48 يوما مرت على واقعة من أبشع الوقائع الإجرامية التى حدثت فى عام 2019 وهى ذبح مدرس فى الفيوم لزوجته وأبناءه الأربعة، حيث أمرت المحكمة أمس بإيداع المتهم "خالد.م.ف.ع" (35 سنة-مدرس لغة إنجليزية)، بمعهد الفتيات الأزهرى بقرية الحريشى بمركز الفيوم، بمستشفى الأمراض النفسية والعصبية بالعباسية لوضعه تحت الملاحظة لمدة 45 يوميا.
قرارات المحكمة
المحكمة قررت تكليف لجنة ثلاثية من الأطباء المختصين بهذه المستشفى، لتوقيع الكشف الطبى على المتهم، وملاحظة حالته النفسية والعقلية لبيان إذا كان مصابا بأى أمراض عقلية أو نفسية وقت ارتكاب الواقعة محل التهمة المسندة إليه، من عدمه، وفى حالة إصابته بيان إذا كان مسئولا عن أفعاله وتصرفه عن الجريمة المسندة إليه، وإعداد تقرير طبى مفصل بحالته، كما حددت جلسة اليوم الخامس من دور شهر نوفمبر لسنة 2019م لورود التقرير مع استمرار حبس المتهم لتلك الجلسة، وتكليف النيابة بإحضاره للجلسة المقررة.
متى يكون الاضطراب النفسي سبباً للإعفاء من المسئولية الجنائية أو ظرفاً مخففاً للعقوبة؟
فى التقرير التالى "اليوم السابع" يلقى الضوء على السؤال الذى يطرح نفسه هنا عقب صدور ذلك القرار بإيداع "المدرس" مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بالعباسية لوضعه تحت الملاحظة لمدة 45 يوميا، متى يكون الاضطراب النفسى سببًا للإعفاء من المسئولية الجنائية أو ظرفًا مخففًا للعقوبة؟ علاقة مثل هذا القرار بالمادة 62 عقوبات المستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 2009 بشأن رعاية المريض النفسي؟ - بحسب الخبير القانونى والمحامى حسام الجعفرى.
نص مستحدث
نصت المادة 62 فقرة 1 عقوبات المستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 2009 بشأن رعاية المريض النفسى، وهو نص مستحدث، على إضافة الاضطراب النفسى للمتهم إذا ما أفقده الإدراك أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة واعتبره سببًا للإعفاء من المسئولية الجنائية، حيث أنه لا يسأل جنائيًا الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذى يعانى من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيًا كان نوعها إذا أخذها قهرًا عنه أو عن غير علم منه، ويظل مسئولًا جنائيًا الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة فى اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة.
ضرورة تعيين خبير للبت فى هذه الحالة إثباتًا أو نفيًا
وإذا اقتصر أثره على الانتقاص من إدراك المتهم أو اختياره يظل المتهم مسئولًا عن ارتكاب الجريمة، وإن جاز اعتبار هذا الانتقاص ظرفًا مخففًا يصح للمحكمة الاعتداد به عند تقدير العقوبة التى توقع عليه، وقد استقرت محكمة النقض على أن تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية من المسائل الموضوعية التى تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه لسلامة الحكم يتعين إذا ما تمسك به المتهم أن تجرى تحقيقًا فى شأنه بلوغًا كفاية الأمر فيه، ويجب عليها تعيين خبير للبت فى هذه الحالة إثباتًا أو نفيًا، أو أن تطرح هذا الدفاع إذ لا يصح طرحه بخلو الأوراق مما يفيد على وجه قاطع أن المتهم كان يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى – وفقا لـ"الجعفري".
المادة 338 نصت على أنه: "إذا دعا الأمر إلى فحص حالة الاضطراب العقلى للمتهم يجوز لقاضى التحقيق أو للقاضى الجزئى كطلب النيابة العامة أو المحكمة المنظورة أمامها الدعوى على حسب الأحوال أن يأمر بوضع المتهم إذا كان محبوسًا احتياطيًا تحت الملاحظة فى إحدى منشآت الصحة النفسية الحكومية المخصصة لذلك لمدة أو لمدد لا يزيد مجموعها على خمسة وأربعين يومًا بعد سماع أقوال النيابة العامة والمُدافع عن المتهم أن كان له مُدافع".
