه جمال عبدالناصر عن شعوره بعد مشاركته فى المظاهرات الطلابية عام 1935 حيث يقول لصديقه:«لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس، ونفضنا بشائر الحياة، واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأسا على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى، يوم أن كانت مالكة العالم؟! أين من يخلق خلفا جديداً، لكى يصبح المصرى الخافت الصوت، الضعيف الأمل، الذى يطرق برأسه ساكناً صابراً على اهتضام حقه، ساهياً عن التلاعب بوطنه، يقظاً عالى الصوت، عظيم الرجاء، رافعاً رأسه، يجاهد بشجاعة وجرأة فى طلب الاستقلال والحرية؟ فحقا، إن المصرى يجزع من حفيف ثيابه فى راجعة النهار، ولكن يجب أن يقوموا من يقودونهم إلى مواقف الدفاع ومواطن الكفاح، فيكون لهم صوت أعلى من صوت الرعد، تتداعى لقوته أبنية الظلم والاستبداد».
مشاركات عبدالناصر فى الحملات الوطنية
لم يقتصر دور جمال عبد الناصر، عندما كان طالبا بالمدرسة الثانوية، علی دعمه لقضايا بلاده على المشاركة فى المظاهرات الطلابية فقط، بل كان يشارك أيضا فى الحملات الوطنية التى تستهدف تحسين الاقتصاد المصرى، ومن بينها مشروع «القرش»، وقد حصلنا على نسخة من كارنيه انضمام الرئيس الراحل لمشروع «القرش»، وهو مشروع تبناه أحمد حسين وفتحى رضوان من عام 1931 إلى عام 1933، لحث كل مواطن مصرى على التبرع بقرش واحد لإنقاذ الاقتصاد المصرى، الذى كان يعانى من آثار انخفاض أسعار القطن فى الأسواق وقد حمل الكثير من طلبة الجامعات عددا من دفاتر المشروع من أجل جمع التبرعات.
ولم يكن هذا هو النشاط الطلابى الوحيد لجمال عبد الناصر، بل كانت له مساهمات كبيرة خاصة فى عام 1936 فى تشكيل الجبهة الوطنية لمواجهة الاحتلال الإنجليزى، وكانت هذه الجبهة مكونة من الطلاب الرافضين لوجود القوات الإنجليزية فى مصر، وكانت هذه الجبهة تنظم زيارات بشكل يومى إلى عدد من الزعماء الوطنيين لتنظيم دروس دينية للطلاب لشحن روح الوطنية لديهم.
المدرسة تفصل «ناصر»
مع تصاعد مشاركة الرئيس الراحل فى المظاهرات والأنشطة السياسية بدأت مدرسة النهضة الثانوية التى كان طالبا فيها تتخوف من نشاطه، وكان من نتيجة النشاط السياسى المكثف لناصر فى هذه الفترة الذى رصدته تقارير البوليس السياسی، أن قررت مدرسة النهضة، التى كان ناظرها حينها شخصية إنجليزية، فصله، بتهمة تحريضه الطلبة على المظاهرات، إلا أن زملاء عبد الناصر تضامنوا معه، وأعلنوا الإضراب العام، وهددوا بحرق المدرسة، ليتسبب هذا فى تراجع ناظر المدرسة عن قراره.
المهندس عبدالحكيم عبدالناصر، نجل الرئيس الراحل يتحدث عن فترة الملكية فى مصر، وما فعلته بريطانيا خلال وجود قواتها على الأراضى المصرية خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى، قائلا: إن خصوم جمال عبدالناصر، يسعون لترديد أكاذيب حول أن بريطانيا كانت مدينة لمصر فى عهد الملكية ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، فبريطانيا استولت بالقوة أثناء الحرب العالمية الثانية، على كمية من المحاصيل الزراعية المصرية قيمتها 3 ملايين جنيه إسترلينى، ووعدت بتسديد المبلغ فيما بعد، ولكنها لم تسدد قيمته، كما أن بريطانيا تورطت فى خطف عدة آلاف من الفلاحين المصريين من قراهم، وجندتهم لخدمة المجهود الحربى البريطانى ووعدت الحكومة البريطانية بتقديم تعويضات لأسر الضحايا قيمتها 2 مليون جنيه إسترلينى ولكنها أيضا لم تدفع مليما واحدا من هذا المبلغ حتى اليوم.
ويضيف عبدالحكيم أنه كان ضروريا تذكر تلك الصورة البائسة لمصر قبل 52، وذلك حتى ننعش ذاكرة هؤلاء الذين يحنون إلى أيام الملك، ويزعمون أن مصر كانت دائنة لبريطانيا «العظمى».
شائعة انضمامه لجماعة الإخوان
الدكتورة هدى عبدالناصر تتحدث عن فترة انضمام والدها للأحزاب السياسية قائلة: منذ المظاهرة الأولى التى اشترك فيها ناصر بالإسكندرية شغلت السياسة كل وقته، وقد حكى لى أنه تجول بين التيارات السياسية التى كانت موجودة فى هذا الوقت، فانضم إلى «مصر الفتاة» لمدة عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئاً، كما كانت له اتصالات متعددة بالإخوان فى البداية، إلا أنه عزف عن الانضمام لأى من الجماعات أو الأحزاب القائمة، لأنه لم يقتنع بجدوى أى منها، فلم يكن هناك حزب مثالى يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية.
وفى حوار سابق لهدى عبدالناصر مع «اليوم السابع»، تحدثت فيه عن شائعة انضمام عبدالناصر للإخوان قائلة: عرضت حينها وثيقة بقرار الرئيس الراحل بحل جماعة الإخوان لتحدثنا أكثر عن علاقة الرئيس الراحل بالجماعة، مؤكدة أن الرئيس الراحل كان عدوا للإخوان، لافتة إلى أن الدليل على ذلك هو حادث محاولة الاغتيال فى المنشية عام 1954، للتأكيد على أنه لم ينضم يوما للجماعة كما روج البعض، وأضافت: «الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لف على كل الأحزاب، وكان عضوا فى حزب مصر الفتاة وهو فى مرحلة الابتدائية، وكانت الابتدائية فى الماضى تشمل الابتدائية والإعدادية، فموضوع الإخوان هذا محسوم على لسانه وهو قاله فى حديث صحفى قبل ذلك».
المهندس عبدالحكيم عبدالناصر تحدث فى حوار خاص أيضا عن شائعات الإخوان حول انضمام الرئيس الراحل للجماعة، قائلا:» «الحديث عن أن جمال عبدالناصر درب الإخوان لأنهم كانوا داخلين على المقاومة فى حرب فلسطين، ومن حديثه مع صحفى إنجليزى فى حوار بمناسبة 10 سنوات على ثورة 23 يوليو، وكان الحوار الصحفى فى عام 1962 وسأله سؤالا صريحا حول انضمامه للإخوان، وأجاب عبد الناصر بأنه لم ينضم على الإطلاق، وكان هناك حوار آخر فى عام 65 مع معسكر شباب حلوان، وأكد فيه جمال عبد الناصر عدم الانضمام لجماعة الإخوان، وجمال عبدالناصر فى فترة الثورة دخل فى جميع التنظيمات السياسية، وهو شخصية صعبة جدا وضد فكر الإخوان، وأكثر حزب انضم له جمال عبدالناصر كان حزب مصر الفتاة، لكنه انضم لكل الأحزاب خلال فترة شبابه، لأنه كان يريد تكوين شخصيته وفكرته، ولكن تركهم جميعا، ولم ينضم إطلاقا لجماعة الإخوان كما تزعم الجماعة».
من بين من تحدثوا أيضا حول قضية انضمام جمال عبدالناصر للإخوان، كان ثروت الخرباوى، القيادى السابق بجماعة الإخوان خلال كتابه عن الرئيس الراحل، الذى تضمن تساؤلات كثيرة تدور حول شخص «عبد الناصر» وعلاقته بجماعة الإخوان، وحقيقة انضمامه إليها يجيب عنها الخرباوى فى كتاب من إصدارات «كتاب اليوم»، حيث اعتمد على إخضاع الأمر للدراسة والتحليل والموضوعية ليؤكد ابتعاده عن الذاتية والشخصنة حتى لا تتوه الحقيقة نتيجة أمرين، أولهما غياب الوثائق ونقص المصادر، ولكنه خلص فى النهاية إلى أن جمال عبدالناصر لم ينضم لجماعة الإخوان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة