بدأت فى قراءة رواية فساد الأمكنة للكاتب الكبير الراحل صبرى موسى ولم أكملها، عندما وصلت إلى مشهد ما شعرت بالخوف، لقد فقدت الحدود الفاصلة بين الرواية والحقيقة، أمسكت الرواية بنفسى وأشعرتنى بالقلق فتوقفت عن القراءة كى أنجو من سحرها.
تعد رواية فساد الأمكنة للكاتب الكبير صبرى موسى واحدة من أفضل الروايات فى تاريخ الأدب العربي، تدور الرواية عن"صحراء لم يبق فيها سوى "نيكولا" رجل حلم بموطن فلم يحظ إلا بقبر وارى بين صخوره جسد "إيليا" البنت والحبيبة، دفن معها أحلامه ومصير أرض زرع فيها الخطيئة فلم يجن غير الدمار.
يقول صبرى موسى عن فساد الأمكنة، "فى ربيع 1963 أمضيت فى جبل "الدرهيب" بالصحراء الشرقية قرب حدود السودان "ليلة" خلال رحلتى الأولى فى تلك الصحراء، وفى تلك الليلة ولدت فى شعورى بذور تلك الرواية، ثم رأيت الدرهيب مرة ثانية بعد عامين، خلال زيارة لضريح المجاهد الصوفى أبى الحسن الشاذلى المدفون فى قلب هذه الصحراء عند "عيذاب".
ويتابع: "فى تلك الزيارة الثانية للدرهيب أدركت أننى فى حاجة لمعايشة هذا الجبل والإقامة فيه، إذا رغبت فى كتابة هذه الرواية".
وأضاف: "قد وافقت وزارة الثقافة على تفرغى من نوفمبر عام 1966 إلى نوفمبر 1967 للإقامة فى الصحراء حول الدرهيب.. للتفكير ومحاولة الكتابة، ولكننى بدأت فى كتابتها عام 1968 ثم انتهيت منها وعام 1970 لم يبدأ بعد، وقد نشرت مسلسلة بمجلة صباح الخير خلال عامى 1969 و1970 ثم نشرت طبعتها الأولى كاملة فى العدد (204) من الكتاب الذهبى الذى صدر فى يوليو 1973 وفى عام 1974 فازت "فساد الأمكنة" بجائزة الدولة التشجيعية".
ووصف غالب هلسا رواية "فساد الأمكنة" قائلا: "هذه رواية فذة، اقتحمت عالما عربيا صعب المسالك"، ليست العبقرية فى الرواية التى حكى فيها سيرة ذلك القادم من جبال القوقاز ليقدمه إلينا عبر وليمة جبلية، وإنما العبقرية فى جعل هذا القديس القوقازى يتوحد مع سكونية وصوفية الجبل الذى حلّ فى جسد الجد الأكبر كوكا لوانكا، ويأخذنا فى نهاية الرواية فى مشهد أسطورى لبطله الذى يجسد ملامح البطل الإغريقى وهو يقتاد ابنته إيليا التى جعلها على اسم زوجته التى قالت له فى لحظة عشق: سأتركك لمصير مُفْجِع امتثالا لقانون المكان.