يعد المفكر الكبير فراس السواح أحد الذين سعوا باقتدار لقراءة أساطيرنا الشرقية بتمعن وتوصل من خلالها إلى أسس جديدة يمكن من خلالها إعادة قراءة ماضينا ومعرفة الخطوط العريضة التى نفكر من خلالها، ومن ذلك كتابه المهم "لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة".
يقول فراس السواح عن الكتاب: "ولعل أهم ما علمني إياه العمل في هذا المؤلف، هو وحدة التجربة الروحية للإنسان عبر الزمان واختلاف المكان، وأن كل دين ونظام ميثولوجي ليس إلا قطعة ملونة صغيرة في فسيفساء بديعة زاخرة بالأجزاء التي تبدو مستقلة عن قرب، متوحدة عن بعد، فى نظام متكامل يعطي معنى لكل جزء من أجزائه، ويستمد معناه من هذه الأجزاء ذاتها.
في البداية كنت أطمح إلى تقديم بحث واف عن شخصية الآلهة والأم أو الأم الكبرى في النسق الميثولوجي السوري-البابلي ومتوازياتها في الثقافات الكبرى المجاورة، ثم اكتشفت تدريجياً أن الحيز الثقافي والمدى الزمني، الذين حددتهما إطاراً للبحث، قاصران عن الإحاطة بالموضوع، كان تتبع الأم الكبرى يوغل بي زمنياً إلى ما وراء حدود التاريخ حيث وجدت نفسي أودع النصوص المكتوبة ولا شواهد ولا علامات تدلني سوى الأدوات الحجرية وأعمال الإنسان الفنية الأولى وكان اقتفاء أثر قدميها على الأرض يأخذني في الاتجاهات الأربعة. حتى درت المعمورة راجعاً إلى نقطة المبتدى".
كتاب لغز عشتار
ومن خلال ما كتبه القراء تعليقا على الكتاب فى موقع good reads يمكن القول: "في هذا الكتاب يبحث فراس السواح في المنبع الأول للدين والأسطورة من خلال تحليله لتجليات الأم الكبرى من الألف العاشر قبل الميلاد، حيث كانت هي الصورة الأولى للإله من بدايات تحول الإنسان للزراعة إلى أن بدأت الإلوهة المذكرة في فرض نفسها على التاريخ الإنساني من خلال الانقلاب الذكري على المجتمع الأنثوي فتحولت الألوهة المؤنثة إلى مجرد تابع إلى أن تم تهميش دورها بشكل كبير في التجلي الأخير لها "مريم العذراء". يبحث الكاتب هنا في مراحل تطور الأم الكبرى وتجلياتها في أفكار وأساطير الشعوب و الأشياء التي طرأت عليها في كل تجلي. أما عن اختياره لاسم عشتار فكان من قبيل التعميم، فعشتار هو مجرد اسم لكل أسماءها المختلفة تحت اسم عشتار وعستارت وإنانا وعناة وإيزيس وديمتر وبيرسفوني وأفروديت والعزى.. وكل أشكاله التي ظهرت بها في التاريخ الإنساني.
يتقسم الكتاب إلى عناوين رئيسية لأشكال عشتار، مثل عشتار القمر، عشتار الخضراء، عشتار العذراء، عشتار البغي المقدسة، عشتار السوداء، عشتار سيدة الاسرار.. وداخل كل فصل يتناول تغير أسماءها داخل كل شكل. وبعدها فصل بعنوان تموز الخضر، وفيها يتناول ما بعد تحول دور الابن التابع إلى إله مستقل ومراحل انفصاله عن الأم الكبرى وتطوراتها في معتقدات الشعوب.
ويخصص فصل بعدها لإظهار كيفية علو الإله الذكر وتفرده بالإلوهة من خلال الصراع القائم بين أنصار بعل وإيل، وتمخض عن هذا نشأة للديانة اليهودية وتحول إيل إلى يهوه داخل العهد القديم.
وفى الفصل الأخير يتناول عشتار المخلصة، وهنا يتناول تجليات عشتار كأم مخلصة ثم تحول الابن وظهوره كمخلص مع إظهاره لكيفية تطور الأفكار وصولا إلى يسوع المخلص، حيث يختفي دور مريم أو الأم الكبرى من الديانة الجديدة وتسليط الضوء على الصراع القائم في الكنيسة في القرن الرابع حول مريم وقدسيتها والإقرار بها أخيرا كأم للإله ولا بأس من الصلاة لها.