هجمات إرهابية متزايدة في الساحل الأفريقي وعمليات تركية لنقل عناصر داعش والقاعدة إلى ليبيا، مشهد يثير قلق دولى متزايد وخاصة الفرنسي حيث تواجه المصالح الفرنسية خطرا كبيرا في هذه المنطقة، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدعوة او "استدعاء" رؤساء دول مجموعة الساحل الإفريقي الخمس للاجتماع في مدينة بو الفرنسية لتعزيز شرعية وجود القوات الفرنسية فيها وحض الحلفاء الأوروبيين على التحرك.
القمة التي تعقد مساء الاثنين، يشارك فيها رؤساء دول مجموعة الساحل الخمس، تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
وبحسب الوكالة الفرنسية فلقد تم دعوة الرؤساء الخمسة بشكل مفاجئ مطلع ديسمبر من قبل الرئيس الفرنسي الذي شعر بالاستياء من الانتقادات العلنية للرأي العام في هذه الدول لوجود نحو 4500 عسكري من قوة برخان الفرنسية في المنطقة، وتصريحات لبعض وزرائهم اعتبرت مبهمة.
وعند إطلاقه هذه الدعوة المفاجئة التي اعتبرها رؤساء الدول الخمس "استدعاء"، حذر ماكرون من أنه سيضع كافة الخيارات الممكنة على الطاولة، من ضمنها خيار انسحاب قوة برخان أو خفض عدد المشاركين فيها. لكن الرئيس الفرنسي أرجأ هذه القمة بعد الهجوم الدموي على معسكر إيناتس في النيجر، الذي قتل فيه 71 شخصاً، وكان الأكثر دموية منذ 2015.
وتزيد الأوضاع في ليبيا في ظل نقل النظام التركي مئات العناصر الإرهابية للبلاد لمواجهة الجيش الليبي الوطني بقيادة الجنرال خليفة حفتر، قلقا متزايدا. فخلال مؤتمر صحفى مشترك مع جوزيبى كونتى، رئيس وزراء إيطاليا، ديسمبر الماضي، جوتيرس، ليبيا بأنها سرطان ينشر عدم الاستقرار والصراعات فى مناطق واسعة من افريقيا وبشكل رئيسى فى منطقة الساحل. قائلا "نرى شبكة من الإرهاب تمتد من الساحل والآن إلى تشاد وتظهر فى جمهورية الكونغو وموزمبيق" مضيفا "يبدو واضحا اننا لا ننتصر فى معركتنا ضد الإرهاب فى الساحل".
وانتقد الأمين العام للأمم المتحدة، الدول التى تنتهك الحظر الأممى على الأسلحة فى ليبيا، معربا عن إحباطه الكبير بشأن الأمر وحقيقة أن هذه الدول تقر علنا بذلك، فى إشارة إلى دعم تركيا للميليشيات التابعة لحكومة الوفاق الوطنى. وشدد جوتيرس على أن السلام فى ليبيا هو أمر حتمى للسلام والاستقرار فى مناطق واسعة من افريقيا. وقال "نعتقد انه من المهم للغاية وقف اطلاق النار وانه من المهم قطعا ان نستأنف الحوار فى ليبيا للوصول إلى حل سياسى للبلاد".
وفى لقاء تليفزيونى مؤخرا، قال محمد صالح عنديف، كبير مبعوثى الأمم المتحدة فى منطقة الساحل، "نقول إننا قد قضينا على داعش فى العراق وسوريا. هل يسأل الناس السؤال إلى أين يذهب هؤلاء الأشخاص؟ "هناك نسيم يتجه نحو الساحل".
وتضاعفت موجات العنف التى تنطوى على جماعات متطرفة فى المنطقة منذ عام 2015، وفقًا لمركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية الذى يتخذ من واشنطن مقراً له.
و كانت هناك 700 حلقة عنيفة عام 2019 وحده، بما فى ذلك هجوم كبير ومميت على قاعدة عسكرية فى غرب النيجر الشهر الجارى أسفر عن مقتل أكثر من 70 جنديا نيجيريا.
لكن القلق الفرنسي يتعلق أيضا بزيادة شعور بالعداء لفرنسا خصوصا في مالي التي شهدت الجمعة تظاهرة لنحو ألف شخص في العاصمة باماكو للمطالبة برحيل القوات الفرنسية والأجنبية.
وتريد باريس من قمة الاثنين الحصول على إعلان مشترك من قبل الرؤساء الخمسة، يؤكد أن فرنسا تعمل في دولهم بطلب منهم بهدف "إضفاء الشرعية مجددا" على وجودها في المنطقة، وفق ما يوضح الإليزيه المستاء من "الخطاب المناهض لفرنسا".
وقالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي: "يجب أولا الحصول على موقف واضح من المسؤولين السياسيين، إن كانوا يرغبون بذلك أو لا".
وقال الرئيس المالي ابراهيم أبو بكر كيتا مطلع يناير إن "هذا اللقاء سيكون حاسماً، لأنه سيسمح في أن توضع على الطاولة كل القضايا والمطالب والحلول".
وعلاوة على شقها السياسي، فإن قمة بو ستكون فرصة لإعادة صياغة الاستراتيجية العسكرية ضد الجهاديين في تلك المنطقة الشاسعة التي تعادل مساحة أوروبا، ودعوة الحلفاء الدوليين والأوروبيين خصوصاً إلى زيادة مشاركتهم.وينوي رئيس النيجر محمد يوسفو أن يطلق في القمة "دعوة إلى التضامن الدولي" حتى لا يكون الساحل وفرنسا وحيدين في هذه "المعركة" ضد "آفة" الجهاديين.
من جهة أخرى، تعمل فرنسا على إنشاء عملية جديدة تحت اسم "تاكوبا"، تضم قوات خاصة من نحو عشر دول أوروبية.
وتأمل باريس أن تقنع قمة بو الأوروبيين المترددين في الانضمام إليها. فهؤلاء مؤيدون لضرورة مكافحة الجهاديين في تلك المنطقة، لكنهم قلقون من تعرض فرنسا لانتقادات دون تحقيق مكسب سياسي من هذا التدخل.ويعد تردد الامريكيين الذين لا يمكن الاستغناء عن دعمهم العسكري في المنطقة، مصدر قلق آخر لباريس، وفق ما يوضح الإليزيه.
ومنذ هجوم إيناتيس، لم يتوقف سفك الدماء في المنطقة التي باتت منذ 2012 ساحة لنشاط العديد من المجموعات الجهادية التي ترتبط بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.وعشية عيد الميلاد، قتل سبعة عسكريين و35 مدنيا في هجوم في أربيندا ببوركينا فاسو، تلاه الهجوم في شينيجودار على الحدود بين مالي والنيجر، الذي قتل فيه 89 جنديا نيجريا.
وتبدو قوات القوة المشتركة لدول الساحل الخمس التي شكّلت عام 2017 عاجزة أمام تصاعد قوة هذه الهجمات.وضاعفت فرنسا هجماتها المضادة لكن النتائج العسكرية ليست كافية، بحسب الاليزيه.وبحسب الأمم المتحدة، قتل أكثر من أربعة آلاف شخص في هجمات إرهابية في 2019 في بوركينا فاسو ومالي والنيجر. وزاد عدد النازحين عشرة أضعاف، ليبلغ نحو مليون شخص.