وضع المتهم تحت الملاحظة 45 يومًا
فيما يجوز إذا لم يكن المتهم محبوسًا احتياطيًا أن يأمر بوضعه تحت الملاحظة في أي مكان آخر، كما نصت المادة 339 على أنه إذا ثبت أن المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب اضطراب عقلى طرأ بعد وقوع الجريمة يوقف رفع الدعوى عليه أو محاكمته حتى يعود إليه رشده، ويجوز في هذه الحالة لقاضي التحقيق أو للقاضي الجزئي كطلب النيابة العامة أو المحكمة، المنظورة أمامها الدعوى إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة عقوبتهما الحبس إصدار الأمر بحجز المتهم فى أحد المحال المعدّة للأمراض العقلية إلى أن يتقرر إخلاء سبيله".
وإذا صدر أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى أو حكم ببراءة المتهم وكان ذلك بسبب اضطراب عقلى تأمر الجهة التى أصدرت الأمر أو الحكم، إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة عقوبتها الحبس بحجز المتهم في أحد المحال المعدة للأمراض النفسية إلى أن تأمر الجهة التى أصدرت الأمر أو الحكم بالإفراج عنه، وذلك بعد الإطلاع على تقرير مدير المحل وسماع أقوال النيابة العامة وإجراء ما تراه لازمًا للتثبت من أن المتهم قد عاد إلى رشده" – الكلام لـ"الجعفرى".
محكمة النقض والتصدى للأزمة
محكمة النقض المصرية هى الأخرى تصدت للإجابة على السؤال متى يكون الاضطراب النفسى سببًا للإعفاء من المسئولية الجنائية أو ظرفًا مخففاً للعقوبة؟ وعلاقة الأزمة بالمادة 62 عقوبات المستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 2009 بشأن رعاية المريض النفسي، فى الطعن المُقيد برقم 27158 لسنة 86 جلسة 2018/12/09.
قالت المحكمة فى حيثيات الحكم، أن دفاع المتهم بالمنازعة فى مدى مسئوليته لإصابته بمرض نفسى أو عقلى ينال من إدراكه أو شعوره يُعد دفاعاَ جوهرياَ، وعله أساس ذلك، تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية، ووجوب تحقيق محكمة الموضوع لها وتعيين خبير للبت فيها إثباتا أو نفيًا، ما دام المتهم قد تمسك بها - لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن واطرحه فى قوله : "وحيث إنه وعن الدفع بامتناع عقاب المتهم عملًا بنص المادة 62/1 عقوبات فإنه مردود إذ خلت الأوراق مما يفيد على وجه قاطع أن المتهم كان يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى افقده الإدراك أو الاختيار ومن ثم تقضى المحكمة برفض هذا الدفع".
المادة 62 من قانون العقوبات
لما كان ذلك، وكان النص فى المادة 62 من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسى وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات قد نص على أنه " لا يسأل جنائيًا الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذى يعانى من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيًا كان نوعها إذا أخذها قهرًا عنه أو عن غير علم منه، ويظل مسئولًا جنائيًا الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة فى اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة".
وهو نص مستحدث يتمثل فى إضافة الاضطراب النفسى للمتهم إذا ما أفقده الإدراك أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة واعتبره سببًا للإعفاء من المسئولية الجنائية، أما إذا اقتصر أثره على الانتقاص من إدراك المتهم أو اختياره يظل المتهم مسئولًا عن ارتكاب الجريمة، وإن جاز اعتبار هذا الانتقاص ظرفًا مخففًا يصح للمحكمة الاعتداد به عند تقدير العقوبة التى توقع عليه، وإذ كان دفاع المتهم بالمنازعة فى مدى مسئوليته لإصابته باضطراب نفسى أو عقلى ينال من إدراكه أو شعوره، دفاع جوهرى إذ يترتب على ثبوته إعفاء المتهم عن المسئولية أو الانتقاص منها وفق ما تضمنه النص سالف الذكر .
لما كان ذلك، ولئن كان من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية من المسائل الموضوعية التى تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه لسلامة الحكم يتعين إذا ما تمسك به المتهم أن تجرى تحقيقًا فى شأنه بلوغًا كفاية الأمر فيه، ويجب عليها تعيين خبير للبت فى هذه الحالة إثباتًا أو نفيًا، أو أن تطرح هذا الدفاع بما يسوغ - لما كان ذلك، وكان ما رد به الحكم على دفاع الطاعن فى هذا الشأن – على السياق المتقدم – لا يسوغ به اطراحه، إذ لا يصح أطراحه بخلو الأوراق مما يفيد على وجه قاطع أن المتهم كان يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى لأن إبداءه يتضمن الدعوة إلى تحقيقه، مما يصم الحكم – فى الرد على هذا الدفاع بالقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة