مشاهد بعينها لا يمكن أن تغفلها عيناك، السيارات المحملة بالطيور الحية وهى تخترق الشوارع والتجمعات السكنية، الروائح المنبعثة من محلات الطيور والتى تزكم أنفك بمجرد مرورك جوارها، الريش المتطاير هنا وهناك والفضلات المبعثرة فى كل مكان والتى تصيبك بالذعر كلما أدركت انها أحد مصادر نقل الأمراض والأوبئة اليك ولأسرتك الصغيرة، تفاصيل كثيرة تصادفك فى حياتك اليومية ويتجدد معها التساؤل ما الذى يمكن فعله مع بؤر الأمراض والأوبئة تلك والموجودة حولك ؟
بداية الأزمة :
خلال العشر سنوات الأولى من الألفية الثالثة وتحديدا عام 2007، عرفت مصر مصطلح "انفلونزا الطيور" H5N1 واجتاح الفيروس البلاد وتسبب فى خسائر جسيمة لأصحاب مزارع الدواجن ومربيها من القرويين، نتج عنها وفاه وإصابة عشرات البشر من مخالطى الطيور.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن فيروس أنفلونزا الطيور ، انتقل من الطيور إلى البشر لأول مرة عام 1997، وظهر بين الدواجن فى منطقة هونغ كونج وتمكن بعدها من الظهور والانتشار مجددا على نطاق واسع فى عامى 2003 و2004 من الانتقال من آسيا إلى اوروبا وأفريقيا مما أدى لوقوع العديد من الاصابات بين الدواجن واسفرت عن وفاه مئات الأشخاص حول العالم .
وأمام هذه الكارثة سارعت الدولة وقتها لاتخاذ كافة التدابير التى تقيها من انتشار هذا الفيروس الذى يصيب الطيور ويكمن فى دمائها ولعابها وامعائها وأنوفها وفضلاتها والتى تجف لتتحول إلى ذرات غبار متطايرة يستنشقها الدجاج والإنسان على حد سواء، فأصدرت القانون رقم 70 لسنة 2009 ولائحته التنفيذية بشأن تنظيم وتداول وبيع الطيور الحية وعرضها للبيع.
وبالفعل نجح القانون فى السيطرة على الفيروس والحد من انتشاره لمدة عامين قبل أحداث 2011 وذلك من خلال مواده التى اشترطت الحصول على تصاريح من وزارة الزراعة تؤكد أن الدواجن فى المزارع سليمة وكذلك يحصل كل من ينقل دواجن حية على تصاريح لتؤكد على سلامة الدواجن، وانه سيذهب بها إلى أحد المجازر لذبحها وليس لأحد الأسواق لبيعها حية، كما كان يحدث من قبل وذلك بعد الفحص من قبل المعمل القومى للرقابة البيطرية على الانتاج الداجنى، وثبوت خلوها من مرض أنفلونزا الطيور.
مخالفة الاشتراطات البيئية :
تعد صناعة الدواجن فى مصر من الصناعات القوية والواعدة ويعمل بها حوالي 2.5 مليون عامل، ويبلغ حجم استثماراتها وفقا للأرقام المعلنة 65 مليار جنيه وتنتج سنويا ما يقرب من مليار و250 مليون كتكوت وحوالي مليار دجاجة و8 مليارات بيضة مائدة ويصل عدد المزارع لحوالى 40 ألف مزرعة عدد المزارع إلى 40 ألف مزرعة تقريبا، على مستوى الجمهورية، وبشكل عام يبلغ انتاج مصر من الثروة الداجنة 1.6 مليون طن سنويا.
ولكن أمام هذه الثروة الضخمة هناك مجموعة من المخالفات التى تحدث أثناء عملية بيع وتداول الطيور الحية مما يؤدى لانتشار الأوبئة والأمراض على رأس تلك المخالفات دخول السيارات المحملة بالدواجن الحية وسط المدن والكتل السكنية، وتجاهل قواعد عملية الذبح وانتشار مخلفاتها فى كل مكان هذا بخلاف وجوب تنظيف تلك المحلات وإجراء عملية تطهير يوميا فور الانتهاء من العمل وتوفير مصادر وأدوات كافية للتهوية وكذلك شهادات صحية لجميع القائمين على عملية الذبح وتنظيف الطيور ولكن هذا لا يحدث على أرض الواقع .
ما هى أهمية قانون 70؟
الحفاظ على ثروة مصر الداجنة كما ترى شعبة الدواجن بالغرف التجارية والمجتمع البيطرى واللذان اعلنا سابقا عن موقفهما المؤيد لمنع تداول وبيع الطيور الحية، يحتاج لتطبيق مثل هذه القوانين وذلك لإنعاش هذه الصناعة التى تأثرت كثيرا بتهديد إنفلونزا الطيور وتقليل احتمالية انتقال هذا الوباء للإنسان وحل الكثير من المشكلات المرورية والبيئية التى تنتج عن توزيع الدجاج الحى بصورته الحالية داخل المدن، بالإضافة لاستيعاب هذا المنتج الحى اليومى من خلال المجازر وتوقيع الكشف البيطرى الدورى عليه للتأكد من سلامته قبل عملية الذبح.
هذا كله بخلاف أن مثل هذه القوانين ستساهم فى تقنين ومنع تربية الدواجن فوق أسطح المنازل ويحد من انتقال الدجاج الحى داخل الكتل السكنية واستبدال ذلك بالمجازر الواقعة على حدود المدن وهذا كله سيسهم فى توفير مصدر آمن للدواجن ويضمن جودة المنتج النهائى نتيجة الرقابة الصحية على تلك المجازر من قبل الهيئة العامة للخدمات البيطرية والتى تتطلب وجود طبيب مقيم لكل مجزر وسيؤدى كذلك لإعادة استغلال المخلفات بشكل سليم بدلا من المخالفات التى كانت تحدث اثناء عمليه التخلص منها من قبل المحلات العادية .
وبالتالى ووفقا لما تم رصده سابقا تبقى مجموعة من الأسئلة الهامة التى تنتظر اجابات عنها خلال الفترة القادمة.. كيف يمكن الحد من كم الاوبئة والفيروسات الناجمة عن تداول وبيع الطيور الحية؟، متى ستتوقف انبعاثات الروائح الكريهة والريش المتطاير من منافذ الذبح داخل الكتل السكنية وتختفى السيارات المحملة بالدواجن الحية داخل المدن ؟ كيف يطمئن المواطن البسيط لسلامة المنتج النهائى الذي يحصل عليه دون ان تساوره الشكوك بشأن طريقة الذبح ونظافة الطير وسلامة العاملين داخل هذا المنفذ؟