تعتبر مسألة العلامات التجارية من المسائل الهامة فى عملية التسويق، حيث تُعد الميزة الرئيسية التى تميز كل منتج معين سلعةً كانت أم خدمة عن غيره، لتمكين المستهلك من التعرف على حقيقة مصدرها أينما وجدت أو كانت، حيث تنقسم من حيث معرفة الجمهور بها إلى علامات تجارية عادية وعلامات مشهورة ظهرت نتيجة عولمة التجارة، والتطور المذهل في وسائل الاتصال والدعاية والإشهار، وتلعب دورا هاما فى الحياة الاقتصادية المعاصرة.
وتعد "العلامة التجارية" وسيلة اتصال بين مالك العلامة ومستهلك البضاعة الذى غالبا ما ينظر إلى العلامة التى تميز السلعة قبل أن يقرر اقتنائها، لأن شهرة وسمعة العلامة تعني الجودة أو توافر الصفات التى يريدها فى المنتج، وكثيرا ما تكون القيمة الاقتصادية والمالية للعلامة دافعا للمقلدين والمزورين ومزاولى المنافسة غير الشريفة لمحاولة استغلالها.
ضمان حماية العلامات التجارية
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية العلامات التجارية والتشريعات العربية التى تصدت للأزمات الناجمة عن تقليد العلامة التجارية أو سرقتها، وخطورة هذا الاعتداء على حقوق الملكية، والإساءة إلى سمعة أصحاب العلامات، والإضرار بصحة وثقة المستهلكين، ما أدى لإبرام العديد من الاتفاقيات، لضمان حماية العلامات التجارية، لكن كثيرا ما يكون ذلك مقترنا بضرورة قيام صاحب العلامة باستكمال بعض الإجراءات والشكليات لإضفاء الحماية اللازمة على علامته – بحسب المحامى والباحث القانونى بالملكية الفكرية أيمن عويان.
فى البداية – يجب أن نعلم أن المشرع الخليجى أجاز وفقا لنظام قانون العلامات الموحد لدول مجلس التعاون الخليجى الذى اعتمده المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربى فى دورته "الثالثة والثلاثين" الذى عقد فى مملكة البحرين يومى 11 و12 – 2013، حيث نص فى المادة الثانية من النظام الموحد للعلامات التجارية على تعريف العلامة التجارية بأنها:
تعريف العلامات التجارية لدى مجلس التعاون الخليجى
"كل ما يأخذ شكلا مميزا من أسماء أو كلمات أو إمضاءات أو حروف أو رموز أو أرقام أو عناوين أو أختام أو رسوم أو صور أو نقوش أو تغليف، أو عناصر تصويرية أو أشكال أو لون أو مجموعات ألوان، أو مزيج من ذلك أو أية إشارة أو مجموعة إشارات، إذا كانت تستخدم أو يراد استخدامها فى تمييز سلع أو خدمات منشأة ما عن سلع أو خدمات المنشآت الأخرى، أو للدلالة على تأدية خدمة من الخدمات، أو على إجراء المراقبة، أو الفحص للسلع أو الخدمات".
ويمكن اعتبار العلامة الخاصة بالصوت أو الرائحة علامة تجارية إمكانية تسجيل علامة الصوت أو الرائحة كعلامة تجارية، وإن كان يحسب للمشرع الخليجى التوسع فى ذلك، وأنه كان سباقا مقارنة بالقوانين العربية، إلا أنه يأخذ عليه في عدم النص صراحة على ذلك، وأن النص يحتمل التأويل.
واتخذ المشرع الخليجي نهج أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التى تمنح علامة الصوت أو علامة الرائحة الحماية القانونية – وفقا لـ"عويان".
النظام الموحد
بل توسع القانون بأن سمح لجميع الأنشطة بتسجيل العلامة التجارية، حيث تبنى النظام الموحد المفهوم الواسع للعلامات التجارية، وكان فى ذلك سباقا لبعض القوانين العربية المقارنة، فقد فتح الباب واسعا، عندما أجاز تسجيل العلامات لكافة الأنشطة التجارية والصناعية والحرفية والخدمية والمهنية، كما لم يفرق بين الأعمال والأنشطة التجارية أو المدنية، إذ لا شىء يمنع أصحاب الأعمال المدنية كالمزارعين، وأصحاب الصناعات الاستخراجية، من تسجيل علامتهم التجارية لتميز منتجاتهم الزراعية أو الاستخراجية، كما أجاز تسجيل علامة الصوت أو علامة الرائحة، ونص على ذلك فى نهاية المادة الثانية من النظام، وهذا يعتبر سبق أيضا مقارنة للتشريعات العربية الأخرى.
ملاحظات هامة في النظام الموحد
ويلاحظ من الناحية التشريعية أن المشرع الخليجي اعتبر علامة المراقبة والفحص للسلع أو الخدمات علامة تجارية، ويلاحظ أيضا انه أجاز اعتبر اللون الواحد علامة تجارية إذا ما كان هذا اللون الواحد مميزا، كما أخذ المشرع الخليجي بالأغلفة ما دامت تأخذ شكلا مميزا "العلامة المجسمة أو ثلاثة الأبعاد"، فيما أدخل المشرع الخليجي علامة الصوت أو الرائحة من ضمن ما يمكن أن يكون علامة تجارية يتم تسجيلها متضمن تعدادا لأشكال العلامات التجارية على سبيل المثال لا الحصر – الكلام لـ"عويان".
علامات تجارية جديدة فى النظام الموحد
ومن أشكال العلامات التجارية التي أضيفت بالنظام هى علامات غير تقليدية تسجل كعلامة تجارية "الأسماء" كاسم شخص أو عائلة أو شخص مشهور للغير، وفى هذه الحالة تحديدا يجب أخذ موافقة الشخص إن كان حيا أو موافقة ورثته، حيث أجاز المشرع الخليجى استخدم الأسماء سواء الإسم الشخصى أو إسم العائلة أو إسم شخص مشهور، بشرط أن تتخذ شكلا مميزا، وأن فى حالة اسم الشخص المشهور لابد من موافقته إن كان حيا أو موافقة ورثته إذا كان على غير قيد الحياة.
كيف يصبح الإسم المدنى مال قابلا للتعامل به؟
والإسم المدنى هو الاسم المعروف فى السجل المدنى، والذى يتكون عادة من الإسم الشخصى واللقب "اسم العائلة"، ويعد الإسم المدنى من الحقوق الملازمة للشخص الطبيعي واللصيقة به وهو لا يشكل في الأصل صنفا من صنوف الحقوق المالية، وبالتالى فهو لا يصلح أن يكون محلا للتصرف به وبالتنازل عنه، ولا يسقط بعدم الاستعمال أو الترك ولا يخضع للتقادم.
ولكن منذ اللحظة التى يتخذ فيها التاجر من اسمه المدنى علامة تجارية، فإن الإسم المدنى عنصرا من عناصر المشروع التجارى، ويشكل جزءا من الحقوق المالية، ويصبح مالا قابلا للتعامل به، ويسقط بالترك أو عدم الاستعمال أو الشطب، وفي جميع الأحوال إن استعمال الشخص اسمه المدني علامة تجارية مميزة لا يعنى إن صاحبه فقد حقوقه على اسمه. إذا أن الاسم المدني المستخدم علامة تجارية يصبح في حقيقة الأمر اسما ذات طبيعة قانونية مزدوجة طبيعة مدنية باعتباره عنصرا مميزا لشخصية صاحبه عن بقية أفراد المجتمع وطبيعة تجارية لكونه عنصرا مميزا للعلامة التجارية
العلامات التجارية في التشريع المصرى..
عدم الأخذ بتسجيل اللون الواحدأما العلامات التجارية في التشريع المصري، نلاحظ أنه لم يسمح بتسجيل اللون الواحد كعلامة تجارية، وإنما سمح لمجموعة الألوان التى تتخذ شكلا مميزا أن تسجل كعلامة تجارية، وأيضا أخرج المشرع المصرى العلامة المجسمة من العلامات التى يجوز أن تسجل كعلامة تجارية.
الجدير بالذكر أن المادة "64" من مشروع قانون حماية حقوق الملكية الفكرية كانت تتضمن – الأشكال المجسمة - ضمن الأمثلة التي ذكرتها للعلامة التجارية، وتوجب حمايتها غير أن اللجنة المكلفة بإعداد مشروع القانون قررت حذف عبارة - الأشكال المجسمة - من المادة "64" في جلسة 30/4/2000 قبل إحالة المشروع إلى مجلس الوزراء للنظر فى إقراره، حيث وجدت اللجنة أن الأشكال المجسمة يمكن حمايتها كرسوم ونماذج صناعية.
مصر واتفاقية "التربس"
وبالتالى فإن حمايتها كعلامة من شأنه ازدواج الحماية وإتاحة فرصة الالتفاف حول الأحكام الآمرة المتعلقة بمدة الحماية المقررة قانونا للنماذج الصناعية عن طريق تسجيل الشكل المجسم كعلامة تجارية وتجديد مدة الحماية على التوالي بدون حد أقصى لعدد مرات التجديد بدلا من تسجيله كنموذج صناعي لمدة حدها الأقصى 15 سنة، ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية "التربس" لم تفرض على الأعضاء حماية الأشكال المجسمة ثلاثية الأبعاد كعلامة تجارية، ولكنها تركت الخيار للدول الأعضاء في حمايتها، وأيضا يتفق ذلك مع موقف معاهدة قانون العلامات التجارية المبرمة فى 27/10/1994 والتى انضمت إليها مصر.
عدم تسجيل العلامات الصوتية وعلامة الرائحة
ونلاحظ أيضا أن المشرع المصرى لم يسمح صراحة بتسجيل العلامة الصوتية وعلامة الرائحة، حيث نصت الفقرة الأخير من المادة سالفة الكر على أنه: "وفي جميع الأحوال يتعين أن تكون العلامة التجارية مما يدرك بالبصر"، وهذا النص يتفق مع نص المادة "15/1" من اتفاقية "التربس" التي تجيز للدول الأعضاء أن تشترط أن تكون العلامات المزمع تسجيلها قابلة للإدراك بالبصر.
فيما نرى وإن كان اتفاقية التربس تجيز ذلك وتشترط ذلك، ولكن لم تمنع تسجيل العلامة الصوتية أو علامة الرائحة فهذا شأن وذك أمر أخر، كما أنه كان من الأفضل أن يأخذ المشرع المصري بالاعتراف بالعلامة الصوتية وعلامة الرائحة كعلامات تجارية وينص عليها في المادة "63" من القانون المصري 82/2002، وذلك نظرا للتقدم التكنولوجي الدائم والسريع في كافة مجالات التجارة والصناعة والخدمات- هكذا يقول "عويان".
عدم الأخذ بتعدد أشكال العلامات التجارية
ويلاحظ أيضا في المادة سالفة الذكر أن المشرع المصري لم يذكر تعداد لأشكال العلامات التجارية على سبيل الحصر، ولكن على سبيل المثال حيث جاء بالنص عبارة: "وتشمل على وجه الخصوص ".
بينما يرى البعض: أن ما ورد في نص المادة "63" سالفة الذكر من القانون المصري سالف الذكر من ذكر للأشكال المختلفة للعلامات التجارية إنما ورد على سيبل المثال ولم يرد على سيبل الحصر، وهذا أيضا ما تبناه القضاء المصري حيث يجوز للعلامة اتخاذ أي شكل أخر والمهم أن يكون هدفها تمييز المنتجات والخدمات، وأن تكون مما يدرك بالبصر أما إذا كانت تدرك بالسمع – أي كانت صوتية – فلا تصح أن تكون علامة تجارية وهذا أيضا ينطبق على العلامات التي تدرك بحاسة الشم "كالعطور" حيث ان هذا النوع من العلامات لا يجوز تسجيله
والحكمة من عدم اعتراف المشرع المصري بالعلامات الصوتية وعلامة الرائحة ما تطلبه تلك العلامات من إجراءات ومعدات وخبراء وإمكانيات، مما يتعذر توافرها إلى جانب ندرتها في الحياة العملية.
التعريف الجامع المانع للعلامة التجارية
ونرى من جانبنا أن العلامة التجارية – هي كل دلالة أو إشارة مميزة وجديدة ومشروعة يستخدمها أي شخص طبيعي أو أشخاص اعتباريتين يعملون في الأنشطة التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو الخدمية أو الإنتاجية كافة لتمييز، ما يقومون ببيعه أو تصنيعه أو إنتاجيه أو تقديمه من خدمات كافة سواء كانت خدمات مدنية أو تجارية عن غيره من هذه السلع أو المنتجات أو البضائع أو الخدمات المماثلة لها التي تنافسها أو التي تقدم خدمة لها مثل الرقابة أو الفحص وتشمل على وجه الخصوص من الأسماء والإمضاءات والكلمات والحروف والأرقام والرسوم والرموز وعناوين المحال والدمعات والأختام والتصاوير والنقوش البارزة واللون الواحد ومجموعة الألوان أو الروائح أو الأصوات أو تدرك بحاسة الشم أو أي مزيج من هذه الأشكال وكذلك أى خليط من هذه العناصر إذا كانت تستخدم أو يراد أن تستخدم أما في تمييز منتجات عمل صناعي أو استغلال زراعي أو استغلال للغابات أو لمستخرجات الأرض، وذلك بهدف التميز والحماية للمنتجات والسلع والبضائع، وما يقدم من خدمات من الاعتداء عليها.
ضرورة تدخل المشرع لإجراء تعديل تشريعي
وفى الأخير - لابد من تتدخل المشرع المصري بإجراء تعديل على تعريف العلامة التجارية بحيث يتم اضافة علامة الشم والصوت إلى المادة 63 من القانون رقم 82 لسمة 2002 الخاص بحماية الملكية الفكرية، كما أنه كان من الأفضل أن يأخذ المشرع المصرى بالاعتراف بالعلامة الصوتية وعلامة الرائحة كعلامات تجارية وينص عليها في المادة "63" من القانون المصرى 82/2002، وذلك نظرا للتقدم التكنولوجى الدائم والسريع فى كافة مجالات التجارة والصناعة والخدمات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة